رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 22 يناير، 2023 0 تعليق

خطبة الحرم المكي – وجوب الاعتراف بالنعم والفرار من الفتن

 

جاءت خطبة الحرم المكي بتاريخ 13 جمادي الآخرة 1444هـ، الموافق 6 يناير 2023م، بعنوان: (وجوب الاعتراف بالنعم والفرار من الفتن)، للشيخ د: عبدالله بن عواد الجهني، واشتملت الخطبة على عناصر أهمها: نعم الله وخيراته المتوالية، والتحذير من دار الغرور، والمسلم يستنير في حياته بنور الشرع وهدايته، وازدواجية القيم والمفاهيم في الحياة المعاصرة، والوصية بالتقوى والتحذير من المعاصي.

     في بداية الخطبة أكد الشيخ الجهني أننا في هذه الأيام نتقلَّب في نِعَمٍ من الله وافرة، وخيراتٍ عامرةٍ، سماؤُنا تُمطِر، وشجَرُنا يُثمِر، وأرضُنا تخضرُّ، فتَح الرزاقُ لنا أبوابَ السماء، فعمَّ بغيثه جميعَ أرضنا، فامتلأتِ السدودُ والوديانُ والآبار، وارتوت الأرض والأشجار، فاللهم زِدْنَا من فضلِكَ ورحمتِكَ؛ فإنَّه لا يملكها إلا أنتَ سبحانك وبحمدك، اللهم سُقيَا رحمةٍ لا سُقيَا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ.

الدنيا دارُ ابتلاءاتٍ ومِحَنٍ

      الدنيا دارُ ابتلاءاتٍ ومِحَنٍ، والحصيفُ مَنْ تحرَّزَ لنفسِه ودِينِه حتى لا يقعَ في الفتنِ، لِيَنْجُوَ منها، وأعظمُ الخلقِ غرورًا مَنِ اغترَّ بالدنيا وعاجِلِها، فآثَرَها على الآخِرةِ، ورضي بها من الآخرةِ، فمَنِ اعتصَم بحبلِ اللهِ واستنارَ بنورِ اللهِ وتمسَّكَ بكتابِ اللهِ استقام ونَجَا، ومَنْ أفلتَ السببَ وأغمَضَ عَينَه عن النور وصدَّ عن الصراط المستقيم، تاهَ وهلَكَ، والعياذ بالله -تعالى.

بحر الحياة

      في هذه الدنيا يسبح الإنسان في بحر الحياة، بينَ أمواجِ الهواجسِ والأفكارِ والوساوسِ والظنونِ والأهواءِ والشهواتِ وأعاصيرِ الأعراضِ، والذي خلَق الإنسانَ وخلَق فيه أفكارَه ووساوسَه وغرائزَه، وخلَق الأعراضَ التي تُحيط به، لم يَغفُل عنه ولم يُهمله، بل أعطاه عقلًا وبصيرةً، وأرسل إليه رسولًا، وأنزَل عليه نظامًا يُوجِّهه في مسيرته في هذه الحياة، ومدَّ له سبيًا متصلًا بشاطئ النجاة، وفيه عروةٌ وثيقةٌ لا تُفصَم؛ فهو كمَثَل زورقٍ في بحرٍ لجيٍّ يرفعه الموجُ ويَخفِضُه، وتُحرِّكُه الرياحُ يمينًا وشمالًا، فلابدَّ له مَنْ يُوصله ويحدِّد اتجاهَه، ولابدَّ له من رُبَّانٍ ماهرٍ يَعرِف الممراتِ يسيرُ به إلى اتجاهِ الْمَرْسى، فإذا لم يكن كذلك ضَلَّ في المتاهاتِ وغَرِقَ.

الازدواجيَّة والاختلاف في هذا الزمن

       ومن هذا المثل نتعرَّف على الازدواجيَّةِ والاختلافِ في هذا الزمن، فقد كَثُرَ العلمُ وانتشَر الجهلُ، وكثرتِ الأموالُ وزاد الفقرُ، وتطوَّر الطبُّ وفشتِ الأمراضُ، كَثُرَ العلمُ في النظريَّات والصناعات والفلسفات، ولكِنْ كَثُرَ الجهلُ بواجبِ الإنسانِ ورسالتِه في هذه الحياةِ، فصار العلمُ بدون تقوى، وعلى غير هُدًى، فاستُغِلَّتِ العلومُ لغير ما خُلِقَتْ له، خُلِقَتْ لتكونَ دليلًا على قدرة خالقها ووحدانيته، ولتكونَ رابطةً بينَ الإنسان وخالقه، خُلِقَتْ لتكونَ عونًا للإنسان على طاعةِ ربِّه، ولكنَّ العلمَ بعيدٌ عن هذا الآنَ إلا ما شاء اللهُ؛ فقد استُعملت بعضُ العلوم الآنَ للتخريب والتدمير والصدِّ عن دينِ اللهِ، واستعبادِ الضعيفِ، والسببُ في ذلك هو فَصْلُ العلمِ عن الإيمانِ، فإلى متى هذه الجهالةُ؟

      لقد تطوَّر الاقتصادُ وكثرتِ الأموالُ فزادتِ النفوسُ شُحًّا وبخلًا ونهمةً في جمع الأموال بالحلال والحرام، بحقٍّ وبدونِ حقٍّ، كشارِبِ ماءِ البحرِ، كلما زادَ شُربًا ازدادَ عطشًا؛ فبعض الناس يُنفِق مئاتِ الألوفِ في رحلةٍ سياحيَّةٍ، ولكنَّه لا يُواسِي فقيرًا ولا يَعطِف على يتيمٍ؛ والسببُ في ذلك الجهلُ بنظامِ الإسلامِ، والجهلُ بالحسنى.

أعظم الازدواجيةِ

      ألَا وإنَّ أعظمَ الازدواجيةِ في حياتِنا هي الازدواجيةُ في أمرِ دينِنا، نعلمُ الخيرَ ونأتي منه ما أَرَدْنَا، ونعلمُ الشرَّ ونجتنبُ منه ما شِئْنَا، نعلمُ الهُدَى ولا ندخلُ فيه كلِّه، ونعلمُ الضلالَ ولا نخرجُ منه كلِّه، اعتمادُنا على رحمةِ اللهِ -تعالى- ومغفرتِه، وكأننا لا نقرأُ القرآنَ، فلمَّا ذكرَ اللهُ -تعالى- أن: {رحمتَه وسعت كل شيء}، ذكرَ أهلَها وأحقَّ الناسِ بها، قال: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}(الْأَعْرَافِ: 156).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك