رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 1 نوفمبر، 2022 0 تعليق

خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – الْحُرِّيَّةُ بَيْنَ الِانْضِبَاطِ وَالِانْفِلَاتِ

إِنَّ مِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللَّهِ -تعالى- عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ، وَمِنَّتِهِ عَلَى خَلْقِهِ مِنَ المُسْلِمِينَ، أَنْ أَكْمَلَ لَهُمْ أَحْكَامَ شَرِيعَتِهِ، وَأَتَمَّ لَهُمْ دِينَهُ، وَأَحْكَمَ لَهُمْ شَعَائِرَهُ، فَجَعَلَ لَهُمْ فِيهِ الكِفَايَةَ، وَأَوْصَلَهُمْ بِهِ إِلَى الغَايَةِ، وَأَنْقَذَهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ؛ قَالَ سُبْحَانَهُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة:3)، فَلَا يَقْبَلُ اللهُ -تعالى- بَعْدَ الإِسْلَامِ دِينًا آخَرَ؛ قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران:85).

      وَلَقَدْ ظَهَرَ اليَوْمَ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الإِسْلَامَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَنْهَجًا لِحَيَاةِ النَّاسِ، وَادَّعَوْا زُورًا وَبُهْتَانًا أَنَّهُ يَتَعَارَضُ مَعَ الحُرِّيَّاتِ، وَأَنَّهُ يَمْنَعُهُمْ مِنْ قَوْلِ أَوْ فِعْلِ مَا يَشَاءُونَ، يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنْ يَتَخَلَّى النَّاسُ عَنْ كُلِّ قَيْدٍ شَرْعِيٍّ، وَيَنْفَلِتُوا مِنْ كُلِّ اعْتِبَارٍ أَخْلَاقِيٍّ، وَمِعْيَارٍ اجْتِمَاعِيٍّ، وَقَانُونٍ عُرْفِيٍّ، فَيُبِيحُوا الكُفْرَ وَالإِلْحَادَ، وَالنِّفَاقَ وَالفَسَادَ، دُونَ رَادِعٍ أَوْ نَكِيرٍ، بِدَعْوَى أَنَّ الإِنْسَانَ حُرٌّ فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَلَا سُلْطَانَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ.

تَكْرِيم الإِنْسَانِ

      لَقَدْ جَاءَ دِينُنَا العَظِيمُ بِتَكْرِيمِ الإِنْسَانِ أَحْسَنَ تَكْرِيمٍ: فَخَلَقَهُ الْبَارِي عَزَّ وَجَلَّ بِفِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ، وَعَقْلٍ رَاجِحٍ، قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء:70)، فَجَعَلَهُ بِذَلِكَ مَحَلَّ التَّكْلِيفِ وَمَوْضِعَ التَّشْرِيفِ؛ حَتَّى يَكُونَ أَهْلًا لِحَمْلِ الأَمَانَةِ وَأَدَاءِ الرِّسَالَةِ، قَالَ -تعالى-: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (الأحزاب:72)، فَفَرَضَ عَلَيْهِ الفَرَائِضَ وَأَمَرَهُ بِأَدَائِهَا، وَحَدَّ لَهُ حُدُودًا وَمَنَعَهُ مِنَ الوُقُوعِ فِيهَا، وَأَبَاحَ لَهُ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِمَّا يَنْفَعُهُ وَلَا يَضُرُّهُ، وَشَرَعَ لَهُ حَقَّ الإِرَادَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَالتَّصَرُّفِ، فَهُوَ يَخْتَارُ مَا يَشَاءُ بِإِرَادَتِهِ المَحْضَةِ: مِنَ الْعَمَلِ وَالتِّجَارَةِ وَالْمِلْكِيَّةِ الخَاصَّةِ، وَالأَكْلِ وَالمَلْبَسِ وَالمَشْرَبِ، وَالزَّوَاجِ وَالطَّلَاقِ وَسَائِرِ العُقُودِ، وَالتَّعْبِيرِ عَنْ رَأْيِهِ فِي الشُّؤُونِ الثَّقَافِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ وَالعِلْمِيَّةِ كَافَّةً، وَمَعَ إِعْطَائِهِ هَذَا الحَقَّ جَعَلَهُ مَسْؤُولًا عَنْ تَصَرُّفَاتِهِ وَأَعْمَالِهِ، وَأَلْزَمَهُ بِمَا جَاءَ فِي شَرِيعَةِ الإِسْلَامِ الكَامِلَةِ الخَالِدَةِ العَادِلَةِ، فَلَا يَتَعَدَّى عَلَى حَقِّ الآخَرِينَ، وَلَا يَتَجَاوَزُ مَا نَهَى عَنْهُ رَبُّ العَالَمِينَ، سَوَاءً فِي الأَخْلَاقِ وَالسُّلُوكِ، أَوِ النُّظُمِ وَالتَّشْرِيعَاتِ، أَوِ العِلْمِ وَالمَعْرَفَةِ وَالثَّقَافَاتِ، أَوْ الِاقْتِصَادِ وَالسِّيَاسَةِ وَالدِّيَانَاتِ، خَاضِعٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِلْأَوَامِرِ الإِلَهِيَّةِ؛ قَالَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (الأحزاب:36) وَأَكَّدَ أَنَّ اخْتِيَارَهُ وَإِرَادَتَهُ تَظْهَرُ حَقِيقَةً فِي الِاسْتِجَابَةِ لِلتَّشْرِيعَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ؛ قَالَ -تعالى-: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (النور:51).

حُقُوق الإِنْسَانِ وتأكيدها

      لَقَدْ جَاءَ الإِسْلَامُ مُنْذُ ظُهُورِهِ بِحُقُوقِ الإِنْسَانِ وَالتَّأْكِيدِ عَلَيْهَا -قَبْلَ المُجْتَمَعَاتِ الأُمَمِيَّةِ، وَاعْتَنَى بِحِفْظِهَا وَحِمَايَتِهَا، فَعِنْدَمَا أَضَاعَ بَعْضُ النَّاسِ هَذِهِ الحُقُوقَ، وَتَجَاوَزَوا فِيهَا الْمَعْقُولَ وَالْمَعْهُودَ، أَصْبَحُوا فِيهَا عَبِيدًا لِأَهْوَائِهِمْ وَشَهَوَاتِهِمْ وَشَيَاطِينِهِمْ، حَتَّى بَلَغَ بِهِمُ الأَمْرُ أَنْ عَبَدُوا المَخْلُوقَ الضَّعِيفَ، وَأَبَاحُوا مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الخَبَائِثِ، وَتَجَاوَزُوا فِي ذَلِكَ مَا لَا تَقْبَلُهُ حَتَّى البَهَائِمُ: كَزَوَاجِ المِثْلِيِّينَ، وَتَغْيِيرِ خَلْقِ اللهِ -تعالى- لِلْعَالَمِينَ، كُلُّ ذَلِكَ بِدَعْوَى الحُرِّيَّةِ الْمَزْعُومَةِ، وَكَانَوا كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ:

هَرَبُوا مِنَ الرِّقِّ الَّذِي خُلِقُوا لَهُ

                                                                     فَبُلُوا بِرِقِّ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ

     فَالإِسْلَامُ بِتَشْرِيعَاتِهِ وَأَحْكَامِهِ، وَمَعَالِمِهِ وَمَعَارِفِهِ هُوَ الحِصْنُ الحَصِينُ لِحِفْظِهَا، وَالسُّورُ العَظِيمُ لِحِمَايَتِهَا؛ فَهُوَ دَعْوَةُ رَسُولِ رَبِّ العَالَمِينَ خَيْرِ الْبَشَرِ أَجْمَعِينَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- الَّذِي كَانَ كَمَا قَالَ -تعالى-: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف:157)، فَالْحُرِّيَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ هِيَ الْعُبُودِيَّةُ لِرَبِّ العَالَمِينَ، وَالِاسْتِسْلَامُ لِشَرْعِهِ الحَكِيمِ، وَالتَّحَرُّرُ مِنْ عُبُودِيَّةِ النَّفْسِ وَالْهَوَى وَالشَّيَاطِينِ.

مَفْهُومٌ دَخِيلٌ عَلَيْنَا

       إِنَّ الإِسْلَامَ لَا يُعَارِضُ كُلَّ مَا فِيهِ خَيْرٌ وَنَفْعٌ لِلْبَشَرِيَّةِ، فَالمَفْهُومُ النَّافِعُ وَالمُفِيدُ مِنْ شِعَارِ الحُرِّيَّاتِ المُعَاصِرِ لَا يَرْفُضُهُ دِينُنَا الحَنِيفُ، لَكِنَّ مَفْهُومَ هَذِهِ الكَلِمَةِ (كَلِمَةِ الحُرِّيَّةِ) الَّذِي يُرَوَّجُ لَهُ اليَوْمَ - مَفْهُومٌ دَخِيلٌ عَلَيْنَا، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَعَانٍ بَاطِلَةٍ، وَمَقَاصِدَ سَيِّئَةٍ؛ فَالتَّجَاوُزُ فِي مَفْهُومِ (الحُرِّيَّةِ الإِنْسَانِيَّةِ) الَّذِي يُرَوَّجُ لَهُ اليَوْمَ هَدَفُهُ التَّحَرُّرُ مِنَ القُيُودِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالآدَابِ الإِسْلَامِيَّةِ، وَالْقِيَمِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَمَا يُرِيدُهُ وَيَقْصِدُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ هَذِهِ الكَلِمَةِ مِنْ مَقَاصِدَ حَسَنَةٍ وَمَعَانٍ سَامِيَةٍ، فَإِنَّ الإِسْلَامَ عَبَّـرَ عَنْهَا بِاللَّفْظِ المُنَاسِبِ وَالشَّامِلِ وَالكَامِلِ، أَلَا وَهُوَ التَّعْبِيرُ بِحَقِّ الِاخْتِيَارِ وَالإِرَادَةِ وَالتَّصَرُّفِ، الَّذِي حَفِظَ فِيهِ الإِسْلَامُ كَرَامَةَ الإِنْسَانِ بِشَكْلٍ وَاسِعٍ وَتَامٍّ، وَفْقَ مَا أَرَادَهُ الشَّارِعُ الحَكِيمُ وَسَعَى لِتَحْقِيقِهِ، دُونَ التَّعَدِّي عَلَى حُقُوقِ الآخَرِينَ وَحُرِّيَّاتِهِمُ المُنْضَبِطَةِ.

 

الأُمَّةُ الإِسْلَامِيَّةُ خَيْر الأُمَمِ

       لِذَلِكَ كَانَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ الإِسْلَامِيَّةُ خَيْرَ الأُمَمِ، وَكَانَ رَسُولُهَا - صلى الله عليه وسلم - خَاتِمَ الرُّسُلِ، فَقَدْ جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ الإِسْلَامِيَّةُ بِمَا يَحْفَظُ الإِنْسَانَ وَكَرَامَتَهُ، وَيُعَمِّرُ الأَرْضَ وَيُصْلِحُهَا، وَجَعَلَتْ أَهَمَّ رَكِيزَةٍ لِذَلِكَ قِيَامَ النَّاسِ بِالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ؛ فَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ، وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا» (رَوَاهُ البُخَارِيُّ). وَجَاءَتْ بِالنَّهْيِ عَنْ ضِدِّ ذَلِكَ فَقَالَ -تعالى-: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (المأئدة:78-79).

المَسْؤُولِيَّةُ الفَرْدِيَّةُ

       لِذَلِكَ كَانَتِ المَسْؤُولِيَّةُ الفَرْدِيَّةُ الَّتِي كَلَّفَ اللَّهُ -تعالى- بِهَا العُقَلَاءَ، وَالمُنْضَبِطَةُ بِضَوَابِطِ الشَّرْعِ، وَالَّتِي كَرَّمَ اللَّهُ -تعالى- بِهَا الإِنْسَانَ وَرَفَعَهُ بِهَا، وَجَعَلَهُ مُخَاطَبًا بِالنُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ وَالأَوَامِرِ الإِلَهِيَّةِ - هِيَ أَعْظَمَ تَكْرِيمٍ لَهُ، وَهَذِهِ المَسْؤُولِيَّةُ حُدُودُهَا هِيَ القُيُودُ الَّتِي وَضَعَهَا الشَّارِعُ الحَكِيمُ، وَهِيَ مِنْ مَحَاسِنِ الإِسْلَامِ، وَالخُرُوجُ عَنْهَا يُوقِعُ فِي الْمَسَاوِئِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا، فَهَذَا الحَقُّ - حَقُّ الِاخْتِيَارِ وَالإِرَادَةِ وَالتَّصَرُّفِ - لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُكَلَّفِ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ، بِحَيْثُ لَا يُقَيِّدُهُ شَيْءٌ، لَا قَيْدٌ شَرْعِيٌّ وَلَا أَدَبِيٌّ وَلَا أَخْلَاقِيٌّ؛ فَالمَسْؤُولِيَّةُ التَّكْلِيفِيَّةُ لَا تُعْطِي المُكَلَّفَ حَقَّ الخُرُوجِ عَنْ هَذِهِ القُيُودِ، وَإِلَّا خَرَجْنَا عَنِ المَنْهَجِ الصَّحِيحِ لِلْحَيَاةِ الكَرِيمَةِ الَّتِي كَرَّمَ اللهُ بِهَا الإِنْسَانَ، الدَّائِرَةِ حَوْلَ النَّظَرِ إِلَى هَذِهِ المَحَاسِنِ وَتَحْقِيقِهَا وَالكَفِّ عَنْ هَذِهِ المَسَاوِئِ وَدَفْعِهَا.

حَقٌّ رَبَّانِيٌّ وَمَطْلَبٌ إِنْسَانِيٌّ

        وَبِالجُمْلَةِ فَالحُرِّيَّةُ بِمَفْهُومِهَا الصَّحِيحِ حَقٌّ رَبَّانِيٌّ وَمَطْلَبٌ إِنْسَانِيٌّ لَا يَسَعُ أَحَدًا إِنْكَارُهَا، وَلَكِنَّ المُشْكِلَةَ فِي اتِّخَاذِهَا شِعَارًا يُخْفِي وَرَاءَهُ أَغْرَاضًا سَقِيمَةً وَغَايَاتٍ عَقِيمَةً، مِنْ أَجْلِ الِانْفِلَاتِ مِنَ القُيُودِ وَالمَسْؤُولِيَّةِ، وَالخُرُوجِ عَنْ أُصُولِ الدِّينِ وَالأَخْلَاقِ، وَالطَّعْنِ فِي ثَوَابِتِ العَقِيدَةِ؛ وَهَذَا مَفْهُومٌ مَغْلُوطٌ يُؤَدِّي إِلَى الفَوْضَى وَالِانْفِلَاتِ، وَاسْتِحْلَالِ الوَسَائِلِ بِتَبْرِيرِ الغَايَاتِ، فَهُوَ حَقٌّ أُرِيدَ بِهِ بَاطِلٌ، وَظَاهِرُهُ رَحْمَةٌ وَبَاطِنُهُ عَذَابٌ.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك