رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سالم الناشي 1 يوليو، 2024 0 تعليق

خطبة عرفة 1445هـ – تحقيق أركان الإسلام عبادة وصلاح وأمان

-7-

جاءت خطبة يوم عرفة 1445هـ، بعنوان (تحقيق أركان الإسلام عبادة وصلاح وأمان) لإمام الحرم المكي الشيخ ماهر بن حمد المعيقلي، الذي بدأ خطبته بالحديث عن تقوى الله -عز وجل-، وأنَّ مِنْ تقوى اللهِ الواجبةِ أَنْ يُفرِدَ العبدُ ربَّه بالعبادة؛ فلا يَصرِفُ شيئًا منها لغيره -سبحانه-، كما قال -تعالى-: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(يُوسُفَ:40).

       وهذا هو معنى شهادة التوحيد: لا إله إلا الله، التي هي علامةُ الإسلامِ، وسببُ النجاةِ، قال -تعالى-: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}(الْبَقَرَةِ:163)، ويُضَمُّ لشهادةِ التوحيدِ شهادةُ الرسالةِ، فمحمدٌ رسولُ الله حقًّا، كما قال -تعالى-: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}(الْأَحْزَابِ:40)، وهاتانِ الشهادتانِ هُمَا الركنُ الأولُ من أركان الإسلام.

أركان الإسلام

       ومِنْ أركانِ الإسلامِ أيضًا إقامةُ الصلوات الخمس، كما قال -تعالى-: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}(الْعَنْكَبُوتِ:45)، وأداء الزكاة، كما في قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(التَّوْبَةِ:103)، وصومُ رمضانَ، كما قال -تعالى-: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}(الْبَقَرَةِ:185)، وحجُّ بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلًا، قال -سبحانه-: {وَأَذِّنْ في النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}(الْحَجِّ:27-28). وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الإسلامُ أَنْ تشهدَ أَنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، وتُقِيمَ الصلاةَ، وتؤتيَ الزكاةَ، وتصومَ رمضانَ، وتحجَّ البيتَ إِنِ استطعتَ إليه سبيلًا، والإيمانُ أَنْ تُؤمِنَ باللهِ وملائكتِه وكتبِه ورسلِه، واليومِ الآخِرِ، وتُؤمِنَ بالقدرِ خيرِه وشرِّه، والإحسانُ أن تَعبُدَ اللهَ كأنَّكَ تراهُ، فَإِنْ لم تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ».

هذا هو دينُ اللهِ وشريعتُه

       هذا هو دينُ اللهِ وشريعتُه، التي ارتضاها للخَلْق ورَحِمَهم بها، ممَّا يَجلِب لهم الخيراتِ والمصالحَ، ويدفَع عنهم السوءَ والمفاسدَ، ومِنْ هنا نزَل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم عرفة قولُه -تعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}(الْمَائِدَةِ:3)، ووصَف اللهُ نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الْأَنْبِيَاءِ:107).

تحصيل المصالحِ وتكثيرها

       ومن هذه المنطلَقات الواضحة جاءت الشريعة المبارَكة، بتحصيلِ المصالحِ وتكثيرِها، ودرءِ المفاسدِ أو تقليلِها، وقرَّرَتْ أنَّ درءَ المفاسد مقدَّمٌ على جلبِ المصالحِ، كما جاءت بتحصيلِ أعلى المصالح، ولو بتفويت أدناها، وبارتكاب أدنى المفسدتينِ، لدرءِ أعلاهما، فعندَ التزاحُم يتمُّ اختيارُ أعلى المصلحتين، واختيار أخفِّ المفسدتينِ.

الشريعة كلها منافع

       كما أنَّ الشريعةَ أكَّدَت أنَّ الضررَ يُزال بلا ضرر، كما في الحديث: «لا ضَررَ ولا ضِرارَ»، فالضررُ يُدفَع بقدرِ الإمكانِ، ومن هذا الباب جاءت الشريعة بكلِّ ما تَزدَهِرُ به الحياةُ، وتحصُل به التنميةُ، ومنَعَت من الإضرار بالآخَرينَ، أو إلحاقِ الأذى بهم، وأمَرت بالعدل والأخلاق الفاضلة، وبِرِّ الوالدينِ، وصلةِ الأرحامِ، وصدقِ الحديثِ، وحفظِ الحقوقِ، مع إيصالها لأهلها، وأداء الأمانات، والوفاء بالعقود والعهود، والسمع والطاعة لأصحاب الولاية، قال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}(النَّحْلِ:90-91).

الضروريات الخمس

       وقد أكَّد الشارعُ الحكيمُ وجوبَ المحافَظة على الضروريات الخمس، التي اتفقتِ الشرائعُ على العناية بها، وهي: حفظُ الدينِ والنفسِ والعقلِ والمالِ والعِرْضِ، بل اعتبَر الشرعُ أنَّ التعديَ عليها جريمةٌ، تكون سببًا للعقوبة، ومِنْ هنا كان الحفاظُ على هذه الضروريات من أسباب دخول الجِنان، ورضى الرحمن، ومن أسباب الاستقرار والسعادة، والرقي والحضارة في الدنيا، وبِفَقْدِها تختلُّ الحياةُ، ويكونُ الإخلالُ بها سببًا لعقوبةِ الآخِرةِ، ولِذَا كان من خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج: «إنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كحرمةِ يومِكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا».

الوسائل لها أحكامُ المقاصِد

       وممَّا يُكَمِّل ذلك أنَّ الوسائلَ لها أحكامُ المقاصِد، وأنَّ ما لا يتمُّ المأمورُ إلَّا به فهو مأمورٌ به، وأن ما لا يتم الواجبُ إلا به فهو واجبٌ، فما أدَّى إلى حفظِ مقاصدِ الشريعةِ من الوسائل فهو مأمورٌ به شرعًا، فإنَّه لَمَّا كانتِ المقاصدُ والمصالحُ الضروريَّةُ لا يُتوصَّل إليها إلا بأسبابٍ وطرقٍ مُفضِيةٍ إليها، كانت طُرُقُها وأسبابُها تابعةً لها في أحكامها، ومن هنا فعلى كل مؤمن أن يسعى إلى المحافَظة على الضروريات الخمس، ممَّا يؤدِّي إلى سلامة الخَلْق، واستقرار الحياة، وانتشار الأمن، وتمكُّن الناس من تحصيل مصالحهم الدينيَّة والدنيويَّة، وعليه أن يتعاونَ مع غيره في ذلك تقرُّبًا لله، وطلبًا لثوابه في الآخرة... وعلى كل مسلم عدمُ تمكين العابثينَ من محاوَلة التأثير في مقاصد الشرع، في المحافَظة على هذه الضروريات.

ركن الحج الأعظم

        إنكم في عرفة، في موقف عظيم يُباهِي اللهُ بكم ملائكتَه، فهذا موطنٌ شريفٌ، وزمانٌ فاضلٌ، تُضاعَف فيه الحسناتُ، وتُغفَر فيه السيئاتُ، وتُرفَع فيه الدرجاتُ، فأَرُوا اللهَ من أنفسِكم اتباعًا للسُّنَّة، واقتداءً بالنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - الذي خطَب في هذا الموطن، ثم أمَر بلالًا فأذَّن فأقام فصلَّى النبيُّ -[- فيه الظهرَ ركعتينِ، ثم أقام بلالٌ فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - العصرَ ركعتينِ جَمْعًا، وقَصْرًا، ثم وقَف على ناقته يَذكُر اللهَ ويدعوه، حتى غَرَبَ قُرْصُ الشمسِ، وقد وقَف صلى الله عليه وسلم بعرفة مُفطِرًا، ليكون ذلك مُعِينًا له على الذِّكْر والدعاء، وقد وقَف -صلى الله عليه وسلم - يَذكُر اللهَ في عرفة ويدعوه، فاقتَدُوا به -صلى الله عليه وسلم -، {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(الْأَعْرَافِ:55)، {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}(الْأَعْرَافِ:56).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك