رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 16 ديسمبر، 2020 0 تعليق

خطبة الحرم المدني – الحذيفي إمام الحرم المدني: أعظم النصيحة لله -عز وجل- عبادته وحده لا شريك له بإخلاص وسنة ومتابعة

 


ألقى الشيخ علي الحذيفي «إمام الحرم المدني» خطبة الجمعة بتاريخ 12 ربيع الثاني-1442 هــ الموافق 27/11/2020 وكانت بعنوان «الدين النصيحة»، التي أكد فيها على ضرورة محاسبة النفس وإيقاظ القلوب من غفلتها، وكف النفوس عن المحرمات، والمبادرة بالتوبة قبل حلول الأجل، وانقطاع الأمل، وتعذر العمل، فالأيام سريعة الانقضاء.

وما بعد الحياة إلا الممات، وما بعد الموت إلا دار النعيم، أو دار العذاب الأليم، فالدنيا فانية فلابد من العمل للآخرة الباقية، قال الله -تعالى-: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}.

التمسك بالكتاب والسنة

     ثم أكد الشيخ الحذيفي على ضرورة التمسك بالكتاب والسنة فقال: أقبلوا على كتاب ربكم، فبه عزّكم وسعادتكم، وصلاح أحوالكم، وبه فوزكم بعد موتكم، وبه عصمتكم ونجاتكم من الفتن التي تتكاثر كلما قَرُبت القيامة، وتشتبه في أول ورودها، وتستبين في آخر أمورها. فلا ينجو منها إلا من اعتصم بالقرآن والسنة ولزوم الجماعة، فتدبروا كتاب الله عز وجل واعملوا به، واحفظوا من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يقوم به الدين، وتَصِح به العقيدة، وتَكْمُل به العبادة، لا سيما الأحاديث الجامعة لأحكام الإسلام المشتملة على الفضائل، واعرفوا معانيها للتمسك بها والعمل، فهذا منهج السلف الصالح الذين قال الله -تعالى- فيهم: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا  ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

حديث ذو شأن عظيم

     ثم أورد حديثا في هذا المقام من جوامع الكلم منبهًا على وجوب العمل به على كل مسلم ومسلمة في كل الأحوال، ويلزم التمسك به من الرجال والنساء مادامت الأرواح في الأجساد، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» رواه مسلم من حديث تميم الداري - رضي الله عنه -، وقد رواه غير مسلم كثير من المحدثين، وهو حديث ذو شأن عظيم، قاله الإمام أبو داوود.

الفقه يدور على خمسة أحاديث

     ثم بين أن الفقه يدور على خمسة أحاديث وهي: حديث الحلال بيّن والحرام بيّن، وحديث لا ضرر ولا ضرار، وحديث إنما الأعمال بالنيات، وحديث الدين النصيحة، وحديث ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم. وقال الحافظ أبو نعيم: هذا حديث له شأن، ذكر محمد بن أسلم الطوسي أن حديث الدين النصيحة، أحد أرباع الدين.

واجب على كل مسلم ومسلمة

     ثم وضح الأدلة على أن هذا الحديث واجب على كل مسلم ومسلمة في كل حال دائما فقال: إن الله -تعالى- أسقط بعض العبادات عن بعض المكلّفين بالعذر ولبعض الأسباب، ولم يُسقِط النصح بأي عذر يحال، قال الله -تعالى-: {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، فبيّن الله أنه لا يعْذر مسلم بالتخلي عن النصيحة طرفة عين، ولم يَسأل الصحابة عن معنى النصيحة، لعلمهم بما تدل عليه من معاني الدين الواسعة، بالمطابقة والتضمن والالتزام، فهي تشمل مراتب الإسلام والإيمان والإحسان، وإنما سألوا لمن تكون؟ ومن المستحقون لها؟

معنى النصيحة

ثم بين أصل معنى النصيحة وهي تخليص الشيء من الشوائب والدواخل والمكدّرات، يقال نصح العسل إذا خلّصه ونقاه من الشمع.

النصيحة لله -تعالى

وعن النصيحة لله -تعالى- قال: إنها تعني محبته والتذلل والخضوع له، والاستسلام والانقياد لشريعته طلبا لرضوانه وخوفا من غضبه وعقابه، قال -سبحانه- {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} وقال -تعالى- {والذين آمنوا أشد حبا لله} وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أحبوا الله من كل قلوبكم لما يغدوكم به من النعم».

أعظم النصيحة لله -عز وجل

وأضاف، أعظم النصيحة لله -عز وجل- عبادته -سبحانه- وحده لا شريك له بإخلاص وسنة ومتابعة على هدي سيد المرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم -. وتخصيص الرّب بأنواع العبادات كلها، بالدعاء، والاستعانة، والاستغاثة، والتوكل، قال الله -تعالى-{قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا}، والرب -جل وعلا- يُعبد لما له من صفات الكمال والجلال، وتَقَدُّسِه وتَنَزُّهه عن صفات النقص، ولما له على خلقه من النعم، ولافتقار العباد إلى رحمته، فالعبادة سبب لخيراته، وسبب لدفع الشرور عن الإنسان في حياته وبعد مماته. والنصيحة لله -تبارك وتعالى- بإثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه وما أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الأسماء والصفات، على ما كان عليه السلف الصالح -رضي الله عنهم-، إثباتا بلا تأويل، وتنزيها بلا تعطيل. وعن أبي أمامة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الله -تعالى- «أحب ما تَعَبّدَني به عبدي النصح لي» رواه أحمد والطبراني في الكبير.

النصيحة للرسول -صلى الله عليه وسلم

     وعن معنى النصيحة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: هي محبته، وتوقيره، وتعظيم سنته، وفعل أوامره، واجتناب نواهيه، وعبادة الله بشرعه، ومتابعة هديه، وتصديق أخباره، ونشر حديثه، والذّب عنه وعن سنته، والدعوة إلى دينه، قال الله -تعالى- {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}.

النصيحة لكتاب الله

     وعن معنى النصيحة لكتاب الله -تعالى- قال: هي تعظيم القرآن الكريم ومحبته، والاجتهاد في تعلمه وتعليمه، والتفقه في أحكامه، وتلاوته تلاوة صحيحة، وفعل أوامره وترك نواهيه، ومداومة تلاوته، وحفظ حروفه وحدوده، ومعرفة تفسيره ومعانيه، وما يراد منه، وتدبره، والتخلق به، والرد على المنحرفين في فهم القرآن والسنة، ودحض أباطيلهم، والتحذير منهم، قال الله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}.

النصيحة لأئمة المسلمين

     وعن معنى النصيحة لأئمة المسلمين قال: هي محبة الخير لهم، ومحبة عدلهم، والفرح بتوفيقهم، وعدم غشهم، وعدم خيانتهم، وألا يخرج عليهم، وألا يُظاهِر عليهم، ومعاونتهم على الحق وطاعتهم في غير معصية لله، والدعاء لهم بالتوفيق وإصابة الحق في أقضيتهم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله يرضى لكم ثلاثا، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تُناصحوا من ولاه الله أمركم» رواه مسلم. وعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «إنما تكرهون في الجماعة، خير مما تحبون في الفرقة، والنصيحة هي سلامة الصدر» وعن جبير بن مطعم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاث لا يَغِلّ عليهن قلب مسلم، إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين» رواه أحمد والحاكم. وعن معقل بن يسار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من عبد يسترعيه الله رعية ثم لم يَحُطْها بنصحه إلا لم يدخل الجنة» رواه البخاري ومسلم وأحمد.

النصيحة لعامة المسلمين

وعن معنى النصيحة لعامة المسلمين قال: هي إرشادهم إلى مصالحهم، وتعليمهم أمور دينهم، وستر عوراتهم، وسَدّ حاجاتهم، وعدم الغش والخيانة لهم، ومجانبة الحسد لهم، والتحمل لهم.

النصح صفة الأنبياء والمرسلين

     وأضاف، النصح صفة الأنبياء والمرسلين -عليهم الصلاة والتسليم-، قال الله -سبحانه- {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}، وقال عن نوح -عليه السلام- {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ}، وقال عن هود -عليه الصلاة والسلام- {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} وقال عن صالح -عليه الصلاة والسلام-: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}. والنصح من صفات المؤمنين قال الله -تعالى- عن مؤمن يس {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ} وقال في آخر قصته {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} قال ابن عباس: نَصَحَ قومه في حياته وبعد مماته، قال الله -تعالى- {إنما المؤمنون إخوة} وقال -تعالى- {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}.

تناصر وتناصح وتكافل

ثم ختم خطبته بنصيحة قائلا: تدبروا قول الله -تعالى- {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ففي هذه الآية تعاون وتناصر وتناصح وتكافل وأخوّة ورحمة ومودة. وعن جرير بن عبد الله قال: «بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم» رواه البخاري ومسلم. وقال أبو بكر المزني: ما فاق أبو بكر - رضي الله عنه - أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصوم ولا صلاة، ولكن بشيء وقر في قلبه. قال ابن علية: الذي كان في قلبه، الحب لله -عز وجل- والنصيحة في خلقه، وعن حكيم بن أبي يزيد عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له» رواه أحمد والطبراني في الكبير.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك