رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 13 أكتوبر، 2020 0 تعليق

خطبة الحرم المدني – البعيجان إمام الحرم المدني:المساجد بيوت الله، وهي أفضل الأماكن والبقاع، ومثوى من تعبد ربه وأطاع


المساجد بيوت الله، وأحب البقاع إليه، أعدت للعبادة والصلاة وذكر الله، قال -تعالى-: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}. لا يعمرها إلا المؤمنون حقا، قال -تعالى-: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ}.

وقال أيضا: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}.

توعد الله من صد عنها، وعطل مآذنها، ومحاربها فقال: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

أفضل الأماكن والبقاع

المساجد بيوت الله، وهي أفضل الأماكن والبقاع، ومثوى من تعبد ربه وأطاع، من مآذنها تتردد شهادة التوحيد كل يوم علي الأذان «أشهد أن لا إله إلا الله أشهد وأن محمدا رسول الله».

ومن مآذنها يتردد النداء إلى الصلاة (عمود الإسلام وثاني أركانه العظام) «حي على الصلاة حي على الفلاح».

     ومن محاربها ومنابرها انطلقت رسالة الإيمان، ففتحت القلوب والآذان، ومحت ظلام الشرك والأوثان، فهي أول مدرسة تربوية وعلمية في الإسلام، تخرج فيها جيل الصحابة الكرام؛ فكانوا أحق الناس بالعلم والعمل، وهي أول صرح تأسست فيه المنابر الدعوية؛ فنشرت الإسلام في الآفاق بالدعوة والجهاد والأخلاق، وإن من أفضل الأعمال وأجلها وأعظمها منزلة عند الله عمارة المساجد (بيوت الله) {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ}.

عمارة المساجد بالعبادة فيها

     وعمارة المساجد تكون ببنائها، والعبادة فيها، وقصدها لإقامة الصلاة، وإجابة مناديها إذا نادى: حي على الصلاة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوا».

     ومما يرفع الدرجات ويكفر السيئات كثرة الخطا إلى المساجد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط» رواه مسلم. عَنْ أبي هريرة عن النَبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «منْ غدَا إِلَى المَسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أعدَّ اللَّهُ لَهُ في الجنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدا أوْ رَاحَ». (متفقٌ عَلَيهِ).

يوم لا ظل إلا ظله

     روادَ بيوت الله، وعمار المساجد، هنيئا لكم أوفر الظلال، وبشرى لكم أحسن وأتم الأنوار، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه -تَعالى-، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه: اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ، وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ» ذكر منهم رجلا قلبه معلق بالمساجد.  عن بريدة - رضي الله عنه -، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة « رواه أبو داود والترمذي.

فاجعلوا عباد الله لبيوت الله من وقتكم جزءا مقسوما، ومن عبادتكم نصيبا مفروضا، وقدموا لأنفسكم ما ينفعكم، ويرفعكم الله به يوم القيامة، قال -تعالى- {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

من شعائر الإسلام

أداء الفرائض في جماعة من شعائر الإسلام، وعلامات الإيمان، فاركعوا مع الراكعين، فهي من أفضل الطاعات وأجل الأعمال، وأزكي القربات والدرجات.

     قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: «من سره أن يلقى الله غداً مسلماً؛ فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث؛ ينادى بهن؛ فإن الله شرع لنبيكم - صلى الله عليه وسلم - سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد؛ إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إلا منافق، معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف».

عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفَذِّ بسبع وعشرين درجة». رواه البخاري ومسلم.

     عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ» رواه البخاري.

جائحة كورونا

     لقد عظم خطب جائحة كورونا علي المسلمين، فتعطلت صلاة الجماعة، وعظمت لوعه من تعلق قلبه بالمساجد، فاشتد شوقه وحنينه، وقد جاء الله بالفرج، فجعل من كل ضيق مخرجا، ومن كل هما فرجا، فها هي ذي المساجد قد فتحت أبوابها، وهُيئت أرجاؤها، ها هي ذي بيوت الله تنتظر عمارها وزوارها، قد ارتفعت أصوات مآذنها تنادي (حي على الصلاة حي على الصلاة /حي على الفلاح حي على الفلاح).

بيوت الله مفتوحة

ها هو ذا بيت الله وحرمه ومنسك المسلمين مفتوح، يستقبل الزوار والمعتمرين، فاحمدوا الله واشكروه، واسالوه أن يرفع ما بقي من الوباء، وأن يصرف عنا جهد البلاء، وأن يتم العافية والشفاء.

     وهيا عباد الله إلى بيوت الله، استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ويصلحكم ويسعدكم ويهديكم، وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد، وحافظوا علي الفرائض حيث ينادي بهن {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}.

     إن من التحدث بنعم الله ما من الله به علي هذه البلاد المباركة من نعمة التوحيد والوحدة والأمن والاستقرار، وخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، والاهتمام بقضايا المسلمين، والمواقف الإنسانية الخيرة، وتحقيق السلم العالمي منذ تأسيسها إلى هذا العصر الزاهر، ما يوجب شكر النعم والحفاظ علي أمنها واستقرارها ومكتسباتها، وتحقيق الوحدة الدينية والبيعة الشرعية، ولزوم الجماعة والإمامة، والسمع والطاعة، والدعاء لولاة أمرها بالتوفيق والسداد، حفظ الله بلادنا وبلاد المسلمين من كل مكروه وسوء.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك