رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 26 يناير، 2025 0 تعليق

خطبة وزارة الأوقاف – حُقُوقُ الْإِنْسَانِ وَحُرْمَةُ الِاتِّجَارِ بِهَا

  • رَسَّخَ النبي صلى الله عليه وسلم مَبْدَأَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى حُقُوقِ الْإِنْسَانِ وَشَدَّدَ عَلَى ضَرُورَةِ حِمَايَتِهَا وَرِعَايَتِهَا فَهِيَ مِنَحٌ رَبَّانِيَّةٌ جَلِيلَةٌ
  •  اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قد كرم  الْإِنْسَانَ أَعْظَمَ تَكْرِيمٍ وَمَيَّزَهُ بِمَزَايَا عَدِيدَةٍ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعَالَمِينَ وَفَضَّلَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا
  • إِنَّ دِينَنَا الْحَنِيفَ أَمَرَ بِحِفْظِ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ وَكَرَامَتِهِ عِنْدَمَا أَمَرَ بِحِفْظِ الضَّرُورِيَّاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْظَمِ مَقَاصِدِ التَّشْرِيعِ

جاءت خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لهذا الأسبوع بتاريخ 17 من رجب 1446 هـ - الموافق   17 من يناير 2025م ، بعنوان (حُقُوقُ الْإِنْسَانِ وَحُرْمَةُ الِاتِّجَارِ بِهَا)؛ حيث بينت الخطبة أن اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- قد كرم  الْإِنْسَانَ أَعْظَمَ تَكْرِيمٍ، وَمَيَّزَهُ بِمَزَايَا عَدِيدَةٍ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعَالَمِينَ، وَفَضَّلَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا، قَالَ جَلَّ جَلَالُهُ: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلً} (الإسراء: 70)، وَهَذَا تَكْرِيمٌ عَامٌّ لِسَائِرِ بَنِي آدَمَ.

تكريم الله الخاص لعباده المؤمنين

       كما ذُكر في الخطبة: هُنَاكَ تَكْرِيمٌ خَاصٌّ خَصَّ اللَّهُ -تَعَالَى- بِهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّبَعُوا سَبِيلَ الرَّشَادِ وَكَانُوا يَتَّقُونَ، وَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ؟ قَالَ: «أَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاهُمْ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه -)، وَبِهَذَا التَّكْرِيمِ الْخَاصِّ هَيَّأَهُمْ جَلَّ جَلَالُهُ لِحَمْلِ الْأَمَانَةِ الَّتِي عَرَضَهَا عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ، فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا، فَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ بِمَا أَكْرَمَهُ بِهِ رَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ- مِنَ الْعَقْلِ الْمُسْتَنِيرِ، وَبِمَا أَرْسَلَ إِلَيْهِ مِنْ رَسُولٍ يُبَيِّنُ لَهُ سُبُلَ الْهُدَى وَطَرِيقَ النَّجَاةِ، فَيَسْمُو الْمُؤْمِنُ الْمُوَحِّدُ بِهَذَا التَّكْرِيمِ الْخَاصِّ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْعَالَمِينَ.

المحافظة على حقوق الإنسان مبدأ شرعي

      إِنَّ دِينَنَا الْحَنِيفَ أَمَرَ بِحِفْظِ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ وَكَرَامَتِهِ، عِنْدَمَا أَمَرَ بِحِفْظِ الضَّرُورِيَّاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْظَمِ مَقَاصِدِ التَّشْرِيعِ، فَبِحِفْظِهَا تُضْمَنُ الْحُقُوقُ الْأَسَاسِيَّةُ لِلْإِنْسَانِ فِي دِينِهِ وَعَقْلِهِ وَنَفْسِهِ وَعِرْضِهِ وَمَالِهِ، وَفِي سَبِيلِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى هَذِهِ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ وَضَعَتْ شَرِيعَتُنَا الْغَرَّاءُ عُقُوبَاتٍ زَاجِرَةً، وَإِجْرَاءَاتِ وِقَايَةٍ صَارِمَةً، بِقَصْدِ حِمَايَةِ حُقُوقِ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ وَصِيَانَةِ كَرَامَتِهِمْ عَنْ كُلِّ مَا يُعَكِّرُ صَفْوَهَا، وَقَدْ أَكَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ، الَّتِي كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ مِيثَاقٍ شَامِلٍ لِحُقُوقِ الْإِنْسَانِ وَحِفْظِ كَرَامَتِهِ؛ إِذْ قَالَ فِيهَا - صلى الله عليه وسلم-: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُم» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه -).

الوعيد لكل من تجرأ على الانتقاص من حقوق الناس

       رَسَّخَ رَسُولُنَا الْكَرِيمُ -عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ- مَبْدَأَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى حُقُوقِ الْإِنْسَانِ، وَشَدَّدَ عَلَى ضَرُورَةِ حِمَايَتِهَا وَرِعَايَتِهَا، فَهِيَ مِنَحٌ رَبَّانِيَّةٌ جَلِيلَةٌ، مَنَحَهَا رَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا لِبَنِي آدَمَ أَجْمَعِينَ، لَا تَقْبَلُ النَّقْصَ وَلَا التَّعْطِيلَ، بَلْ إِنَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- حَرَّمَ الِاعْتِدَاءَ عَلَيْهَا، وَتَوَعَّدَ كُلَّ مَنْ تَجَرَّأَ عَلَى الِانْتِقَاصِ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، ورَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، فَاسْتَوْفَى مِنْهُ ولَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وَبِهَذَا يَظْهَرُ مَدَى حِرْصِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ عَلَى صِيَانَةِ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ، وَالْحَضِّ عَلَى حِفْظِهَا، وَعَدَمِ الْمِسَاسِ بِهَا، وَالنَّهْيِ عَنِ الْعَبَثِ فِي كُلِّ مَا مِنْ شَأْنِهِ الِانْتِقَاصُ مِنْهَا، فَمُنْذُ أَنْ بَزَغَ نُورُ الْإِسْلَامِ عَلَى هَذِهِ الدُّنْيَا وَهُوَ يَدْعُو إِلَى تَكْرِيمِ الْإِنْسَانِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى حُقُوقِهِ، وَجَرَّمَ الِاتِّجَارَ بِالْبَشَرِ الَّذِينَ جَعَلَهُمُ اللَّهُ -تَعَالَى- أَحْرَارًا، فَحَرَّمَ أَنْ يُبَاعَ الْإِنْسَانُ الْحُرُّ أَوْ أَنْ يُشْتَرَى، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَانَ اللَّهُ -تَعَالَى- خَصِيمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

صيانة حق الأجير وحسن معاملة الخدم

       لَقَدْ دَعَتْ شَرِيعَتُنَا الْغَرَّاءُ إِلَى رِعَايَةِ حَقِّ الْأَجِيرِ وَحُسْنِ مُعَامَلَةِ الْخَدَمِ، وَالتَّرْهِيبِ مِنْ ظُلْمِهِمْ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ -رضي الله عنه - وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ»، وَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رضي الله عنه - لَيْلَةً لِيَقْضِيَ بَعْضَ أَمْرِهِ فَقِيلَ لَهُ: لَوْ أَمَرْتَ بَعْضَ الْخَدَمِ فَكَفَوْكَ، فَقَالَ: (لَا، اللَّيْلُ لَهُمْ يَسْتَرِيحُونَ فِيهِ)، هَا هُوَ ذُو النُّورَيْنِ - رضي الله عنه - يَضْرِبُ لَنَا أَرْوَعَ الْأَمْثِلَةِ فِي احْتِرَامِ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ، فِي إِعْطَائِهِ خَادِمَهُ قِسْطًا مِنَ الرَّاحَةِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ إِرْهَاقِ عَمَلِ النَّهَارِ.

التحذير من عاقبة الظلم

       لَقَدْ تَضَافَرَتِ الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ عَلَى تَأْكِيدِ رِعَايَةِ حَقِّ الْأَجِيرِ وَحِفْظِ حُقُوقِهِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَدَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى تَحْرِيمِ ظُلْمِهِ، فَمَا بَالُكُمْ بِالِاتِّجَارِ بِهِ وَامْتِهَانِ كَرَامَتِهِ! هُوَ مُحَرَّمٌ مِنْ بَابِ أَوْلَى، فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ: ضَرُورَةُ الِالْتِزَامِ بِمَبَادِئِ دِينِنَا الْحَنِيفِ، وَأَحْكَامِ شَرِيعَتِنَا الْغَرَّاءِ فِي شَتَّى مَنَاحِي الْحَيَاةِ، وَمِنْهَا الْكَفُّ عَنْ ظُلْمِ النَّاسِ وَبَخْسِهِمْ حُقُوقَهُمْ، فَالظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ، وَالسَّعَادَةَ كُلَّ السَّعَادَةِ فِي الْبَذْلِ وَالْعَطَاءِ، فَأَعْطُوا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، مِنْ عُمَّالٍ وَخَدَمٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُجَرَاءِ، وَلَا تَتَسَلَّطُوا عَلَيْهِمْ، رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي، «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ»، فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ، قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ»، قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، فَقَالَ: «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، أَنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ»، قَالَ: فَقُلْتُ: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ -رضي الله عنه -: فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَقَالَ: «أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ»، فَيَجِبُ عَلَيْنَا -يَا رَعَاكُمُ اللَّهُ- مُحَارَبَةُ ظُلْمِ الْبَشَرِ وَتَضْيِيقُ الْخِنَاقِ عَلَى الْمُتَاجِرِينَ بِهِمْ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ مَغَبَّةِ فِعْلِهِمْ، وَعَدَمُ التَّعَاوُنِ مَعَهُمْ، أَوْ السُّكُوتِ عَنْ جَرَائِمِهِمُ النَّكْرَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ الَّذِي نَهَانَا اللَّهُ -تَعَالَى- عَنْهُ بِقَوْلِهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة:2).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك


X