رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 26 أكتوبر، 2020 0 تعليق

خطبة الحرم المدني – د. حسين آل الشيخ إمام الحرم المدني: حكمـة الابتـلاء والحاجة إلى التوبة


يذكرنا الله -جل وعلا- سنته في الأمم، فيقول -عز شأنه-: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ}. والبأساء هو شرف المعيشة وضيقها، والضراء هو الضَّر وسوء الحال من الآلام والأسقام.  ويبيّن الله -جل وعلا- لنا حِكمة وقوع ذلك وسببه، وهو إلجاء العباد إلى التضرع إلى ربهم والاستكانة إلى خالقهم، والإنابة إلى ربهم، بالإقلاع عما يغضبه -جل وعلا-، وبلزوم طاعته والخضوع لأمره، والسير على نهج شرعه.

حكمة الابتلاء

     فمِن حِكَم الابتلاء بكل ما يصيب الإنسان في هذه الحياة من الشدائد والمشاق والأضرار، أن يرجع الخلق لربهم، وأن ينقادوا إلى أوامره -سبحانه-، ويثوبوا إلى رشدهم، وينزجروا عن الضلال والعناد، والإجرام والإفساد، لعل القلوب الجامدة أن تلين وتتعظ، فتعود للصلاح والرشاد، والهدى والسداد. قال -سبحانه-: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ}.

فيجب أن يحاسِب العباد أنفسهم وهم يروْن الابتلاءات تترا، وأن يعودوا بصدق إلى دين الله، ويجددوا توبة نصوحا بتجديد العهد بالسير على الصراط المستقيم.

غفلة القلب

     ومن أعظم المصائب أن تمر الابتلاءات بالناس، فلا تلين لها القلوب ولا تعود بها الجوارح إلى ربها، قال -جل وعلا-: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. نعم، من أعظم المصائب وأشد صور الشقاء، أن تقع الابتلاءات والغافلون مستمرون في غفلتهم، والتائهون دائبون في سباتهم ولهوهم ومعاصيهم، والفاسدون غارقون في فسادهم وإجرامهم. قال النعمان بن بشير - رضي الله عنه - «إن الهلكة كل الهلكة أن تعمل السوء في زمن البلى» رواه ابن أبي شيبة.

يقول -سبحانه- محذرا من شأن الكافرين المعاندين: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}. أي ابتليناهم بالمصائب والشدائد، فما استكانوا -أي ما خشعوا ولا انكسروا- ظاهراً وباطناً، بل استمروا في غيّهم وضلالهم.

الحاجة إلى التوبة

     إن الضرورة إلى التوبة شديد، والحاجة إلى المحاسبة أكيد، قال -جل وعلا-: {مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا}. فلا تنقلب المصائب لأمن، ولا البأساء والضراء رخاءً وفرجا، إلا بتوبة العباد إلى ربهم، والرجوع إلى خالقهم، فبذلك يرحمهم -جل وعلا-، ويُنعِم عليهم ويرفع بلواهم وما حلّ بهم، الله -جل وعلا- يمتحن عباده بالشدائد والمصائب والسيئات، ليرغبوا إلى طاعته ويؤوبوا إلى جنابه، قال -جل وعلا-: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}. ويقول -سبحانه-: {وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}. ويقول -سبحانه- {وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

اللجوء إلى الله

     ذَكَر المؤرخون أنه عام سبعمائة وتسعة وأربعين للهجرة وقع بمصر والشام وباء مات بسببه خلق كثير، فاجتمع الناس في المساجد، وتضرعوا لربهم، وتابوا من ذنوبهم، وأقبلوا بأنواع الصدقات والحسنات حتى زال عنهم البلاء عاجلا. فمن أراد الله بهم خيرا وتوفيقا، اتخذوا من وقوع المَثُلات زاجراً وواعظاً ومذكرا، يقول -عز شأنه-: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}. أي يتعظون؛ لأن الشِّدة ترقق القلوب وتُرغِّبها فيما عند الله وفي الرجوع إليه -سبحانه.

     عباد الله، لا تحصيل لمطلوب ترغبه النفوس والمجتمعات، ولا نجاة من مرهوب تكرهه القلوب، إلا بتوبة صادقة إلى الله -جل وعلا- قال -سبحانه-: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. ورحمة الله بخلقه التي بها تُفَرّج القلوب وتزول الخطوب، لا تتحقق إلا بطاعة مخلصة صادقة لله -جل وعلا- واتباع شرعه، والسير على سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال -سبحانه-: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}. وقال -سبحانه- {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا}. وقال -عز شأنه-: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}. فأنيبوا إلى الله وأصلحوا القول والعمل، والتزموا النهي والأوامر، ترشدوا وتفلحوا. {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

تحقيق الإيمان

     فيا أيها المسلمون، متى حققت الأمة الإيمان الكامل بالله -جل وعلا- حقاً وصدقاً، ظاهراً وباطنا، ومتى سارت على منهج الله في جميع شؤونها، ومختلف نشاطات حياتها، فتح الله لهم البركات، وعاشوا في رخاء وحياة طيبة وعيشة هنيئة، لا يشوبها ضيق ولا كدر. {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.

 

 

الشيخ ابن عثيمين : الاحتفال بالمولد النبوي

      قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: أولاً: ليلة مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليست معلومة على الوجه القطعي، بل إن بعض العصريين حقق أنها ليلة التاسع من ربيع الأول، وليست ليلة الثاني عشر منه، وحينئذ فجعل الاحتفال ليلة الثاني عشر منه لا أصل له من الناحية التاريخية. ثانياً: من الناحية الشرعية فالاحتفال لا أصل له أيضاً؛ لأنه لو كان من شرع الله لفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بلغه لأمته، ولو فعله أو بلغه لوجب أن يكون محفوظاً؛ لأن الله- تعالى- يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، فلما لم يكن شيء من ذلك، عُلم أنه ليس من دين الله، وإذا لم يكن من دين الله فإنه لا يجوز لنا أن نتعبد به لله - عز وجل - ونتقرب به إليه، فإذا كان الله -تعالى- قد وضع للوصول إليه طريقاً معيناً وهو ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكيف يسوغ لنا -ونحن عباد- أن نأتي بطريق من عند أنفسنا توصلنا إلى الله؟

     هذا من الجناية في حق الله - عز وجل- أن نشرع في دينه ما ليس منه، كما أنه يتضمن تكذيب قول الله - عز وجل-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}؛ فنقول: هذا الاحتفال إن كان من كمال الدين فلا بد أن يكون موجوداً قبل موت الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإن لم يكن من كمال الدين، فإنه لا يمكن أن يكون من الدين؛ لأن الله - تعالى - يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}.

 ومن زعم أنه من كمال الدين، وقد حدث بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإن قوله يتضمن تكذيب هذه الآية الكريمة، ولا ريب أن الذين يحتفلون بمولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما يريدون بذلك تعظيم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإظهار محبته، وتنشيط الهمم على أن يوجد منهم عاطفة في ذلك الاحتفال للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وكل هذا من العبادات ؛ محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - عبادة، بل لا يتم الإيمان حتى يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحب إلى الإنسان من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، وتعظيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - من العبادة، كذلك إلهاب العواطف نحو النبي - صلى الله عليه وسلم - من الدين أيضاً؛ لما فيه من الميل إلى شريعته، إذاً فالاحتفال بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - من أجل التقرب إلى الله وتعظيم رسوله - صلى الله عليه وسلم -عبادة، لكن لا يجوز أبداً أن يحدث في دين الله ما ليس منه.

     فالاحتفال بالمولد بدعة ومحرم، ثم إننا نسمع أنه يوجد في هذا الاحتفال من المنكرات العظيمة مالا يقره شرع ولا حس ولا عقل؛ فهم يتغنون بالقصائد التي فيها الغلو في الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى جعلوه أكبر من الله - والعياذ بالله-! ومن ذلك أيضاً أننا نسمع من سفاهة بعض المحتفلين أنه إذا تلا التالي قصة المولد ثم وصل إلى قوله «ولد المصطفى» قاموا جميعاً قيام رجل واحد يقولون: إن روح الرسول - صلى الله عليه وسلم - حضرت فنقوم إجلالاً لها وهذا سفه! ثم إنه ليس من الأدب أن يقوموا؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يكره القيام له، فأصحابه -وهم أشد الناس حبّاً له وأشد منا تعظيماً للرسول،  صلى الله عليه وسلم - لا يقومون له؛ لما يرون من كراهيته لذلك وهو حي؛ فكيف بهذه الخيالات؟! وهذه البدعة - أعني بدعة المولد - حصلت بعد مضي القرون الثلاثة المفضلة، وحصل فيها ما يصحبها من هذه الأمور المنكرة التي تخل بأصل الدين، فضلاً عما يحصل فيها من الاختلاط بين الرجال والنساء وغير ذلك من المنكرات.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك