رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 21 ديسمبر، 2020 0 تعليق

خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف – مواجهة الفساد واجب المجتمع كله وفق الأصول الشرعية والقواعد المرعية


جاءت خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لهذا الأسبوع بتاريخ 26 من ربيع الآخر 1442هـ - الموافق 11/12/2020م محذرةً من الغش والفساد، ومؤكدة أن الشَّرِيعَة الْإِسْلَامِيَّة جاءت لِتَحْقِيقِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ عَنْهُمْ؛ فَقَدْ أَمَرَ اللهُ بِالْإِصْلَاحِ وَنَهَى عَنِ الْإِفْسَادِ فَقَالَ: {وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} (الأعراف:142). وَنَهَانَا -جَلَّ وَعَلَا- عَنْ طَاعَةِ الْمُفْسِدِينَ فَقَالَ: {وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} (الشعراء:151-152). وَأَخْبَرَ -سبحانه- أَنَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَأَهْلَهُ فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (القصص:77)، وَجَعَلَ -سبحانه- الدَّارَ الْآخِرَةَ لِلْمُصْلِحِينَ فَقَالَ: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (القصص:83).

سَبِيل الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ

     كما أكدت الخطبة أن الْإِصْلَاح وَمُحَارَبَة الْفَسَادِ سَبِيل الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ؛ قَالَ شُعَيْبٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود:88). وَقَالَ صَالِـحٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: {فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (الأعراف:74).

الْفَسَاد الْمَالِي وَالْإِدَارِي

     كما بينت الخطبة أِنَّ مِنْ أَعْظَمِ صُوَرِ الْفَسَادِ- الَّتِي فَشَتْ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ- الْفَسَادَ الْمَالِيَّ وَالْإِدَارِيَّ الَّذِي أَصْبَحَ مُشْكِلَةَ الْعَصْرِ، حَتَّى أَقْلَقَ الدُّوَلَ وَالشُّعُوبَ، وَأَضْحَى ظَاهِرَةً تُعَانِي مِنْهَا الدُّوَلِ جميعها، إِنَّهُ أَزْمَةٌ أَخْلَاقِيَّةٌ، وَخَلَلٌ فِي الْقِيَمِ، وَانْحِرَافٌ فِي السُّلُوكِ، وَضَعْفٌ فِي مُرَاقَبَةِ اللهِ، فَكَمْ أَعَاقَ مِنْ تَنْمِيَةٍ! وَأَثَّرَ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ لِلشُّعُوبِ، وَلَقَدِ اتَّخَذَ هَذَا الْفَسَادُ صُوَرًا كَثِيرَةً وَمَظَاهِرَ وَأَشْكَالًا مُتَعَدِّدَةً، مِنْهَا: الِاعْتِدَاءُ عَلَى الْأَمْوَالِ وَالْمُمْتَلَكَاتِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَقَبُولُ الرِّشْوَةِ وَهَدَايَا الْعُمَّالِ، وَاسْتِغْلَالُ الْمَنَاصِبِ لِلْمَصَالِحِ الذَّاتِيَّةِ.

محاربة أنواع الفساد

     كذلك بينت الخطبة على أن شَرِيعَتنَا الْإِسْلَامِيَّة حَارَبَتْ كُلَّ هَذِهِ الأنواع مِنَ الْفَسَادِ مِنْ خِلَالِ نُصُوصٍ كَثِيرَةٍ، فَهِيَ الَّتِي رَسَّخَتْ مَبْدَأَ (مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟) كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ» (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ - رضي الله عنه - وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ)، وَدَعَتْ إِلَى مُرَاقَبَةِ اللهِ وَالْخَوْفِ مِنْهُ، وَجَعَلَتِ الْإِحْسَانَ أَعْلَى مَرَاتِبِ الدِّينِ، وَهُوَ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ.

وَحَرَّمَتْ الشريعة أيضًا أَخْذَ الْمَالِ بالطرائق الْمُحَرَّمَةِ؛ فَعَنْ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ» (رَوَاهُ البُخَارِيُّ).

وَنَهَتْ عَنِ الْغِشِّ بِكُلِّ صُوَرِهِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

وَلَعَنَتْ مَنْ أَخَذَ الرِّشْوَةَ أَوْ أَعْطَاهَا؛ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

     كَمَا نَهَتْ الشريعة عَنِ اسْتِغْلَالِ الْمَنَاصِبِ لِلْمَصَالِحِ الشَّخْصِيَّةِ، أَوْ أَخْذِ الْهَدَايَا عَلَيْهَا؛ فَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ)، قَالَ البَغَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَدَايَا الْعُمَّالِ وَالْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ سُحْتٌ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُهْدَى إِلَى الْعَامِلِ لِيُغْمِضَ لَهُ فِي بَعْضِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ، وَيَبْخَسَ بِحَقِّ الْمَسَاكِينِ، وَيُهْدَى إِلَى الْقَاضِي لِيَمِيلَ إِلَيْهِ فِي الْحُكْمِ، أَوْ لَا يُؤْمَنُ مِنْ أَنْ تَحْمِلَهُ الْهَدِيَّةُ عَلَيْهِ».

مُوَاجَهَة الْفَسَادِ

     وعن مواجهة الفساد بينت الخطبة أِنَّ مُوَاجَهَته وَاجِبُ الْمُجْتَمَعِ كُلِّهِ، فَعَلَيْنَا جَمِيعًا أَنْ نَتَعَاوَنَ عَلَى مُحَارَبَةِ الْفَسَادِ، كُلٌّ فِي مَوْقِعِهِ وَفْقَ الْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الْمَرْعِيَّةِ؛ فَإِنَّ الْبَلَاءَ إِذَا نَزَلَ عَمَّ الصَّالِحَ وَالطَّالِحَ فِينَا؛ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك