رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 19 يناير، 2021 0 تعليق

خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف – الطَّرَائِقُ الشَّــرْعِـــيَّـــــةُ لِـــــــــدَفْــــــــــــــعِ الْوَسَاوِسِ الشَّيْطَانِيَّةِ


جاءت خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف لهذا الأسبوع بتاريخ بتاريخ 24 من جمادى الأولى 1442هـ - الموافق 8 / 1 /2021م، مبينة عداوة الشيطان للإنسان، ومحذرة من وساوسه، ومبينةً الطرائق الشرعية لدفع الوساوس الشيطانية، فلَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ -تعالى- آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِيَدَيْهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ مَلَائِكَتَهُ الْكِرَامَ بِالسُّجُودِ لَهُ {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} (الحجر:30-31 ).

     ولقد ظَهَرَتْ عَدَاوَةُ إِبْلِيْسَ اللَّعِينِ بَلْ تَعَهَّدَ -لَمَّا ضَمِنَ الْبَقَاءَ فِي الدُّنْيَا وَوَثِقَ بِالْإِنْظَارِ إلَى يَوْمِ الدِّينِ- أَنْ يُضِلَّ الْعِبَادَ أَجْمَعِينَ، إِلَّا مَنِ اجْتَـبَاهُ اللَّهُ وَجَعَلَهُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُخْلَصِينَ، فَلَا يَزَالُ عَدُوُّ اللَّهِ يَنْصِبُ حَبَائِلَهُ وَيَزِيدُ فِي غَوَايَتِهِ لِإِضْلَالِ بَنِي آدَمَ وَصَرْفِهِمْ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِمْ وَطَاعَتِهِ.

وَسَائِل الشَّيْطَانِ

     وَإِنَّ مِنْ وَسَائِلِ الشَّيْطَانِ الَّتِي يَكِيدُ بِهَا لِبَنِي آدَمَ: أَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ بِالْوَسَاوِسِ الَّتِي يَجِدُونَهَا فِي صُدُورِهِمْ، قَاصِدًا بِذَلِكَ تَثْقِيلَ الْعِبَادَةِ، عَلَيْهِمْ ثُمَّ صَرْفَهُمْ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَيُوَسْوِسُ لِهَذَا فِي طَهَارَتِهِ، وَيُوَسْوِسُ لِذَاكَ فِي النَّجَاسَاتِ، وَيُلَبِّسُ عَلَى الْآخَرِ صَلَاتَهُ وَنِيَّتَهُ وَقِرَاءَتَهُ، وَيُوَسْوِسُ لِذَاكَ فِي صَوْمِهِ، وَلِلْآخَرِ فِي أَمْرِ طَلَاقِهِ وَأَمْرِ فِرَاشِهِ، وَيَبْلُغُ الْأَلَمُ مَبْلَغَهُ عِنْدَمَا تَكُونُ الْوَسْوَسَةُ فِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، فَيَعْتَصِرُ الْأَلَمُ قَلْبَ الْمُصَابِ، وَكَأَنَّمَا يَحْمِلُ فَوْقَهُ جَبَلًا؛ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ عَلَى غَيْرِ الإِيمَانِ بِهِ -سُبْحَانَهُ.

الإعراضُ عن وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ

     وَلَا يَزَالُ الْعَبْدُ بِخَيْرٍ مَا دَامَ مُعْرِضًا عَنْهَا غَيْرَ مُسْتَجِيبٍ لَهَا، وَقَدْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ الْمُصْطَفَى - صلى الله عليه وسلم - ؛ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُحَدِّثُ نَفْسِي بِالشَّيْءِ، لَأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهِ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ» (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ شَاكِرٍ). وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، قَالَ: «وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ» (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

الاستجابة لِوَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ

     إِنَّ مِنَ الخُطُورَةِ بِمكَانٍ أَنْ يَسْتَجِيبَ الْمُسْلِمُ لِوَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ مَهْمَا بَلَغَتْ، وَقَدْ يُخَيِّلُ الشَّيْطَانُ لِلْمُسْلِمِ بِأَنَّهُ مُتَعَرِّضٌ لِلْإِثْمِ وَالْعُقُوبَةِ إِنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لِتِلْكَ الْخَطَرَاتِ، كَأَنْ يُعِيدَ غَسْلَ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِأَجْلِ تِلْكَ الْوَسَاوِسِ، أَوْ تَطْهِيرَ مَكَانٍ أَوْ ثَوْبٍ، أَوْ إِعَادَةِ صَلَاتِهِ، أَوِ الْمُبَالَغَةِ فِي اسْتِحْضَارِ النِّيَّةِ، أَوْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لِلْوَسْوَاسِ فَيُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ الِاسْتِجَابَةِ لِعَدُوِّ اللَّهِ -تعالى.

فَحَذَارِ أَنْ تَسْتَجِيبَ لِتِلْكَ الْأَوْهَامِ! وَاقْطَعِ الطَّرِيقَ عَلَيْهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا؛ لِتَجْتَنِبَ بِذَلِكَ الْوُقُوعَ فِي حَبَائِلِ الشَّيْطَانِ وَفِخَاخِهِ، قَالَ -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (البقرة:208).

الالْتِفَات إلَى الْوَسْوَسَةِ

إِنَّ الالْتِفَاتَ إلَى الْوَسْوَسَةِ يَنْقَلِبُ مَرَضًا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْإِنْسَانِ، عِنْدَمَا يَكُونُ مَحَلًّا قَابِلًا لِتِلْكَ الْوَسَاوِسِ، يَتَسَاهَلُ فِي مُتَابَعَتِهَا وَيَسْتَرْسِلُ مَعَهَا، وَيَنْشَغِلُ بِالاهْتِمَامِ بِأَمْرِهَا، كُلُّ ذَلِكَ بِقَصْدِ إِحْسَانِ الْعَمَلِ وَالسَّلَامَةِ مِنَ الْإِثْمِ.

الاسْتِعَاذَةِ مِنَ الشَّيْطَانِ

     وَلَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتعالى- سُورَةً كَامِلَةً أُمِرْنَا فِيهَا بِالاسْتِعَاذَةِ مِنَ الشَّيْطَانِ الَّذِي وَصَفَهُ بِأَنَّهُ خَنَّاسٌ يَخْنُسُ عِنْدَ الذِّكْرِ، وَيُوَسْوِسُ عِنْدَ الْغَفْلَةِ، قَالَ اللهُ -تعالى-: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} ( (الناس:1-6).

الانْتِهَاءِ عن الْخَطَرَاتِ الشَّيْطَانِيَّةِ

     وَقَدْ أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالاسْتِعَاذَةِ بِاللَّهِ وَالانْتِهَاءِ عَنِ الاسْتِرْسَالِ مَعَ الْخَطَرَاتِ الشَّيْطَانِيَّةِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَهِ» (أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ). وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم-: «ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزِبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا» قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللهُ عَنِّي. (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

الْعِلَاجِ النَّاجِعِ

     مَنْ أَرَادَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ وَالنَّجَاةَ فَعَلَيْهِ بِالْعِلَاجِ النَّاجِعِ وَالسَّبِيلِ النَّافِعِ الَّذِي سَلَكَهُ الْمُوَفَّقُونَ، وَهُوَ امْتِثَالُ أَمْرِ اللَّهِ -تعالى- وَأَمْرِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالاسْتِعَاذَةِ وَالانْتِهَاءِ وَعَدَمِ الالْتِفَاتِ لِلْوَسْوَاسِ مُطْلَقًا، وَأَنْ يَلْجَأَ إلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ لِيُعَافِيَهُ مِنْ هَذَا الْبَلَاءِ، ثُمَّ لْيَنْظُرْ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِالْوَسْوَسَةِ كَيْفَ كَانَتْ أَحْوَالُهُ؟، وَيَنْظُرْ فِي حَالِ مَنْ حَوْلَهُ مِمَّنْ لَا يُعَانِي الوَسْوَسَةَ، وَكَيْفَ اسْتَقَرَّتْ أَحْوَالُهُمْ وَسَكَنَتْ نُفُوسُهُمْ؟، وَعَلَيْهِ أَنْ يَشْغَلَ نَفْسَهُ بِالنَّافِعِ الْمُفِيدِ؛ فَالنَّفْسُ إِنْ لَمْ تَشْغَلْهَا بِالْخَيْرِ شَغَلَتْكَ بِالشَّرِّ. وَلَا حَرَجَ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى الثِّقَاتِ مِنْ أَهْلِ الاخْتِصَاصِ؛ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُ الْبَلَاءَ وَيَرْزُقَهُ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك