رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 22 فبراير، 2021 0 تعليق

خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف – من التوكل على الله – الأخذ بالأسباب لـمـواجـهــة أعتى الأزمات

 

جاءت خطبة الأوقاف بتاريخ 30 من جمادى الآخرة 1442هـ - الموافق 12/2/2021م، مبينةً أنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا دَارُ امْتِحَانٍ وَاختبَارٍ، جَعَلَهَا -جَلَّ جَلَالُهُ- قَنْطَرَةَ عِظَةٍ وَاعْتِبَارٍ، فَفِيهَا أَفْرَاحٌ وَأَتْرَاحٌ، وَآمَالٌ وَآلَامٌ، وَصِحَّةٌ وَأَسْقَامٌ، وَهَكَذَا جُبِلَتْ، فَمَنْ رَامَ مِنْهَا غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ عَوَّلَ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ، وَخَالَفَ سُنَّةَ اللهِ -سبحانه وتعالى- فِي كُلَّ خَلْقٍ وَجِيلٍ، {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (الملك:2). وَإِنَّ حَالَ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ يَخْتَلِفُ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ؛ إِذْ يُقَابِلُ الْابْتِلَاءَاتِ بِالصَّبْرِ عَلَيْهَا، وَاحْتِسَابِ الْأَجْرِ فِيهَا، وَبِالْتِزَامِ التَّضَرُّعِ وَالدُّعَاءِ؛ طَلَبًا لِكَشْفِ الضُّرِّ وَالْبَلَاءِ، وَبِانْتِظَارِ الْفَرَجِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فِيمَا يَخَافُ وَفِيمَا يُؤَمِّلُ، فَهُوَ يُحَقِّقُ شَطْرَيِ الْإِيمَانِ: الصَّبْرَ وَالشُّكْرَ، كَمَا فِي حَديثِ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَجَبًا لِأمْرِ الْمُؤمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأحَدٍ إلَّا لِلْمُؤمِنِ، إنْ أصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإنْ أصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

قُوَّةَ الْإيمَانِ وَصِدْقَ التَّوَكُّلِ

     ثم بينت الخطبة أِنَّ قُوَّةَ الْإيمَانِ وَصِدْقَ التَّوَكُّلِ عَلَى الْوَاحِدِ الدَّيَّانِ، أَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَسَلَّحَ بِهِ لِمُوَاجَهَةِ الِابْتِلَاءَاتِ، وَتَجَاوُزِ الأزَمَاتِ وَتَجَنُّبِ آثَارِهَا، قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} (آل عمران:173- 174).

الْأخْذُ بِالْأَسْبَابِ

     وأشارت الخطبة إلى أنَّ مِنَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ الْأخْذً بِالْأَسْبَابِ لِمُوَاجَهَةِ أَعْتَى الْأَزَمَاتِ، وَالتَّغَلُّبِ عَلَى أَقْوَى الْمَصَاعِبِ، كَالرُّجُوعِ فِي ذَلِكَ إِلَى أهْلِ الاخْتِصَاصِ وَالالْتِزَامِ بِنَصَائِحِهِمْ وَإِرْشَادَاتِهِمْ، بِمُرَاعَاةِ الضَّوَابِطِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْأخْذِ بِالنَّصَائِحِ وَالتَّوْصِيَاتِ الصِّحِّيَّةِ، وَالْتِزَامِ الْإِجْرَاءَاتِ الاحْترَازِيَّةِ، وَمِنْ هَذِهِ الْإِرْشَادَاتِ الَّتِي قُمْنَا بِاتِّبَاعِهَا وَنَجَحْنَا مِنْ خِلَالَهَا- بِعَوْنِ اللهِ تَعَالَى- فِي تَجَاوُزِ ذُرْوَةِ الْمَرَضِ السَّابِقَةِ وَعَلَيْنَا أَنْ نَتَمَسَّكَ بِهَا فِي هَذِهِ الْأيَّامِ أَيْضًا: لُبْسُ الكِمَامَاتِ، وَتَعْقِيمُ الأَيْدِي عِنْدَ الدُّخُولِ إِلَى المَسْجِدِ وَالخُرُوجِ مِنْهُ، وَعَدَمُ مُصَافَحَةِ الآخَرِينَ، وَكَذَا التَّباعدُ بَينَ المُصَلِّينَ فِي الصُّفُوفِ بِحَسَبِ مَا هُوَ مَوضُوعٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ، وَإِحْضَارُ كُلِّ مُصَلٍّ سَجَّادَتَهُ مَعَهُ إِلَى المَسْجِدِ ثُمَّ رَدُّها مَعَهُ إِلَى البَيتِ، وَعَدَمُ الاقْتِرَابِ مِنَ الآخَرِينَ أَثْنَاءَ الدُّخُولِ وَالخُرُوجِ، وَالأَفْضَلُ أَنْ تُصَلَّى السُّنَّةُ فِي البَيتِ؛ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «.. فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاةِ صَلاةُ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةَ» (أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

مما حَرَصَتْ عَلَيْهِ الشريعة

     وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا حَرَصَتْ عَلَيْهِ شَرِيعَتُنَا وَمِنْ صُلْبِ وَسَائِلِ سَلَامَتِنَا؛ إِذْ نَهَانَا دِينُنَا عَنْ أَنْ يَضُرَّ بَعْضُنَا بَعْضًا أَوْ يَقْتُلَ بَعْضُنَا بَعْضًا بِالمُبَاشَرَةِ أَوْ التَّسَبُّبِ، قَالَ -عَزَّ مِنْ قَائِلٍ-: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (النساء:29)؛ أَيْ: لَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَتُهْلِكُوا أَنْفُسَكُمْ، وَلَا يَقْتُلِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (أَخْرَجَهُ أَحَمْدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ). يَعْنِي: لَا تَضُرَّ نَفْسَكَ وَلَا تَقابِلْ غَيرَكَ بِالمَضَرَّةِ، فَلْنَتَعَاوَنْ يَا عِبَادَ اللهِ، وَلْنَعْمَلْ بِالإِرْشَادَاتِ وَالتَّوجِيهَاتِ؛ لأَنَّهَا مِنْ أَجْلِ سَلامَةِ دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَأَنْفُسِنَا وَمُجْتَمَعِنَا {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}. (المائدة:2).

إجْرَاءَاتٌ مطلوبة

     لَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ اللهِ في خَلْقِهِ أنْ يجْعلَ لِكُلِّ هَمٍّ فرجًا، وَلِكُلِّ ضِيقٍ مخْرَجًا، وَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ مَا يَدْعُو لِلْخوفِ وَالهَلَعِ، فَمَا نُشَاهِدُهُ وَنُتَابِعُهُ مِنْ إِجْرَاءَاتٍ تَقُومُ بِهَا الْجِهَاتُ الْمُخْتَصَّةُ إِنَّمَا هِيَ إجْرَاءَاتٌ مطلوبة لِمواجَهَةِ امتدادِ هذا البَلاءِ وَتَجَدُّدِهِ، وَهِيَ مِنْ بَابِ الأَخْذِ بِالأَسْبابِ، الَّتِي أُمْرِنَا بِالْأخْذِ بِهَا بَعْدَ الاعْتِمَادِ عَلَى اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ، فَكُلُّ مَا تَسْمَعُونَهُ وَتُتابِعُونَهُ مِنْ إجْراءَاتٍ إِنَّمَا هُوَ بِهَدَفِ دَفْعِ الضُّرِّ عَنَّا جَمِيعًا وَحِمايَةِ أَمْنِنَا وَصِحَّتِنَا، فَاصْبِرُوا وَاحْتَسِبُوا، فَإِنَّ اللهَ وَعَدَ الصَّابِرينَ أَجْرًا عَظِيمًا، قَالَ تَعَالَى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} (الأنبياء:88).

منْ أَهم طرائق دفع الْبَلَاء

     إِنَّ مَنْ أَهم الطرائق الَّتِي يُدْفَعُ بِهَا الْبَلَاءُ: التَّوْبَةَ وَالاسْتِغْفَارَ، فَمَا نَزَلَ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ، وَلُزُومُ الاسْتِغْفَارِ بَابٌ عَظِيمٌ مَنِ أَبْوَابِ الْخَيْرِ، بِهِ تُغْفَرُ الذُّنُوبُ وَتُرْسَلُ الرَّحَمَاتُ وَتَعُمُّ الْخَيْرَاتُ، وَإِنَّ التَّوْبَةَ عَنِ الذُّنُوبِ بِالرُّجُوعِ إِلَى سَتَّارِ الْعُيُوبِ وَعَلَّامِ الْغُيُوبِ مَبْدَأُ طَرِيقِ السَّالِكِينَ، وَرَأْسُ مَالِ الْفَائِزِينَ، وَمِفْتَاحُ اسْتِقَامَةِ الْمَائِلِينَ، وَإنَّ الرُّجُوعَ إِلَى الْخَيْرِ بَعْدَ الْوُقُوعِ فِي الشَّرِّ ضَرُورَةُ الآدَمِيِّينَ، فَالوَاجِبُ تَقْدِيمُ التَّوْبَةِ وَالْمُسَارَعَةُ إِلَيْهَا وَتَحْقِيقُهَا؛ فَإِنَّهَا الْمُنْجِيَةُ مِنْ كُلِّ كربٍ وبلاءٍ، قَالَ تَعَالَى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}( (نوح:10-12).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك