خطبة العيد : الوصية بالإحسان بعد أداء خامس الأركان
جاءت خطبة الحرم المكي بتاريخ 15 ذي الحجة 1445 ه، الموافق 21 يونيو 2024م بعنوان: (الوصية بالإحسان بعد أداء خامس الأركان) لإمام الحرم الشيخ ياسر الدوسري الذي بدأ خطبته بحمد اللهِ الذي سهَّلَ بفضلِهِ سُبلَ الخيرِ ويسَّرَ، وبلَّغَ عبادَهُ سبيلَ بيتِهِ المُطهرِ، فقضَى الحاجُّ تفثَهُ ووفَّى مَا نَذرَ، وأمَّلَ مِنْ ربِّهِ مغفرةَ مَا سَلفَ وسطَّرَ.
لقدِ انقضَى موسمٌ مِنْ أشرفِ مواسمِ أهلِ الإسلامِ، وانتَهَتْ أيامُ الحجِّ وشعائرِهِ العظامِ، وعاشَ الحُجَّاجُ معَهَا أفضلَ الأيامِ، فوقفُوا في المشاعرِ بخضوعٍ واستسلامٍ، ورفعُوا الأكفَّ سائلينَ ربَّ الأنامِ، وتَطَهَّروا مِنَ الذنوبِ والآثامِ، فَهَنِيئًا لهُمْ علَى التمامِ، وهَنِيئًا لهُمْ مَا آتاهُمُ اللهُ مِنَ الفضلِ والإنعامِ، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}(يُونُسَ: 58)، فلتشكُرُوا للهِ نعمَهُ وإمدادَهُ، فالشكرُ لهُ مُؤذِنٌ بالزيادةِ، وبذلكَ تحقِّقُونَ مقصَدًا مِنْ مقاصدِ الحجِّ والعبادةِ، قالَ عالم الغيب والشهادة: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}(إِبْرَاهِيمَ: 7). كما نبه الشيخ في خطبته على أهمية الاستمرار على الطاعات حين قال ها أنتم قد استفتحتُم حياتَكم بصفحةٍ بيضاءَ، ورجعتُم بعدَ حَجِّكُم بثيابِ الطُّهرِ والنَّقاءِ، فأَرُوا اللهَ مِنْ أنفسِكُم خَيرًا، وَاعزِمُوا على المُحافَظةِ على الطاعاتِ مَا بَقِيتُم، والبُعدِ عنِ المعاصِي مَا حَيِيتُم، وحافِظُوا على مَا اكتسبْتُم وَجنيْتُم، وإيَّاكُم مِنْ هَدْمِ مَا شَيَّدْتُم وبَنيْتُم، {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا}(النَّحْلِ: 92). ثم بين الشيخ علامات وأمارات للحج المبرور فقال: وإنَّ أمارةَ الحجِّ المبرورِ ومنارةَ قَبولِهِ، إيقاعُ الحسنةِ بعدَ الحسنةِ، والمداومةُ على ذلكَ، قالَ الله -تعالَى-: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ}(الشَّرْحِ: 7)، وهكذَا حالُ المؤمنِ، كُلَّمَا فَرَغَ مِنْ عبادةٍ أعقبَها بعبادةٍ أخرَى، فللهِ دَرُّ أقوَامٍ أعيادُهُم قَبُولُ الأعمالِ، ومُرَادُهُم أشرفُ الآمالِ، وأحوالُهُم تَجْرِي على كَمَالٍ، فالمؤمن ليس له منتهى من العمل، إلا بحلول الأجل، {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}(الْحِجْرِ: 99). إنَّ مَنْ لبَّى في الحجِّ للرحمنِ فَلْيُلَبِّ بالطاعاتِ في كلِّ مكانٍ وزمانٍ، ومَنِ امتنعَ في حَجِّهِ عنْ محظوراتِ الإحرامِ، فَليَعْلَمْ أنَّ هناكَ محظوراتٍ على الدوامِ، فَليَحْذَرْ مِنْ خُطُواتِ الشيطانِ، ولا يَقْتَرِبْ مِنْ حِمَى الرَّحمنِ، قالَ - صلى الله عليه وسلم -: «أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ»(متَّفَقٌ عليه). إنَّ مِنْ توفيقِ اللهِ -تعالَى- أَنْ يعودَ الحاجُّ بعدَ الحجِّ بالتوحيدِ الخالصِ، وَقَدْ صَلَحَ قَلبُهُ، وازدادَ إيمانُهُ، واستقامَ حالُهُ، وحَسُنَ خُلُقُهُ، وقَوِيَ يقينُهُ، وزادَ وَرَعُهُ، سُئِل الحسنُ البصريُّ -رحمَهُ اللهُ-: «ما الحجُّ المبرورُ؟ فقالَ: أنْ تعودَ زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرةِ». فيَا مَنْ تقلَّبتُم في أنواعِ العبادةِ، الزَموا طريقَ الاستقامةِ، فلستُمْ بدارِ إقامةٍ.
لاتوجد تعليقات