رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 8 فبراير، 2021 0 تعليق

خطبة المسجد النبوي – الشيخ الحذيفي: الخـلـق بيــن فضل الله ورحمــته وبيـــن عدلـــه وحكمتــه


جاءت خطبة الحرم المدني لهذا الأسبوع للشيخ علي الحذيفي بتاريخ 16من جمادى الآخرة 1442هـ، الموافق 29/1 /2021م، مبينة قدرة الله -تعالى- في خلقه وتصريفه وتدبيره لشؤونهم وأحوالهم، مبينًا أنَّ الله خلق هذا الكون ليتم فيه أمره، ولتنفذ فيهم مشيئته، وليحكم فيهم بحكمة ولا معقب لحكمة، وليدبرهم بتدبيره المحكم بعلمه وحكمته ورحمته وقدرته، فالخلق يتحولون من حال إلى حال، فهم بين فضله ورحمته، وبين عدله وحكمته، فما أصاب الخلق من سراء وخير فبمحض فضلة ورحمته، قال الله -تعالى-: {مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، وقال -تعالى-: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}، وقال -تعالى-: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ}، وقال -تعالى-: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

مبتدأ النعم

     وبين الشيخ الحذيفي أن النعم مبتدؤها من الرب -جل وعلا- ومنتهاها إليه، لا يستحق أحد عليه نعمة، ومن رحمة الله بعبادة أن أمر العباد بشكر النعم لكي تبقى وتزيد، وحذر من عدم شكرها لئلا تزول وتحيد، فقال -عز وجل-: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد}.

شكر النعم

     وعن شكر النعم قال الشيخ الحذيفي، شكر النعم يكون بالقيام بالفرائض، وعدم ارتكاب الفواحش والمنكرات، وشكرها بتسخير النعم فيما يرضي الله -تعالى-، وتعظيم المنعم -جل وعلا- ومحبته، قال -تعالى-: {وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}، وقال -تعالى-: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}.

تذكر النعم

     وعن فضل تذكر النعم قال الشيخ: على المسلم أن يتذكر نعم الله عليه، وأن يتذكر في عطاء ربه وأنه لا يستحقه، وأن يثني بها على الله كما أثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، يا صاحب كل نجوى، و يا منتهى كل شكوى، يا كريم الصفح، يا عظيم المن، يا مبتدئ النعم قبل استحقاقها، يا ربنا و يا مولانا، و يا غاية رغبتنا، نسألك يا الله ألا تشوي خلقنا بالنار».

يورث محبة الله

     وأضاف، تذكر النعم وتعظيمها يورث محبة الله، والحياء منه؛ إذ كيف يكون من العاقل أن يقابل المحسن بالإساءة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، فأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي»، فهذا من تدبير الله ومنه علينا بالبركات، والحسنات على العباد، ولا يقدر أحد أن يوافي نعم الله بالطاعات، فالفضل كله لله، ولكن الله يعفو ويرحم ويتفضل، ويرضى بالقليل من العمل الصالح مع الإخلاص، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لن يدخل أحد منكم عمله الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة»، قال ابن رجب -رحمة الله- في السلف الصالح: «كانوا يتهمون أعمالهم وتوبتهم، ويخافون ألا يكون قبل ذلك منهم»، فكان ذلك يوجب لهم شدة الخوف، وكثرة الاجتهاد في الأعمال الصالحات، قال الحسن البصري: «أدركت قوما لو أنفق أحدهم ملء الأرض ما أمن لعظم الذنب في نفسه».

قضاء الله وكرمه وفضله

     وعن قضاء الله وقدره قال الشيخ: كما أن الخير والنعماء والسراء بقضاء الله وكرمه وفضله ورحمته، فكذلك المصائب والشرور والعقوبات بقضاء الله وقدرته وعدله وحكمته، قال الله -تعالى-: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}، عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء».

خلق الله للأسباب

      والله -عز وجل- خلق الأسباب، وخلق ما بعدها، فالرب يخلق بسبب وبغير سبب، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، يبتلي بالخير، ويبتلي بالشر، قال -تعالى-: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}، فيثيب الله الطائعين الشاكرين، ويعاقب العصاة الجاحدين، فالكون يجري على سنن الله التي أراد وبينها الله في كتابه، فالله العظيم القادر الرحيم العزيز الحكيم هو الذي يحكم الكون ويصرفه قال -تعالى-: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}، وقال -تعالى-: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}، وقال -تعالى-: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ): «يَغْفِرُ ذَنْبًا، وَيَكْشِفُ كَرْبًا، وَيَرْفَعُ قَوْمًا، وَيَضَعُ آخَرِينَ»، ولو كان الكون يمضي في دهره كما يريد الناس لما وقع الابتلاء على الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، ولما كان لهم أحسن العاقبة هم وأتباعهم، ولما أصاب مخالفيهم أنواع العقوبات ولكن الحكم لله وحده، قال الله -تعالى-: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}، وقال -تعالى-: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِير}.

تطهير سيئات المسلم

     وبين الشيخ الحذيفي أن المصائب تطهير لسيئات المسلم، ورفعة لدرجاته، وَعَنْ أَبي هُرَيْرةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَا يَزَال الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمؤمِنَةِ في نَفْسِهِ وَولَدِهِ ومَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّه -تعالى- وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ رواه التِّرْمِذيُّ وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحِيحٌ، وفي الحديث الذي أخرجه أبو داود والإمام أحمد، وهذه رواية أبي داود عن إبراهيم بن مهدي السلمي عن أبيه عن جده -وكانت له صحبة- قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده، ثم صبره على ذلك، حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله -تعالى.

البلاء على قدر الدين

     وعن البلاء قال: البلاء على قدر الدين قوة وضعفا، عن مصعب بن سعد عن أبيه - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الناس أشد بلاء؟ «قال الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلاه الله على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة».

الكوارث تثاب عليها أمة الإسلام

     وأضاف: المصائب والنوازل، والكوارث العامة تثاب عليها أمة الإسلام بالصبر والاحتساب، وهي عبرة للناس، يتفكرون من أي أبواب الذنوب أتوا، لئلا يكرروا الذنوب، و لئلا يرتكبوا ما هو أكبر، و لئلا يعاقبوا بما هو أعظم، وليتذكروا ما كانوا فيه من النعم قبل النازلة، لتدوم عليهم العافية والأمن والرخاء بالطاعات، قال -تعالى-: {عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا}، والله -تعالى- لا يديم على الأمة النوازل والكربات والشدائد، بل يرفعها الله، فانتظر أيها المسلم رحمة الله في الشدة وقابل البلاء بالدعاء، فإن الرب -سبحانه- غني عن عذاب الناس، ولكنه -سبحانه- يحب لهم أن يعملوا الطاعات، وأن يهجروا المنكرات، قال -تعالى-: {وإذا سألك عبادي عَني فإني قريب أجيب دَعوة الداع إذا دَعان فليستجيبوا لي وَليؤمنوا بي لعلهم يَرشدون}، وقال -تعالى-: {إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}.

غنى العبد وسعادته

     وأكد الشيخ أن غنى العبد وسعادته في اضطراره إلى ربه ويقينه بذلك، ودوام الدعاء قال -سبحانه- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}، وأن خذلان العبد وخسارته وهلاكه وشقاءه في ظنه أنه غني عن ربه، وغروره بنفسه وبما أتاه الله من نعم، قال -تعالى- {وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (10) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}.

الأعمال تسعد بها وتشقى

     وقال - صلى الله عليه وسلم - « نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ»، وإذا جاءتك نعمة من عند ربك فاشكر، وإذا جاءك ما تكره فاصبر، فإنما أنت عبد الله وملكه لا تملك لنفسك نفعا ولا ضرا، وتوجه بقلبك إلى الله إذا نزلت بك مصيبة كما في الحديث» واعلَمْ أنَّ في الصَّبرِ على ما تكرهُ خيرًا كثيرًا، واعلَمْ أنَّ النَّصرَ مع الصَّبرِ، وأنَّ الفرَجَ مع الكرْبِ، وأنَّ مع العُسرِ يُسرًا، واعلم أنما هي الأعمال تسعد بها وتشقى، والدنيا دار العمل، والآخرة دار الجزاء على الخير والشر، قال -تعالى- في الحديث القدسي: « يَا عِبَادِى إِنَّمَا هِىَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك