رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 22 يناير، 2023 0 تعليق

خطبة المسجد النبوي – حقوق العباد ولا سيما الأزواج والزوجات

 

 

جاءت خطبة المسجد النبوي بتاريخ 13 جمادي الآخرة 1444ه، الموافق 6 يناير 2023م، بعنوان: (حقوق العباد ولا سيما الأزواج والزوجات)، للشيخ عبدالله البعيجان، واشتملت الخطبة على عناصر، كان أهمها: وجوب تقوى الله في أداء حقوق الآخَرين، وألد الخصوم يوم القيامة، وبعض آداب العلاقة الزوجية وحقوقها، ومن أعظم الحقوق الزوجية حفظ الأسرار.

     في بداية الخطبة أكد الشيخ البعيجان ضرورة تقوى الله في حقوق الناس؛ فإن التفريط فيها أثقال وتبعات، وهموم وحسرات، اتقوا الله في حقوق الناس؛ فإنَّها حِمْلٌ ثقيلٌ، وخَطبٌ جليلٌ، وحسابٌ طويلٌ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ‌«مَنْ ‌كَانَتْ ‌له ‌مظلمة لأحد مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَلا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ» (أخرجه البخاري)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَتَدْرُونَ ‌مَنِ ‌الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ. فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَصِيَامٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» (أخرجه مسلم)، وعن عبدالله بن أنيس - رضي الله عنه - قال: «سمعتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول: يَحْشُرُ اللَّهُ -تَعَالَى- النَّاسَ عُرَاةً غرُلْا بُهْمًا، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ نِدَاءً يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ، ‌لا ‌يَنْبَغِي ‌لأَحَدٍ ‌مِنْ ‌أَهْلِ ‌الْجَنَّةِ ‌أَنْ ‌يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، وَوَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلَمَةٍ، وَلا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَوَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلَمَةٍ، حَتَّى اللَّطْمَةَ، ثم تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ}(غَافِرٍ: 17)»(أخرجه الحاكم).

ألدُّ الخصومِ يومَ القيامة

     ألدُّ الخصومِ يومَ القيامة أعظمُ الناسِ حقًّا، فيا ليتَ شِعري كيف حالُ مَنْ كان خَصمُه بين يدَيِ اللهِ مِنْ أقربِ الناسِ إليه، وأَوْلَى الناسِ به،{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}(عَبَسَ: 34-37)، فاللهَ اللهَ في حقوق الناس، اللهَ اللهَ في حقوق الغرباء الذين قد لا تجد فرصةً للقائهم، وحقُّهم مرهونٌ بعفوهم وردِّ مظالمهم، اللهَ اللهَ في حقوق الأهل والأقرباء الذين أوصى الله بهم، اللهَ اللهَ في حقوق الوالدين والأبناء، الله الله في حقوق الزوجين.

أساس العَلاقة الزوجيَّة

     وقد جعل الله -تعالى- أساسَ العَلاقة الزوجيَّة الرفق والمودة والرحمة فقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}(الرُّومِ: 21)، وأمر بحسن العشرة وتقدير العَلاقة الزوجية فقال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(النِّسَاءِ: 19)، وقال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(الْبَقَرَةِ: 228)، وقال: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}(الْبَقَرَةِ: 237).

الأحكام والحقوق الزوجية

      وقد شرَع اللهُ الأحكامَ والحقوقَ الزوجيةَ فجعَل لكل من الطرفين أحكامًا وحقوقًا وواجباتٍ، ورتَّب عليها الجزاءَ والحسابَ، وحتَّم أمرَها بالثواب والعقاب، وليست هذه الحقوقُ مجردَ أخلاقٍ ذوقيةٍ، وآدابٍ اجتماعيَّةٍ، وأحكامٍ قانونيَّةٍ، بل هي أحكامٌ ربانيةٌ، وآياتٌ قرآنيةٌ، وسُنَّةٌ نبويةٌ، يُتعبَّد اللهُ بالالتزام بها، كما يُعصى بمخالفتها، وهي مَيْدان اختبار وامتحان، فاتقوا الله واستحضِروا مراقبتَه؛ فكُلُّكم راعٍ وكُلُّكُم مسؤولٌ عن رعيته؛ الرجلُ راعٍ في بيته ومسؤولٌ عن رعيته وحقِّ زوجِه، والمرأةُ راعيةٌ في بيتها، ومسؤولةٌ عن رعيتها وحقِّ زوجِها؛ {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(الْأَنْفَالِ: 1).

من أعظم الحقوق الزوجية

     إن من أعظم الحقوق الزوجية المعاشرة بالمعروف، والرفق والرحمة وحُسْن الخُلُق، فيجب على كل من الزوجين أن يعامل الآخَر بالمعروف؛ قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(النِّسَاءِ: 19)، وقال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(الْبَقَرَةِ: 228)، وقال: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}(الرُّومِ: 21)، وإن من أُسُس مظاهر حُسْن العِشرة الزوجيَّة أن يُعِفَّ كلُّ واحدٍ من الزوجينِ الآخَرَ عن الحرام، وأن يكون عونًا له على الطاعة؛ {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}(الْمَائِدَةِ: 2)، ومن مظاهر حسن العشرة بين الزوجين التقدير والاحترام، ومراعاة المشاعر وجبر الخواطر، ومن لوازم حُسْن العِشْرة الكفُّ عن الأذى وسوء الخُلُق بالقول أو الفعل، فليس ذلك من المعروف الذي أمَر اللهُ به كِلَا الزوجينِ.

حفظ الأسرار

     أن من أعظم الحقوق الزوجية حفظ الأسرار؛ فالأسرار أمانة، وإفشاؤها غدر وخيانة، ولا إيمان لمن لا أمانة له، والأسرار الزوجية أشد خصوصية عن أي أسرار أخرى؛ فيجب صيانتها وحفظها وعدم إفشائها، حتى لو حدث اختلاف وافتراق؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(الْأَنْفَالِ: 27)، وتعظم المصيبة والخطب إن كان ذلك على الملأ عبر وسائل التواصُل، فاتقوا الله في أماناتكم واحفظوا الأسرار، ولا تكونوا من الأشرار؛ فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ ‌مِنْ ‌أَشَرِّ ‌النَّاسِ ‌عَنْدَ ‌اللَّهِ ‌مَنْزِلَةً ‌يَوْمَ ‌الْقِيَامَةِ، ‌الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ أَحَدُهُمَا سِرَّ صَاحِبِهِ»(أخرجه مسلم).

حق الميراث بين الزوجين

     ومن الحقوق الزوجية حق الميراث بين الزوجين، فإن الله -تعالى- تولى أمره وقسمته، وقدَّر لكل من الزوجين نصيبًا مفروضًا؛ فلا يجوز منع المرأة من حق الميراث الذي فرضه الله -تعالى- ووصى به، سواء كان عقارًا أو مالًا؛ {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}(النِّسَاءِ: 13-14).

حقوق الزوج على زوجته

     وقد خصَّ الله كلَّ واحد من الزوجين بحقوق على الآخَر؛ فمن حقوق الزوج على زوجته، طاعته في حاجته، وصيانة عِرْضه، وعدم الخروج بغير إذنه، ومن حقوق المرأة على زوجها المهر والنفقة والسكن والكسوة والعدل، فعن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال: «حدثني أبي أنَّه شهد حجةَ الوداعِ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، ‌فَإِنَّمَا ‌هُنَّ ‌عَوَانٌ ‌عِنْدَكُمْ، ‌لَيْسَ ‌تَمْلِكُونَ ‌مِنْهُنَّ ‌شَيْئًا ‌غَيْرَ ‌ذَلِكَ، ‌إِلَّا ‌أَنْ ‌يَأْتِينَ ‌بِفَاحِشَةٍ ‌مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ»(أخرجه الترمذي).

     وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «‌لَتُؤَدُّونَّ ‌الحقوقَ إلى أهلها حتى يُقادَ للشاةِ الجلحاءِ من الشاةِ القرناءِ»(رواه مسلم)؛ فحاسِبوا أنفسَكُم -عبادَ اللهِ- قبل أن تُحاسَبوا، وأبرئوا ذممَكم قبل الموت، وتحلَّلُوا من أصحاب الحقوق، ورُدُّوا المظالمَ إلى أهلها، وآتُوا كلَّ ذي حقٍّ حقَّه؛ {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}(الْمَائِدَةِ: 8).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك