رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 16 نوفمبر، 2020 0 تعليق

خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف – خُطُورَةُ الْمُجَاهَرَةِ بِالْمَعَاصِي


إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {آل عمران:102)، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {النساء:1)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} {الأحزاب:70-71).

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى.

- عِبَادَ اللهِ: خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ، وَأَمَرَهُمْ بِمَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ فِي الدَّارَيْنِ، وَنَهَاهُمْ عَمَّا فِيهِ هَلَاكُهُمْ وَفَسَادُهُمْ، وَوَعَدَ الطَّائِعِينَ مِنْهُمْ بِجَنَّاتِ النَّعِيمِ؛ قَالَ -تعالى-: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (النساء:13). وَتَوَعَّدَ مَنْ عَصَاهُ بِالْعُقُوبَةِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (النساء:14). كَمَا أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ جَزَاءٌ لِمَنْ أَحَبَّ شُيُوعَ الْفَاحِشَةِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ؛ قَالَ -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النور:19).

إفشاء المعصية ذنب عظيم

- عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الْمُجَاهَرَةَ بِالْمَعْصِيَةِ وَإِفْشَاءَهَا وَإِشَاعَتَهَا وَإعْلَانَهَا لَذَنْبٌ عَظِيمٌ وَمَسْلَكٌ وَخِيمٌ، يَزِيدُ مِنْ شَيْنِهَا وَيُضَاعِفُ مِنْ خَطَرِهَا؛ لِأَنَّ الْمُذْنِبَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ اقْتِرَافِ الْمَعْصِيَةِ وَالِاسْتِهَانَةِ بِجَمِيلِ سِتْرِ اللهِ مَعَ مُخَالَفَةِ الْمُذْنِبِ أَمْرَ اللهِ فِي سَتْرِهِ عَلَى نَفْسِهِ؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ» وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اجْتَنِبُوا هَذِهِ الْقَاذُورَةَ الَّتِي نَهَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا، فَمَنْ أَلَمَّ فَلَيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» (أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ).

شناعة الخطيئة

     وَمِمَّا يَزِيدُ مِنْ شَنَاعَةِ هَذِهِ الْخَطِيئَةِ: أَنَّ الْمُجَاهِرَ الْمُشِيعَ يَكُونُ مِعْوَلَ هَدْمٍ فِي مُجْتَمَعِهِ، مُقَوِّضًا لِلْفَضَائِلِ، نَاشِرًا لِلرَّذَائِلِ، فَيَتَحَمَّلُ بِسُوءِ فِعْلَتِهِ إِثْمَ مَنْ تَابَعَهُ وَعَمِلَ عَمَلَهُ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِهَدْيِ رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَفِعْلٍ أَثِيمٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَزِيدًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:   فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِـكُمْ، وَأَحْسِنُوا إِلَى أَنْفُسِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ.

ضعاف النفوس

- عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ ضِعَافِ النُّفُوسِ مَنِ اسْتَغَلَّ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ لِنَشْرِ الْفَسَادِ، وَهَتْكِ الْأَسْتَارِ وَإشَاعَةِ الرَّذِيلَةِ، وَالدَّعْوَةِ لَهَا بِلِسَانِ الْحَالِ وَالْمَقَالِ. فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللهِ وَاعْصِمُوا أَسْمَاعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ؛ قَالَ -تعالى-: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء:36).

     وَخُذُوا –يَارَعَاكُمُ اللهُ- عَلَى يَدِ الْمُسِيءِ بِالنُّصْحِ وَالتَّحْذِيرِ وَالتَّوْجِيهِ وَالنَّكِيرِ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم -: «لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا» (أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ). قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ -رَحِمَهُ اللهُ-: كَانَ يُقَالُ: «إِنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتعالى- لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِذَنْبِ الْخَاصَّةِ، وَلَكِنْ إِذَا عُمِلَ الْمُنْكَرُ جِهَارًا، اسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ كُلُّهُمْ».

دعاء

     اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ أَزْكَى الْبَرِيَّةِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَالصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَارْضَ عَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجَعَلْ أَعْمَالَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيةِ، وَوَفِّقْهُمَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ ادْفَعْ عَنَّا الْغَلَاءَ وَالْوَبَاءَ وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلَازِلَ وَالْمِحَنَ وَسُوءَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، عَنْ بِلَادِنَا وَعَنْ سَائِرِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُــمَّ أَغِـثْ قُـــلُوبَنَا بِالإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، وَبِلَادَنَا بِالأَمْطَارِ النَّافِعَةِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك