رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 14 ديسمبر، 2020 0 تعليق

خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف – حفظ الأمانة وأداؤها صيانة للمجتمعات وأمان للعباد


جاءت خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بتاريخ 19 من ربيع الآخر 1442هـ - الموافق 4/12/2020م، مؤكدة أهمية الْأَمَانَةَ وشَأْنُهَا العَظِيمٌ في الشريعة الإسلامية، فقد عَرَضَهَا رَبُّنَا عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأرْضِ وَالْجِبَالِ عَرْضًا مَسْؤُولًا، فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا، وَهِي أمَانَةُ الْوَاجِبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَخْلَاقِ الْمَرْضِيَّةِ، وكان مما جاء في الخطبة ما يلي:

حِفْظ الْأمَانَةِ وَأَدَاؤهَا

قَدْ أَوَجَبَ اللهُ عَلَيْنَا حِفْظَ الْأمَانَةِ وَأَدَاءَهَا، وَحَرَّمَ عَلَيْنَا التَّفْرِيطَ فِيهَا وَإِضَاعَتَهَا وَإقْصَاءَهَا، قَالَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (النساء:58).

مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ

     وَعَدَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خِيَانَةَ الْأَمَانَةِ مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ، وَإِنْ صَلَّى خَائِنُهَا وَصَامَ وَعَدَّ نَفْسَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مِنْ عَلَامَاتِ الْمُنَافِقِ ثَلَاثَةٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ» (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

الْخِيَانَةُ مَذْمُومَةٌ مَقْصِيَّةٌ

     وَالْأَمَانَةُ مَحْمُودَةٌ مَرْضِيَّةٌ، وَالْخِيَانَةُ مَذْمُومَةٌ مَقْصِيَّةٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ )، وَقَدْ نَفَى الشَّرْعُ كَمَالَ الْإِيمَانِ عَمَّنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ مَنْ بَنِي الْإِنْسَانِ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا قَالَ: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ» (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

مَفْهُوم الْأَمَانَةِ

     وإِذَا ذُكِرَتِ الْأَمَانَةُ تَبَادَرَ إِلَى أَذْهَانِ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهَا تَعْنِي حِفْظَ الْمَالِ لِمَنِ اؤْتُمِنَ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ مَفْهُومَ الْأَمَانَةِ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ وَأَشْمَلُ؛ إِذْ مَفْهُومُهَا يَشْمَلُ الدِّينَ بِكُلِّ مَا افْتَرَضَ اللهُ فِيهِ عَلَى الْعِبَادِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ، فَالْأمَانَةُ تَعُمُّ جَمِيعَ وَظَائِفِ الدِّينِ، قَالَ -تعالى-: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (الأحزاب: 72).

حفظ الْأَعْرَاض وَالْأَرْوَاح

     وَكَذَا الْأَعْرَاضُ وَالْأَمْوَالُ وَالْأَرْوَاحُ وَالْأَجْسَامُ أمَانَةٌ، وَالْمَعَارِفُ وَالْعُلُومُ أمَانَةٌ، وَالْوِلَايَةُ وَالْوِصَايَةُ وَالشَّهَادَةُ وَالْقَضَاءُ، وَالْكِتَابَةُ وَنَقْلُ الْحَديثِ وَالْأَسْرَارُ وَالرَّسَائِلُ، وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَسَائِرُ الْحَوَاسِّ كُلُّهَا أمَانَةٌ، وَكَلٌّ مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا أُقِيمَ عَلَيْهِ وَجُعِلَ فِيهِ، فَالْوَزِيرُ فِي وِزَارَتِهِ وَالْمُدِيرُ فِي إِدَارَتِهِ، وَالْمُعَلِّمُ بَيْنَ تَلَامِذَتِهِ وَالْأُسْتَاذُ مَعَ طَلَبَتِهِ، وَالطَّالِبُ فِي دِرَاسَتِهِ وَالْمُوَظَّفُ فِي وَظِيفَتِهِ، وَالْعَامِلُ فِي مَعْمَلِهِ وَالصَّانِعُ فِي مَصْنَعِهِ، وَالْعَسْكَرِيُّ فِي جُنْدِيَّتِهِ وَالْمُزَارِعُ فِي مَزْرَعَتِهِ، وَالصَّحَفِيُّ فِي جَرِيدَتِهِ وَالْكَاتِبُ فِي كِتَابَتِهِ، كُلُّ هَؤُلَاءِ مُؤْتَمَنُونَ وَعَلَيْهِمْ أَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَتَجَنُّبُ الْخِيَانَةِ، قَالَ اللهُ -سُبْحَانَهُ-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (الأنفال:27). وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْهُ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ» (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ).

ثمار حفظ الأمانة

     إِنَّ لِحِفْظِ الْأَمَانَةِ وَأَدَائِهَا كَمَا وَجَبَتْ: ثِمَارًا يَانِعَةً وَآثَارًا نَافِعَةً، فَمَا مِنْ مُجْتَمَعٍ يَصُونُ الْأمَانَةَ وَيُؤَدِّيهَا؛ إِلَّا عَمَّتْ فِيهِ الثِّقَةُ وَالِاطْمِئْنَانُ، وَعَاشَ أهْلُهُ فِي أَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَشُيِّدَ بُنْيَانُهُ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ وَالْإِيثَارِ وَالْأُلْفَةِ. وَمَا مِنْ مُجْتَمَعٍ ضُيِّعَتْ فِيهِ الْأمَانَةُ؛ إِلَّا سَادَتْ فِيهِ الْخِيَانَةُ، وَدَمَّرَتْهُ الْفَوْضَى وَالْاِضْطِرَابُ، وَبَاءَ بِالْفَسَادِ وَالْخَرَابِ، وَطُمِسَتْ فِيهِ الْقِيَمُ وَبِيعَتِ الذِّمَمُ، وَأَصْبَحُوا عَلَى ذِلَّةٍ وَهَوَانٍ، وَأَمْسَوْا فِي سُخْطٍ وَغَضَبٍ مِنَ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ.

أَعْظَم الْأمَانَةِ

     وَمِنْ أَعْظَمِ الْأمَانَةِ وَضْعُ الْإِنْسَانِ الْمُنَاسِبِ فِي الْمَكَانِ الْمُنَاسِبِ، وَاخْتِيَارُهُ عَلَى أَسَاسِ الْعِلْمِ وَالْخِبْرَةِ وَمَعَايِيرِ الْكَفَاءَةِ، قَالَ اللَّهُ - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (القصص:26)، وَمَنِ اخْتَارَ عَلَى غَيْرِ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ: فَقَدْ فَرَّطَ فِي الْأمَانَةِ وَقَارَفَ الْخِيَانَةَ؛ لِأَنَّهُ أَسْنَدَ الْأَمْرَ إِلَى غَيْرِ أهْلِهِ، وَقَدْ جَعَلَ الشَّرْعُ ذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ القَوْمَ، جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: «أَيْنَ - أُرَاهُ - السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟» قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» (أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ).

     وَمِنَ الْأَمَانَةِ أَلَّا يَطْلُبَ الْمَرْءُ تَحَمُّلَ مَسْؤُولِيَّةٍ وَهُوَ غَيْرُ كُفْءٍ لَهَا؛ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَهَا لِمَنْ هُوَ أهْلٌ لَهَا؛ لِئَلَّا يُقَصِّرَ فِيهَا وَتَكُونَ عَوَاقِبُهَا عَلَى الْأُمَّةِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا» (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك