رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 22 مايو، 2023 0 تعليق

خطبة المسجد النبوي – التحذير مــن النميمة وآثارها المهلكة

جاءت خطبة المسجد النبوي بتاريخ: 22 من شوال 1444هـ، الموافق: 12 مايو 2023م بعنوان: (التحذير من النميمة وآثارها المهلكة)، لإمام المسجد النبوي صلاح بن محمد البدير، وقد اشتلمت الخطبة على عدد من العناصر كان أهمها: الحث على طلب فضائل الأخلاق وتجنب سيئها، وتعريف النميمة وبيان خطرها وضررها، وبث النمائم من صفات المنافقين، والعواقب الوخيمة للنميمة، وخطر النميمة على المجتمع، والأمور اللازمة لمن نُقلت إليه نميمة، وهدي السلف الصالح في إنكار النميمة، ونصائح وتحذيرات للنمام.

      في بداية الخطبة بين الشيخ البدير أنَّ النفوس الطاهرة ترنو إلى المكارم والفضائل، والعقول القاصرة تأوي إلى الخبائث والرذائل، ومن لم يقدر على جمع الفضائل فلتكن همته ترك الرذائل، ومن الخلال الذميمة السعي بين الناس بالنميمة، والنميمة صنعة ذوي النفوس السقيمة، والطبائع اللئيمة، والأرواح الدنيئة، المشغوفة بهتك الأستار، وإفشاء الأسرار.

تعريف النميمة

      والنميمة الحديث المنقول المسوق من مجلس إلى مجلس، ومن بعض إلى بعض، ومن قوم إلى قوم، على وجه التضريب والتخريب والتشبيب والتأليب، والتحريش والتهييج والإفساد.

لقد ألَّب الواشون ألبًا لبينهم

                                                                 فتُربٌ لأفواهِ الوشاةِ وجندلُ

      والنميمة خطيَّة موبقة، ونار محرقة، وكبيرة من كبائر الذنوب، لا ينقلها إلَّا مَنْ رقَّت ديانتُه، وذهبت أمانتُه، وظهرت خيانتُه، وفاعلُها من شرار الخَلْق؛ لِمَا فيها من إفساد القلوب وإيحاش النفوس، وإيغار الصدور وتشويش العقول، وإثارة البغضاء والشحناء والخصومات.

ومَنْ يُطِعِ الواشينَ لا يتركوا له

                                                                         صديقًا وإن كان الحبيبَ المقرَّبَا

       والنميمة بَذْرُ العداوةِ، وجسرُ الشرِّ، وزندُ الفتنةِ، ولسانُ الافتراء، وسلاح الأشقياء، ومأوى الخبثاء، وأمارة الغدر والمكر والشر، وحقيقتها إفشاء السر، وهتك الستر، وخيانة الجليس، وإرادة السوء له، والفرح بأذى المسلمين، وبث النمائم والأراجيف والأكاذيب بين المسلمين من صفات المنافقين، قال جل وعز في شأنهم: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ}(التَّوْبَةِ:47)؛ ومعنى: {وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ}(التَّوْبَةِ: 47)، أي: لأسرعوا ركائبهم بينكم بالنميمة والتخذيل، باغين لكم الفتنة، بتفريق الجماعة، وتشتيت الكلمة، وإفساد الألفة، وإيقاد الفتنة وإظهار التشويش وشق عصا المسلمين، ومعنى: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ}(التَّوْبَةِ: 47)؛ أي: وفيكم مطيعون لهم ومستحسنون لحديثهم وكلامهم، وفيكم نمامون وعيون ينقلون إليهم أخباركم، وهل تُسفَك الدماء، وتُستحلّ المحارم، وتُنتَهب الأموالُ وتهيجُ الأمورُ العظامُ إلا بالنميمة؟!

        فدعوا النمائم فإن أولها سمائم وآخرها مآثم، وكم من صفِيَّيْنِ تباعَدَا، وكم من متواصلين تقاطعَا، وكم من محبين افترَقَا، وكم من إلفين تهاجرَا، وكم من زوجين تطالَقَا، بسبب وشاية ساعٍ أو قالة نمامٍ، فأفٌّ لأهل النمائم ثم أُفٍّ! وحسبُكَ بالنميمة خسةً ورذيلةً وسقوطًا وضعة أنَّه لا يمتهنها إلَّا حقير مهين.

ومن شر أخلاق الرجال نميمة

                                                                          متى ما تبع يومًا بها العرض ينفق

       ولو علم من سرت نمائمه، وهبت سمائمه، ودبت عقاربه ومكائده ماذا جنى على ذاته وأقربائه، وزملائه وقرنائه، لعلم أن الصمم كان أهون لعيشه، وأنعم لباله، من نقلة ينقلها، أو نميمة يحملها.

لَا ‌يَدْخُلُ ‌الْجَنَّةَ ‌قَتَّاتٌ

      عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: «سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لَا ‌يَدْخُلُ ‌الْجَنَّةَ ‌قَتَّاتٌ»{مُتَّفَق عليه}، وفي لفظ لمسلم: «لا يدخلُ الجنةَ نمَّامٌ»، وعن ابن عباس - رضي الله عنه- ما قال: «‌مَرَّ ‌النَّبِيُّ ‌- صلى الله عليه وسلم - ‌بِحَائِطٍ ‌مِنْ ‌حِيطَانِ ‌الْمَدِينَةِ، ‌أَوْ ‌مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ». ثُمَّ قَالَ: «بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ»(مُتَّفَق عليه).

      وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَلَا ‌أُنَبِّئُكُمْ ‌مَا ‌الْعَضْهُ؟» قَالَ: «هِيَ النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ»{رواه مسلم}، والعَضْهُ، والعَضَهُ، والعِضْهُ: الإفك والبهيتة والنميمة وإيقاع الخصومة بين الناس؛ بما ينقل لزيد عن عمرو، ولبعض عن بعض، وانظر كيف أحالت النمائم السماعين لها من التصافي إلى التجافي، ومن التراحم إلى التزاحم، ومن التناصر إلى التناحر، ومن التحاب إلى الاحتراب، حتى تواثبوا وتحاربوا، وتلاكزوا وتلاحزوا، وتناحروا وتدابروا، فلا أعراضهم صانوا، ولا بالحق دانوا؛ فصاروا أضحوكة للشامتين، وأسبوبة للجاهلين.

       واللبيب الحكيم لا يصغي إلى حديث نقله ديبوب نمام كذاب فتان، يروم زرع الضغائن وبث الشحائن، قال جل وعز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}(الْحُجُرَاتِ: 6)، وقال -جل وعز-: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ}(الْقَلَمِ: 10-12)، فلا تطيعوا المشاة الوشاة، الذين يفسدون ذات البين، ويفرقون بين المتحابين، ويشعلون الفتنة بين الجارين.

أمور ستة لمواجهة النميمة

وكل مَنْ حُملت إليه نميمة وقيل له: قال فلان فيك كذا لزمه ستة أمور:

- الأول: ألا يصدقه؛ لأن النمام فاسق، وهو مردود الخبر.

- الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح فعله.

- الثالث: أن يبغضه في الله -تعالى.

- الرابع: ألا يظن بالمنقول عنه السوء؛ لقول الله -تعالى-: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ}(الْحُجُرَاتِ: 12).

- الخامس: ألا يحمله ما حكي له على التجسس والبحث عن تحقيق ذلك.

- السادس: ألا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه؛ فلا يحكي نميمته.

       وذُكر أن حكيمًا من الحكماء زاره بعض أصدقائه وذكر عنده بعض إخوانه، فقال له الحكيم: «‌قَدْ ‌أَبْطَأْتَ ‌فِي ‌الزِّيَارَةِ ‌وَأَتَيْتَنِي ‌بِثَلَاثِ ‌جِنَايَاتٍ: بَغَّضْتَ إِلَيَّ أَخِي، وَشَغَلْتَ قَلْبِيَ الْفَارِغَ، وَاتَّهَمْتَ نَفْسَكَ بِالْمَيْنِ».

من يخبرك بشتم عن أخ

                                                                     فهو الشاتم لا مَنْ شتَمَكْ

ذاك شيء لم يواجهك به

                                                                     إنما اللوم على مَنْ أعلمَكْ

وقالت العرب: «الراوية أحد الشاتمين، أو الهاجيين»؛ أي: أن إثم الراوي والناقل للهجاء والشتم كإثم قائله الأول.

       وجاء رجل إلى أحد السلف فقال: «إن فلانًا شتمك»، فقال له: «أما وجد الشيطان بريدا غيرك؟!»، وغضب رجل على رجل، فقال له: «ما أغضبك؟! فقال له: «شيء نقله إلي الثقة عنك»، فقال: «لو كن ثقة ما نم».

       فيا عبدَ اللهِ: إِنْ رُمتَ عيشًا بلا قتر، وصفوًا بلا كدر، فلا تُجالسنَّ مغتابًا، ولا تخالطن نمَّامًا، ولا تسايرن نقَّالًا سعَّاءً بالفتنة، ولا تسوقنَّ الأهواءَ إليه، ولا تُوردنَّكَ الشياطينُ عليه، واستبق نفسك، وأكرم سمعك، فإنكَ لن تجد عمَّا بذلتَ له من دينِكَ ونفسِكَ ووقتِكَ عِوَضًا، واعلم أن الإنصات له مضرة، والقرب منه معرة، والبُعْد عنه مسرة، ومن جالس نماما فإنما جالس شيطانا، واعلم أن من نم إليك نم عليك.

النفوس الطاهرة

      النفوس الطاهرة ترنو إلى المكارم والفضائل، والعقول القاصرة تأوي إلى الخبائث والرذائل، ومن لم يقدر على جمع الفضائل فلتكن همته ترك الرذائل، ومن الخلال الذميمة السعي بين الناس بالنميمة، والنميمة صنعة ذوي النفوس السقيمة، والطبائع اللئيمة، والأرواح الدنيئة، المشغوفة بهتك الأستار، وإفشاء الأسرار.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك