رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 28 يناير، 2021 0 تعليق

خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف – رِسَالَةُ الإِسْلَامِ شَامِلَةٌ لِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ

 

جاءت خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف لهذا الأسبوع بتاريخ 2 من جمادى الآخرة 1442هـ - الموافق 15/1/2021مـ مبينةً حقيقة رِسَالَة الإِسْلَامِ، وأنَّها رِسَالَةٌ شَامِلَةٌ لِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، تَدْعُو إِلَى كُلِّ أَمْرٍ جَمِيلٍ، وَتَنْهَى عَنْ كُلِّ خُلُقٍ رَذِيلٍ، تَأْمُرُ بِأَدَاءِ الْحُقُوقِ، وَتَنْهَى عَنْ جَمِيعِ أَوْجُهِ الْعُقُوقِ، وَمِنَ الآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ آيَةٌ سَمَّاهَا العُلَمَاءُ آيَةَ الْحُقُوقِ الْعَشَرَةِ، يَقُولُ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتعالى-: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} (النساء:36).

إِفْرَادُ اللهِ بِالتَّوْحِيدِ

     وعن الآية السابقة والحقوق العشرة التي وردت فيها، فقد بَدَأَ اللهُ -تعالى- بِأَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَبِيدِ، وَهُوَ إِفْرَادُ اللهِ بِالتَّوْحِيدِ، وَنَهَى عَنِ الشِّرْكِ بِأَنْوَاعِهِ، كَبِيرِهِ وَصَغِيرِهِ، فَعَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ -تعالى- مَحَبَّةً وَذُلًّا، وَرَجَاءً وَخَوْفًا، وَيُخْلِصُوا لَهُ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ وَكُلِّ الْحَالَاتِ؛ لِأَنَّ إِفْرَادَ اللَّهِ -تعالى- بِالْعِبَادَةِ حَقُّهُ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْوَاجِبَاتِ، وَأَجَلُّ الْقُرُبَاتِ؛ فَعَنْ مُعَاذِ بِنْ جَبَلٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ: «يَا مُعَاذُ، أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ؟»، قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وَلَا يُشْرَكَ بِهِ شَيْءٌ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

أَدَاء حُقُوقِ الْخَلْقِ

     وعن الحق الثاني، فقد أَمَرَ الله -سُبْحَانَهُ- بِأَدَاءِ حُقُوقِ الْخَلْقِ، الأَهَمِّ فَالأَهَمِّ، فَقَالَ: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، فَبَدَأَ بِالأَمْرِ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ حَقِّهِمَا وَعُلُوِّ شَأْنِهِمَا، وَكَثِيرًا مَا يَقْرِنُ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- بَيْنَ عِبَادَتِهِ وَالإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، كَقَوْلِهِ -تعالى-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (الإسراء:23)، وَقَرَنَ نَبِيُّنَا - صلى الله عليه وسلم  - بَيْنَ الشِّرْكِ بِاللهِ وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ، مِمَّا يُؤَكِّدُ خُطُورَتَهُ وَيُعَظِّمُ حُرْمَتَهُ؛ فَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْكَبَائِرِ قَالَ:«الشِّرْكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَقَوْلُ الزُّورِ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِمَا -عِبَادَ اللهِ- بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَاجْتَهِدُوا بِالْقِيَامِ بِطَاعَتِهِمَا، وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِمَا، وَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْبِرِّ وَالإِحْسَانِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوقِ وَالْخُسْرَانِ.

الإِحْسَان إِلَى الْقَرَابَاتِ

     ثُمَّ بينت الخطبة الحق الثالث، وهو الإِحْسَان إِلَى الْقَرَابَاتِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ فَقَالَ: {وَبِذِي الْقُرْبَى}، كَمَا قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ ثَلَاثًا، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالأَقْرَبِ فَالأَقْرَبِ». (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَامِ - رضي الله عنه )، فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُحْسِنَ إِلَى قَرَابَتِهِ وَأَرْحَامِهِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ المُتَنَوِّعِ مَا يَشْرَحُ صُدُورَهُمْ، وَتَتَـيَسَّرُ بِهِ أُمُورُهُمْ، وَتَكُونُونَ بِذَلِكَ وَاصِلِينَ، وَلِلْأَجِرِ مِنَ اللَّهِ حَائِزِينَ.

الإِحْسَان إِلَى الضَّعَفَةِ

     ثُمَّ جاء الحق الرابع بِالإِحْسَانِ إِلَى الضَّعَفَةِ مِنَ الْأَيْتَامِ وَالْمَسَاكِينِ؛ فَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: {وَالْيَتَامَى}: فَأَمَرَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ النَّاسَ بِرَحْمَتِهِمْ وَالْحُنُوِّ عَلَيْهِمْ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَكَفَالَتِهِمْ وَجَبْرِ خَوَاطِرِهِمْ وَتَرْبِيَتِهِمْ، سَوَاءٌ كَانَ الْيَتِيمُ ذَكَرًا أَم أُنْثَى، قَرِيبًا أَوْ غَيْرَ قَرِيبٍ، وَقَدْ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: « أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئاً». (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَهْلٍ). ثُمَّ نَوَّهَ -تعالى- بِالْوَصِيَّةِ بِالْمُحْتَاجِينَ وَالْفُقَرَاءِ مِمَّنْ لَمْ يَحْصُلُوا عَلَى كِفَايَتِهِمْ وَلَا كِفَايَةِ مَنْ يَعُولُونَ، فَقَالَ: {وَالْمَسَاكِينِ}، فَأَمَرَ -تعالى- بِسَدِّ خَلَّتِهِمْ، وَدَفْعِ فَاقَتِهِمْ، وَمُسَاعَدَتِهِمْ بِمَا تَتِمُّ بِهِ كِفَايَتُهُمْ، وَتَزُولُ بِهِ ضَرُورَتُهُمْ؛ وَقَدْ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِـينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوِ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الْصَائِمِ النَّهَارَ». (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ).

الإِحْسَان إِلَى كلِّ مَنْ لَهُ صِلَةٌ بِكَ

     ثُمَّ أَمَرَ اللهُ -تعالى- بِالإِحْسَانِ إِلَى كلِّ مَنْ لَهُ صِلَةٌ بِكَ، وهو الحق الخامس الذي جاءت به الآية الكريمة، سَوَاءٌ بِالْجِوَارِ، أَم بِالصُّحْبَةِ فِي السَّفَرِ أَوِ الْحضَرِ؛ فَقَالَ-سُبْحَانَهُ-: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} أَيِ: الْجَارِ الَّذِي لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ وَحَقُّ الْقَرَابَةِ، {وَالْجَارِ الْجُنُبِ} وَهُوَ الجَارُ الَّذِي لَيْسَ بِقَرِيبٍ؛ فَلِلْجَارِ عَلَيْكَ حَقٌّ، مُسْلِمًا كَانَ أَمْ كَافِرًا، قَرِيبًا أَمْ بَعِيدًا؛ بِكَفِّ الأَذَى عَنْهُ، وَتَحَمُّلِ أَذَاهُ، وَالإِحْسَانِ إِلَيْهِ بِالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ؛ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -[-: فِيمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، ثُمَّ وَصَّى بِالرَّفِيقِ فِي الْحَضَرِ أَوِ السَّفَرِ، فَقَالَ: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ}؛ فَعَلَى الصَّاحِبِ لِصَاحِبِهِ حَقُّ الْمُسَاعَدَةِ وَالنُّصْحِ وَالْوَفَاءِ، وَالْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَنْ يُحِبَّ لَهُ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ، وَيَكْرَهَ لَهُ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ.

الوصيَّةُ بِالْغَرِيبِ الْمُسَافِرِ

     ثُمَّ جاءت الوصية من الله -تعالى- بِالْغَرِيبِ الْمُسَافِرِ، فَقَالَ: {وَابْنِ السَّبِيلِ}، فَحَثَّ اللَّهُ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَى الْغُرَبَاءِ؛ لِكَوْنِهِمْ فِي مَظِنَّةِ الْوَحْشَةِ وَالْحَاجَةِ؛ فَيُعِينُ الْعَبْدُ مُحْتَاجَهُمْ، وَيَجْبُرُ خَاطِرَهُمْ، وَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُكْرِمُهُمْ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ. ثُمَّ خَتَمَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- هَذِهِ الْوَصَايَا بِالْأَمْرِ بِالْإِحْسَانِ إلَى ضُعَفَاءِ الْحِيلَةِ، فَقَالَ: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، فَأَمَرَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- بِالْقِيَامِ بِكِفَايَتِهِمْ، وَأَلَّا يُحَمَّلُوا مَا لَا يُطِيقُونَ، وَأَنْ يُعَاوَنُوا عَلَى مُهِمَّاتِهِمْ.

جماع الخير كله

     ثم بينت الخطبة أن الْخَيْرَ كُلَّهُ وَالشَّرَفَ جَمِيعَهُ فِي التَّقَيُّدِ بِهَذِهِ الْوَصَايَا الَّتِي أَمَرَ بِهَا رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَحَثَّ عَلَيْهَا سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ - صلى الله عليه وسلم -، فَاحْرِصْ عَلَيْهَا مَا دَامَ فِي الْعُمْرِ بَقِيَّةٌ، وَالْفُرَصُ مُتَاحَةٌ، وَآجَالُ الْحَصَادِ سَانِحَةٌ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ هَذِهِ الْوَصَايَا فَإِنَّهُ مُعْرِضٌ عَنِ اللَّهِ، مُتَكَبِّرٌ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ، مُعْجَبٌ بِنَفْسِهِ، فَخُورٌ بِأَقْوَالِهِ، وَهَذِهِ الأَوْصَافُ الْقَبِيحَةُ تَحْمِلُهُمْ عَلَى الْبُخْلِ بِالْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ، وَكُلُّهَا أَوْصَافٌ مَذْمُومَةٌ لَا يُحِبُّهَا اللَّهُ -تعالى-؛ وَلِهَذَا خَتَمَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- الآيَةَ بِقَوْلِهِ -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك