رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 11 ديسمبر، 2024 0 تعليق

خطبة وزارة الأوقاف – الْفَسَادُ وَطرائقُ مُكَافَحَتِهِ

  • مَنْ أَعَانَ الْمُفْسِدِينَ أَوْ رَضِيَ بِأَفْعَالِهِمْ أَوْ تَسَتَّرَ عَلَيْهِمْ أَوْ بَرَّرَ لَهُمْ فَهُوَ شَرِيكٌ لَهُمْ فِي الْإِثْمِ
  • شَرِيعَة الْإِسْلَامِ عَدَّتِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ مِنْ كَبَائِرِ الْآثامِ وَجَعَلَتْ مُرْتَكِبِيهَا مُسْتَحِقِّينَ لِلَّعْنَةِ وَالْوَعِيدِ بِعَذَابِ ذِي الْعِزَّةِ وَالِانْتِقَام
  • مُحَارَبَة الْفَسَادِ بِكُلِّ أَنْوَاعِهِ مَسْؤُولِيَّةُ كُلِّ فَرْدٍ مِنَّا فِي هَذَا الْمُجْتَمَعِ فَعَلَى كُلٍّ مِنَّا أَنْ يُؤَدِّيَ وَاجِبَهُ الشَّرْعِيَّ وَيَقُومَ بِدَوْرِهِ الدِّينِيِّ
 

كانت خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لهذا الأسبوع 5 من جمادى الآخرة 1446 هـ - الموافق 6/12/2024م، بعنوان: (الْفَسَادُ وَطرائقُ مُكَافَحَتِهِ)؛ حيث أكدت الخطبة أنَّ اللَّهُ -تَعَالَى- خَلَقَ الْخَلْقَ، وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ، وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ الْكِرَامَ، وَأَحَلَّ الْحَلَالَ وَحَرَّمَ الْحَرَامَ، لِتَحْقِيقِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ، وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ عَنْهُمْ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ.

          وبينت الخطبة أنَّ الشَّرَائِعُ السَّمَاوِيَّةُ اتَّفَقَتِ عَلَى وُجُوبِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الضَّرُورِيَّاتِ الْخَمْسِ الَّتِي لَا قِوَامَ لِلْحَيَاةِ بِدُونِهَا، وَهِيَ: حِفْظُ الدِّينِ وَالنَّفْسِ وَالنَّسْلِ (أَوِ النَّسَبِ) وَالْعَقْلِ وَالْمَالِ، وَالشَّرِيعَةُ كَمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-: «مَبْنَاهَا عَلَى تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا»، وَأَيْنَمَا وُجِدَتِ الْمَصْلَحَةُ فَثَمَّ شَرْعُ اللهِ، وَحَيْثُمَا كَانَتِ الْمَفْسَدَةُ حَارَبَتْهَا الشَّريعةُ الْغَرَّاءُ، وقدْ شَرَعَتْ لِلْحِفَاظِ عَلَيْهَا حُدُودًا زَاجِرَةً، وَعُقُوبَاتٍ رَادِعَةً، وَدَعَتْ إِلَى الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ، وَنَهَتْ عَنِ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ، بَلْ حَارَبَتِ الْفَسَادَ بِشَتَّى صُوَرِهِ، فَحَرَّمَتِ الرِّشْوَةَ، وَجَرَّمَتِ السَّرِقَةَ وَالِانْتِهَابَ، وَنَهَتْ عَنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَ عَنِ الْغَرَرِ وَالْغِشِّ وَالتَّدْلِيسِ وَالْكَذِبِ وَالتَّزْوِيرِ وَسَائِرِ وُجُوهِ الِاسْتِغْلَالِ وَالْبُهْتَانِ، {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة:2).

عَدَم الِانْقِيَادِ لِلْمُفْسِدِينَ

        كَمَا دَعَتِ الشريعة النَّاسَ إلَى عَدَمِ الِانْقِيَادِ لِلْمُفْسِدِينَ أَوْ مُعَاوَنَتِهِمْ عَلَى الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ، فَإِنَّ مَنْ أَعَانَ الْمُفْسِدِينَ أَوْ رَضِيَ بِأَفْعَالِهِمْ أَوْ تَسَتَّرَ عَلَيْهِمْ أَوْ سوَّغ لَهُمْ، فَهُوَ شَرِيكٌ لَهُمْ فِي الْإِثْمِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (الأعراف:85)، وَحَذَّرَتْ مِنَ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ وَذَمَّتْهُ بِجَمِيعِ الْأَشْكالِ وَالْأَلْوانِ: مِنْ إِفْسَادِ النُّفُوسِ وَالْأَنْسَابِ وَالْأَمْوَالِ وَالْعُقُولِ وَالْأَدْيَانِ، {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (البقرة:205).

الفساد مِنْ كَبَائِرِ الْآثامِ

        إِنَّ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ عَدَّتِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ مِنْ كَبَائِرِ الْآثامِ، وَجَعَلَتْ مُرْتَكِبِيهَا مُسْتَحِقِّينَ لِلَّعْنَةِ وَالْوَعِيدِ بِعَذَابِ ذِي الْعِزَّةِ وَالِانْتِقَامِ، قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا). وَلِمَ لَا؟ وَالْفَسَادُ أَخْطَرُ مَا يُهَدِّدُ تَقَدُّمَ الْأُمَمِ، وَأَشْنَعُ مَا يُفَكِّكُ الْمَبَادِئَ وَالْقِيَمَ، وَأَسْوَأُ مَا يُدَمِّرُ الْأَخْلَاقَ، وَأَعْظَمُ مَا يُذْهِبُ بَرَكَةَ الْأَرْزَاقِ! فَمَا مِنْ مُجْتَمَعٍ عَمَّ فِيهِ الْفَسَادُ إِلَّا نُحِرَتْ فِيهِ الْفَضَائِلُ، وَفَشَتْ فِيهِ الرَّذَائِلُ، وَاخْتَلَّتْ مَوَازِينُ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَسَادَتْ قَوَانِينُ الظُّلْمِ وَالطُّغْيَانِ.

وَإِنَّمَا الْأُمَمُ الْأَخْلَاقُ مَا بَقِيَتْ

                                       فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلَاقُهُمْ ذَهَبُوا

فَكَانَ الْإِصْلَاحُ - يَا عِبَادَ اللهِ - مَنْهَجَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَسَبِيلَ الدُّعَاةِ الْمُصْلِحِينَ، فَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمْ، وَيَسْعَى لِلْإِصْلَاحِ فِي الْأَرْضِ، وَيَنْهَى عَنِ الْإِفْسَادِ فِيهَا.

سُنَّةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- تَأْمُرُ بِالْإِصْلَاحِ

        وَهَا هِيَ سُنَّةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تَأْمُرُ بِالْإِصْلَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ، وَالسَّعْيِ لِمُحَارَبَةِ الْفَسَادِ وَالْمُفْسِدِينَ، وَمِنْ ذَلِكَ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ - ر- قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ، قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا» ثُمَّ خَطَبَنَا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: » أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ، وَاللَّهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ « ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطِهِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟». فَقَدْ تَوَعَّدَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِالنَّكَالِ يَوْمَ القِيَامَةِ، بِأَنْ يَحْمِلَ مَا أَخْذَهُ بِجِهَةِ الْفَسَادِ عَلَى ظَهْرِهِ. وَهَذَا تَعْزِيزٌ لِمَفَاهِيمِ النَّزَاهَةِ وَقِيَمِ الشَّفَافِيَةِ، وَمُحَارَبَةٌ لِلْفَسَادِ بِأَيِّ صُورَةٍ مِنْ صُوَرِهِ الْمُلْتَوِيَةِ.

تَضْيِيع الْأَمَانَةِ ضَعْف في الْإِيمَانِ

        وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- أَنَّ تَضْيِيعَ الْأَمَانَةِ مِنْ أَمَاراتِ ضَعْفِ الْإِيمَانِ، وَأَنَّ أَدَاءَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِحْسانِ، فَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- إِلَّا قَالَ: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ» (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ). وَلِذَلِكَ فَإِنَّ تَضْيِيعَ الْأَمَانَةِ مِنْ خِصَالِ أَهْلِ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» (أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ). وَلَمْ يُجَوِّزِ الْإِسْلَامُ أَنْ يَخُونَ الْمُسْلِمُ مَنْ خَانَهُ مِنَ النَّاسِ، لِأَنَّ الْخِيَانَةَ صِفَةٌ ذَمِيمَةٌ بِلَا رَيْبٍ وَلَا الْتِبَاسٍ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» (أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ). بَلْ عَدَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- تَضْيِيعَ الْأَمَانَةِ عَلَامَةً عَلَى اقْتِرَابِ السَّاعَةِ، وَسَبِيلًا إِلَى الْقُبْحِ وَالشَّنَاعَةِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ». قِيلَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِذَا أُسْنِدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» (أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ).

مُحَارَبَةِ الْفَسَادِ وَمُوَاجَهَةِ الْمُفْسِدِينَ

          إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُعِينُ عَلَى مُحَارَبَةِ الْفَسَادِ وَمُوَاجَهَةِ الْمُفْسِدِينَ: تَعْمِيقَ مَعْنَى الْأَمَانَةِ وَمَنْزِلَتِهَا وَأَهَمِّيَّتِهَا فِي نُفُوسِ الْآدَمِيِّينَ، وَتَقْبِيحَ الْخِيَانَةِ وَتَبْيِينَ أَثَرِهَا فِي الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ والدِّينِ، قَالَ -تَعَالَى- مُبَيِّناً وُجُوبَ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَالتَّحْذِيرَ مِنَ الْخِيَانَةِ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (النساء:58)، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (الأنفال:27). فَكَيْفَ يَرْضَى عَاقِلٌ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَخْسَرَ دِينَهُ وَيَبِيعَهُ بِدَرَاهِمَ مَرْذُولةٍ، وَيُعَرِّضَ نَفْسَهُ لِعِقَابِ اللهِ فِي الآخِرَةِ وَالْأُولَى؟! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

الْمَرْءُ مَسْؤُولٌ عَنْ مَالِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

         وَمِمَّا يُعِينُ عَلَى مُحَارَبَةِ الْفَسَادِ وَالِابْتِعَادِ عَنْهُ: أَنْ يَعْلَمَ الْمَرْءُ أنَّهُ مَسْؤُولٌ عَنْ مَالِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَالْمَالُ حَلَالُهُ حِسَابٌ، وَحَرَامُهُ عَذَابٌ، فَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ؟، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ؟، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ؟» (أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ).

التأمل في عَاقِبَةِ الْفَسَادِ الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ

        وَمِمَّا يُعِينُ عَلَى مُحَارَبَةِ الْفَسَادِ أَيْضًا: أَنْ يَتَأَمَّلَ الْإِنْسَانُ فِي عَاقِبَةِ الْفَسَادِ الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الْإِنْسَانِ بَطْنُهُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ» (أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ جُنْدُبٍ - رضي الله عنه -)، وَإِنَّ الْأَخْذَ بِمَبْدَأِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فِي هَذَا الْمَجَالِ فِي غَايَةِ الْأَهَمِّيَّةِ، إِذْ مُجَازَاةُ الْمُحْسِنِ بِالشُّكْرِ وَالثَّوَابِ، وَالْمُسِيءِ بِالزَّجْرِ وَالْعِقَابِ، يُشَجِّعُ النُّفُوسَ عَلَى الْأَمَانَةِ وَالْإِتْقَانِ، وَيَرْدَعُهَا عَنِ الْخِيَانَةِ والْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ.

مُحَارَبَة الْفَسَادِ بِكُلِّ أَنْوَاعِهِ

        إِنَّ مُحَارَبَةَ الْفَسَادِ بِكُلِّ أَنْوَاعِهِ مَسْؤُولِيَّةُ كُلِّ فَرْدٍ مِنَّا فِي هَذَا الْمُجْتَمَعِ؛ فَعَلَى كُلٍّ مِنَّا أَنْ يُؤَدِّيَ وَاجِبَهُ الشَّرْعِيَّ، وَيَقُومَ بِدَوْرِهِ الدِّينِيِّ، وَذَلِكَ بِغَرْسِ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ فِي النُّفُوسِ، بَدْءًا بِالنَّاشِئَةِ وَأَفْرَادِ الْأُسَرِ وَالْمُجْتَمَعِ، وَتَرْبِيَتِهِمْ عَلَى حُبِّ الْأَمَانَةِ وَبُغْضِ الْخِيَانَةِ، وَمَحَبَّةِ الصَّلَاحِ وَكَرَاهِيَةِ الْفَسَادِ، وَالرَّغْبَةِ فِي النَّزَاهَةِ وَالشَّفَافِيَةِ، وَالتَّضْحِيَةِ مِنْ أَجْلِ الْقِيَمِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَمُرُورًا بِالْمُوَظَّفِينَ وَالْعَامِلِينَ، وَانْتِهَاءً بِأَهْلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ الْعَامَّةِ، فَكُلُّـنَا شُرَكَاءُ فِي هَذَا الْوَطَنِ الْكَبِيرِ، وَمُكَافَحَةُ الْفَسَادِ مَسْؤُولِيَّةُ كُلِّ مُخْلِصٍ وَغَيُورٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك