خصائص المنهج السلفي (3) محاربة البدع والتحذير منها
- من أبرز سمات منهج السلف محاربتهم للبدع في الدين ونبذها والتحذير منها لمناقضتها لأحد شرطي العبادة وهو المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم
- من سمات المنهج السلفي هجر أهل الأهواء والبدع والتشديد في النهي عن مجالستهم أو سماع كلامهم أو عرض شبههم وذلك إنكارًا للمنكر وتأديبًا وزجرًا لهم حتى يقلعوا عن بدعتهم
- ليس هناك بدعة محمودة وبدعة مذمومة كما يتوهم بعضهم بل البدع في الدين كلها مذمومة منهي عنها شرعًا
- البدعة التي أتت الشريعة بذمها هي ما أُحدث في الدين مما لا أصل له في الشريعة بقصد التقرب إلى الله تعالى كالبدع المتعلقة بالقبور وبدعة الاحتفال بالمولد النبوي وغيرها.
إن المنهج السلفي يعني الطريق الواضحة البينة لما كان عليها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالمنهج السلفي ليس حقبة تاريخية مضت وانقضت، بل هو منهج له أصوله وقواعده وخصائصه، وليس له وقت ينتهي إليه ولا يتقيد بمكان ينحصر فيه، وإن معرفة خصائص المنهج السلفي تعين على تحديد معالمه وتمييز هويته في هذا الزمن الذي كثرت فيه الدعاوى بالانتساب لهذا المنهج المبارك، ومن الرسائل الجامعية المميزة التي تناولت هذا الموضوع رسالة د. مفرح بن سليمان القوسي (عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) التي كانت بعنوان: (المنهج السلفي: تعريفه، تاريخه، مجالاته، قواعده، خصائصه).
الخاصية الثالثة: محاربة البدع والتحذير منها
- البدع: جمع بدعة، وهي في اللغة: الاختراع على غير مثال سابق، يقال: «أبدعت الشيء: اخترعته لا على مثال، والله بديع السماوات والأرض، والبديع: المبتدع.
- والبدع في اصطلاح العلماء: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله -سبحانه-، ومن أبرز سمات منهج السلف -رحمهم الله-: محاربتهم للبدع في الدين ونبذها والتحذير منها لمناقضتها لأحد شرطي العبادة، وهو المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم .
كل بدعة ضلالة
وروي عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: «كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة»، وروي عن الإمام مالك -رحمه الله- أنه كان يقول: «من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، وفي رواية: من أحدث في هذه الأمة شيئًا لم يكن عليه سلفها، فقد زعم أن محمدًا خان الرسالة؛ لأن الله -تعالى- يقول: {اليوم أكملتُ لَكُمْ دِينَكُم وأتممتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسلام دينا}، فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا»، وكان كثيرًا ما ينشد:وخير أمور الدين ما كان سنة
وشر الأمور المحدثات البدائع
هجر أهل الأهواء والبدع
ومن سمات المنهج السلفي هجر أهل الأهواء والبدع والتشديد في النهي عن مجالستهم أو سماع كلامهم أو عرض شبههم، وذلك إنكارًا للمنكر وتأديبًا وزجرًا لهم حتى يقلعوا عن بدعتهم، ومحاصرة لآرائهم وشبهاتهم، وصيانة لقلوب المسلمين وحماية لعقولهم منها. فقد روي عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: «لا تجالس أهل الأهواء؛ فإن مجالستهم ممرضة للقلب»، وروي عن سفيان الثوري -رحمه الله- أنه كان يقول: «من سمع بدعة فلا يحكها لجلسائه، لا يلقيها في قلوبهم»، وكان يقول: «من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة خرج من عصمة الله ووكل إلى نفسه». وروي عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين -رحمهما الله- أنهما قالا: «لا تجالسوا أصحاب الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم». وروي عن عبدالله بن المبارك -رحمه الله- أنه كان يقول: «إياك أن تجلس مع صاحب بدعة!»، وروي عن الفضيل بن عياض -رحمه الله- أنه كان يقول: «صاحب بدعة لا تأمنه على دينك ولا تشاوره في أمرك ولا تجلس إليه، ومن جلس إلى صاحب بدعة أورثه الله العمى، يعني في قلبه»، ويقول: «لاتجلس مع صاحب بدعة فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة»، ويقول أيضًا: «إذا رأيت مبتدعاً في طريق فخذ في طريق آخر».النهي عن مجالسة أهل الباطل
وقد استدل الإمام الطبري -رحمه الله- على ضرورة هجر أهل الأهواء والبدع بقوله -تعالى-: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكتاب أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّه يُكْفَرُ بهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مَثْلُهُمْ إِنَّ الله جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}؛ حيث يقول: «وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع من المبتدعة والفسقة عند خوضهم في باطلهم»، ويقول الإمام البغوي -رحمه الله-: «وقد مضى الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة مـجـمـعـين مـتـفـقـين على مـــعــاداة أهـل البــدعـــة ومهاجرتهم»، وقد عني السلف أهل السنة والجماعة قديمًا وحديثًا بأمر البدع وإنكارها وذمها والتحذير منها، وأفردوا لذلك مصنفات كثيرة وأبوابًا مستقلة مما يدل على أن ذلك سمة بارزة في منهجهم.البدعة التي ذمتها الشريعة
والبدعة التي أتت الشريعة بذمها في مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد»، وفي رواية مسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد، وقوله -صلى الله عليه وسلم -: «خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة»، هي في نظر علماء السلف: ما أحدث في الدين مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه بقصد التقرب إلى الله -تعالى- كالبدع المتعلقة بالقبور، وبدعة الاحتفال بالمولد النبوي، وبدعة الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب.الابتداع في أمور الدنيا
وأما ما أحدث من أمور في الأعمال والشؤون الدنيوية فليست مقصودة بقول النبي -صلى الله عليه وسلم -: «وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة»، مادامت في دائرة المباح، ولم يكن فيها ما يخالف الشرع، ولهذا يقول ابن عبدالبر: «وأما ابتداع الأشياء من أعمال الدنيا، فهذا لا حرج فيه ولا عيب على فاعله» وأما ما كان أصل فعله ثابتًا بالشرع فهو غير داخل في البدعة المنهي عنها والمذموم فاعلها، وإن سمي بدعة فهو بدعة في اللغة لافي الشرع، فمفهوم البدعة في اللغة أوسع من مفهومها في الشرع.نعمت البدعة هذه!
ومن هذا الباب قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما جمع الصحابة في صلاة التراويح: «نعمت البدعة هذه»، فهي بدعة في اللغة؛ لأن أصل صلاة التراويح سنة، فقد صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصلى بصلاته المسلمون خلفه ثلاث ليال، ثم ترك ذلك مخافة أن تفرض عليهم، يقول ابن تيمية: «فأما صلاة التراويح فليست بدعة في الشريعة، بل هي سنة بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفعله، فإنه قال: «إن الله فرض عليكم صيام رمضان وسننتُ لكم قيامه»، ولا صلاتها جماعة بدعة، بل هي سنة في الشريعة، بل قد صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجماعة في أول شهر رمضان ليلتين، بل ثلاثًا، وصلاها أيضًا في العشر الأواخر في جماعة مرات»، ويقول أيضًا عن قول عمر السابق «نعمت البدعة هذه»: «هذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق.البدعة الشرعية
وأما البدعة الشرعية فكل ما لم يدل عليه دليل شرعي، وإذا كان كذلك فأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى، وقد قال لهم في الليلة الثالثة والرابعة لما اجتمعوا: «إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن يُفرض عليكم فصلوا في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة»، فعلل - صلى الله عليه وسلم - عدم الخروج بخشية الافتراض، فعلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم، فلما كان في عهد عمر جمعهم على قارئ واحد وأسرج المسجد، فصارت هذه الهيئة - وهي اجتماعهم في المسجد على إمام واحد مع الإسراج - عملاً لم يكونوا يعملونه من قبل، فسمي بدعة؛ لأنه في اللغة يسمى بذلك، وإن لم يكن بدعة شرعية؛ لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح لولا خوف الافتراض، وخوف الافتراض قد زال بموته - صلى الله عليه وسلم - فانتفى المعارض».ليس هناك بدعة محمودة وبدعة مذمومة
وعليه فليس هناك بدعة محمودة وبدعة مذمومة كما يتوهم بعضهم، بل البدع في الدين كلها مذمومة منهي عنها شرعًا، يقول ابن رجب الحنبلي: «وأهل الأهواء والبدع كلهم مفترون على الله، وبدعتهم تتغلظ بحسب كثرة افترائهم عليه»، ويقول أيضًا: «كل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أم الأعمال أم الأقوال الظاهرة والباطنة، أما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية».
لاتوجد تعليقات