رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 4 نوفمبر، 2024 0 تعليق

خطبة وزارة الأوقاف – الْإِحْسَانُ إِلَى الْجِيرَانِ سَبِيلُ أَهْلِ الْإِيمَانِ

  • نَفَى -صلى الله عليه وسلم - كَمَالَ الْإِيمَانِ عَمَّنْ لَمْ يُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ بِتَفَقُّدِ أَحْوَالِهِ
  • إِكْرَامُ الْجَارِ وَأَدَاءُ حَقِّهِ إِلَيْهِ وَتَوْقِيرُهُ وَالْحِرْصُ عَلَيْهِ مِنْ عَلَامَاتِ أَهْلِ التُّقَى وَالْإِيمَانِ
  • الْإِحْسَانُ إِلَى الْجِيرَانِ أَمْنٌ وَأَمَانٌ وَلِلدِّيَارِ عِمْرَانٌ وَزِيَادَةٌ فِي عُمْرِ الْإِنْسَانِ
  • مَنِ ابْتُلِيَ بِجَارِ سُوءٍ فَلْيُقَابَلْهُ بِالْمَعْرُوفِ وَالصَّبْرِ وَالْإِحْسَانِ فَهَذِهِ وَصِيَّةُ سَيِّدِ الْأَنَامِ
 

جاءت خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لهذا الأسبوع 29 من ربيع الآخر 1446 هـ - الموافق 1/11/2024م، بعنوان: «الْإِحْسَانُ إِلَى الْجِيرَانِ سَبِيلُ أَهْلِ الْإِيمَانِ»، حيث أكدت أنَّ دِينُنَا الْحَنِيفُ حَثَّ عَلَى إِحْسَانِ الْخَلْقِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَكُلَّمَا كَانَ الْمُسْلِمُ أَقْرَبَ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ نَسَبًا أَوْ جِوَارًا كَانَ حَقُّهُ أَعْظَمَ، وَالْوَاجِبُ تُجَاهَهُ أَشَدَّ وَأَلْزَمَ؛ قَالَ -تعالى-: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} (النساء:36).

        وَمِنْ أَجَلِّ الْحُقُوقِ الَّتِي اعْتَنَى بِهَا الْإِسْلَامُ غَايَةَ الِاعْتِنَاءِ: حُقُوقُ الْجِيرَانِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَبَذْلِ الْمَعْرُوفِ وَرَجَاءِ الْخَيْرِ وَالْهِدَايَةِ لَهُمْ، وَكَفِّ الْأَذَى عَنْهُمْ؛ فَخَيْرُ الْجِيرَانِ مَنْ بَذَلَ مَا اسْتَطَاعَهُ مِنْ أَوْجُهِ الْإِحْسَانِ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، وَإِكْرَامُ الْجَارِ وَأَدَاءُ حَقِّهِ إِلَيْهِ، وَتَوْقِيرُهُ وَالْحِرْصُ عَلَيْهِ مِنْ عَلَامَاتِ أَهْلِ التُّقَى وَالْإِيمَانِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

الْإِحْسَانُ إِلَى الْجِيرَانِ أَمْنٌ وَأَمَانٌ

         الْإِحْسَانُ إِلَى الْجِيرَانِ أَمْنٌ وَأَمَانٌ، وَلِلدِّيَارِ عِمْرَانٌ، وَزِيَادَةٌ فِي عُمْرِ الْإِنْسَانِ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهَا: «إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ، وَحُسْنُ الْجِوَارِ، يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، فَالْجَارُ وَصِيَّةُ اللَّهِ حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُونَ الْجَارُ مِنْ جُمْلَةِ الْوَارِثِينَ؛ فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

نفي كمال الإيمان

           بَلْ نَفَى - صلى الله عليه وسلم - كَمَالَ الْإِيمَانِ عَمَّنْ لَمْ يُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ بِتَفَقُّدِ أَحْوَالِهِ؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ» (رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، وَجَعَلَ مِنْ عَلَامَةِ الْإِحْسَانِ فِي الْإِيمَانِ: أَنْ يَشْهَدَ لَكَ بِالْخَيْرِ الْجِيرَانُ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: كَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ إِذَا أَحْسَنْتُ وَإِذَا أَسَأْتُ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا سَمِعْتَ جِيرَانَكَ يَقُولُونَ: أَنْ قَدْ أَحْسَنْتَ، فَقَدْ أَحْسَنْتَ، وَإِذَا سَمِعْتَهُمْ يَقُولُونَ قَدْ أَسَأْتَ فَقَدْ أَسَأْتَ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

أَسْبَابِ نَشْرِ الْمَحَبَّةِ بَيْنَ الْجِيرَانِ

         بَلْ حَثَّ الشَّرْعُ عَلَى أَسْبَابِ نَشْرِ الْمَحَبَّةِ بَيْنَ الْجِيرَانِ بِتَبَادُلِ الْهَدَايَا مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَوْجُهِ الْإِحْسَانِ، وَأَلَّا يُحَقِّرَ الْجَارُ لِجَارِهِ شَيْئًا مِنَ الْعَطَايَا وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَفِرْسِنُ الشَّاةِ: هُوَ ظِلْفُهَا، وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَكُلَّمَا قَرُبَ جَارُكَ مِنْكَ مَنْزِلًا زَادَ حَقُّهُ عَلَيْكَ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: «إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

الحذر من إهمال الجيران

        احْذَرُوا غَايَةَ الْحَذَرِ مِنْ إِهْمَالِ جِيرَانِكُمْ وَالتَّكَاسُلَ فِي أَدَاءِ حُقُوقِهِمْ، وَلَا تَكُنْ يَا عَبْدَ اللَّهِ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ جَارَهُ وَلَا حَالَهُ وَلَا حَاجَتَهُ؛ فَقَدْ يَكُونُ ذَا حَاجَةٍ، أَوْ يَتِيمًا، أَوْ مِسْكِينًا، فَيَسْأَلُكَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ عَدَمِ إِحْسَانِكَ إِلَيْهِ؛ فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كَمْ مِنْ جَارٍ مُتَعَلِّقٍ بِجَارِهِ يَقُولُ: يَا رَبِّ! سَلْ هَذَا لِمَ أَغْلَقَ عَنِّي بَابَهُ، وَمَنَعَنِي فَضْلَهُ؟» (رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

من أسباب سَعَادَةِ الْجِيرَانِ

         وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ سَعَادَةِ الْجِيرَانِ: أَنْ يُحْسِنَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَإِذَا كَثُرَ الْإِحْسَانُ، وَتَبَادَلُوا الْمَعْرُوفَ، وَسُؤَالَ بَعْضِهِمْ عَنْ أَحْوَالِ بَعْضٍ، وَطَلَاقَةَ الْوَجْهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، حَلَّتِ السَّعَادَةُ، وَإِذَا كَانَ الْجِيرَانُ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ كَانَ هَذَا مِنْ تَعَاسَةِ الْجِيرَانِ وَحُلُولِ الْأَحْزَانِ وَكُرْهِ الْمَنْزِلِ وَالدِّيَارِ؛ فَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ. وَأَرْبَعٌ مِنَ الشَّقَاوَةِ : الْجَارُ السُّوءُ، وَالْمَرْأَةُ السُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ الضَّيِّقُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ» (رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ)، وَلِذَلِكَ جَاءَ الْأَمْرُ بِالتَّعَوُّذِ مِنْ جَارِ السُّوءِ؛ لِمَا لَهُ مِنَ الْأَثَرِ الْخَطِيرِ عَلَى حَيَاةِ الْمُسْلِمِ وَدِينِهِ وَسَعَادَتِهِ؛ فَعَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ جَارِ السُّوءِ فِي دَارِ الْمُقَامِ؛ فَإِنَّ جَارَ الْبَادِيَةِ يَتَحَوَّلُ عَنْكَ» (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

مِنْ أَعْظَمِ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ

         كَمَا أَنَّ الْإِحْسَانَ إِلَى الْجِيرَانِ مِنْ أَعْظَمِ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ فَأَذِيَّتَهُمْ وَالْإِسَاءَةَ إِلَيْهِمْ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ وَالسَّيِّئَاتِ، فَإِيَّاكَ إِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ لَا يُحْسِنُ إِلَى جِيرَانِهِ، فَمَنْ كَانَ جَارُهُ لَا يَأْمَنُ أَذَاهُ وَمَصَائِبَهُ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ كَامِلِ الْإِيمَانِ؛ فَعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ». قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ النِّيرَانِ

         بَلْ جَاءَ النَّصُّ عَلَى أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ النِّيرَانِ وَالْبُعْدِ عَنِ الْجِنَانِ أَذِيَّةَ الْجِيرَانِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَهَاتَانِ امْرَأَتَانِ إِحْدَاهُمَا تُحْسِنُ إِلَى جِيرَانِهَا وَالْأُخْرَى تُؤْذِيهِمْ، فَمَا مَصِيرُهُمَا؟! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: «هِيَ فِي النَّارِ»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا. قَالَ: «هِيَ فِي الْجَنَّةِ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

الصبر والإحسان

        مَنِ ابْتُلِيَ بِجَارِ سُوءٍ فَلْيُقَابَلْهُ بِالْمَعْرُوفِ وَالصَّبْرِ وَالْإِحْسَانِ، فَهَذِهِ وَصِيَّةُ سَيِّدِ الْأَنَامِ، فَأَجْرُكَ إِلَى الرَّحْمَنِ، وَحِسَابُ الْمُسِيءِ عِنْدَ الدَّيَّانِ، فَمِنْ أَعْظَمِ حُقُوقِ الْجَارِ: أَنْ تَصْبِرَ عَلَى أَذَاهُ، وَتُقَابِلَ الْإِسَاءَةَ بِالْإِحْسَانِ، وَتَدْفَعَ الشَّرَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَلَا يُؤَدِّي هَذَا الْحَقَّ إِلَّا مَنْ عَرَفَ فَضْلَ الْإِحْسَانِ إِلَى الْجَارِ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاثَةً يُحِبُّهُمُ اللَّهُ، وَثَلَاثَةً يَشْنَؤُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَكَرَ مِمَّنْ يُحِبُّهُمْ: «وَالرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الْجَارُ يُؤْذِيهِ جِوَارُهُ، فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ، حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مَوْتٌ أَوْ ظَعْنٌ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه -). فَالصَّبْرُ وَاجِبٌ عَلَى أَذَى الْجَارِ، كَمَا أَنَّ عَلَى الْمُؤْذِي: أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللَّهِ حَتَّى لَا يَقَعَ فِي لَعْنِ اللَّهِ لَهُ، وَلَعْنِ النَّاسِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَشْكُو جَارَهُ، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَاصْبِرْ» فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ»، فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ: فَعَلَ اللَّهُ بِهِ، وَفَعَلَ، وَفَعَلَ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ لَا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ). وَيَا أَيُّهَا الْجِيرَانُ الْمُتَخَاصِمُونَ: تُوبُوا إِلَى اللَّهِ قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ؛ فَالْوَعِيدُ شَدِيدٌ، وَالْعِقَابُ أَلِيمٌ، حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَأَحْسِنُوا إِلَى جِيرَانِكُمْ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنَكُمْ؛ فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَوَّلُ خَصْمَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَارَانِ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك