رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - (الفرقان): محمود الشرقاوي 27 يونيو، 2011 0 تعليق

خسارة الحركة الشعبية لانتخابات الولاية فجرت التمرد- «جنوب كردفان» هل تعيد الحرب للسودان؟

وكأنه كتب على السودان أنه إذا خرج من أزمة فلابد أن يواجه أخرى وثالثة وربما رابعة، هذا الوضع ينطبق حاليًا على الأوضاع في أكبر بلد عربي، فما كاد الجيش يحسم السيطرة على مدينة أبيي وينتزع المبادرة من الحركة الشعبية التي عملت على تفجير الصراع ومهاجمة القوات السودانية لفرض واقع جديد في المنطقة حتى تفجر الصراع في منطقة جنوب كردفان إثر تمرد أعلنه أحد الرموز الشمالية في الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو. وجاء تمرد الحلو إثر خسارته المؤكدة لمنصب والي المنطقة أمام مرشح الحكومة أحمد هارون في انتخابات مثيرة أثار نمط التصويت فيها كثيرا من التساؤلات أكثر مما قدم من إجابات، فمن صوتوا لهارون هم من المعروفين تقليديًا بصلاتهم الوثيقة بالحركة الشعبية ولكنهم وبعد صلات استمرت طويلاً فوجئوا بتخلي الحركة الشعبية عنهم بل قيامها بإجراءات مزعجة ضدهم تمثلت في اعتقال أحد أهم رموزهم وهو (تلفون كولو) في أحد سجون جوبا.

 

      ولاشك أن فوز الشمالي الموالي للحركة الشعبية مالك عقار بمنصب والي النيل الأزرق قد فجر عددًا من القنابل الموقوتة في وجه حكومة الخرطوم التي تواجه بمفردها حاليًا تبعات انفصال الجنوب واشتعال الأوضاع في مناطق التماس مثل أبيي وجنوب كردفان وجبال النوبة والنيل الأزرق وسط أوضاع اقتصادية شديدة الصعوبة.

      وقد أجبر هذا الوضع الحكومة السودانية على التدخل عبر وسائل عديدة أغلبها كان خارج الصناديق لترجيح كفة مرشحها أحمد هارون، فهي لم تكن لتقبل أن يسيطر موالون للحركة الشعبية على هذه الولايات ويحاولوا فرض أجندتهم بإيعاز من حكومة سليفاكير ولاسيما أن هذه المناطق التي عانت من الإهمال طويلاً قد تسعى الحركة الشعبية لتفجير الأوضاع فيها على غرار دارفور لإضعاف شمال السودان وانتزاع أكبر قدر من المكاسب في مفاوضات ترتيب الأوضاع النهائية قبل الإعلان الرسمي عن الدولة الجنوبية الوليدة.

أجندة خاصة

      ويلاحظ من تسارع الأوضاع في جنوب كردفان أن هناك رغبة من الحركة الشعبية في ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، أهمها أنها راغبة في تسوية قضية أبناء الشمال المنخرطين في صفوفها، وإسباغ الشرعية على آلية سياسية لفرع الحركة في الشمال ربما يتطور لحزب سياسي وهو أمر تتحفظ عليه الخرطوم بشدة لدرجة أن بعض السياسيين قد قدموا نصيحة للحكومة بعدم الاستجابة أو الدخول في مفاوضات مع رموز الحركة الشعبية في الشمال، باعتبار أن الجلوس معهم سيكون مقدمة لتقديم تنازلات قد تنتهي بالعبث باستقرار السودان ربما يعيد سيناريو دارفور ويعيد معه السودان لنفس الكرة التي يعانيها منذ سنوات.

      وقد زادت المواقف الملتبسة لمن يقفون وراء اندلاع الصراع في جنوب كردفان، وكذلك المواقف الغامضة لقوات الأمم المتحدة التي حاولت الإشارة لوجود أزمة إنسانية في المنطقة كأنها تقدم مؤشرات على ضرورة وجود تدخل دولي لإنقاذ ضحايا الصراع.

شماليو الحركة

      ولا تتوقف المخاطر من الصراع في جنوب كردفان عند هذا الحد بل إن الكثيرين رجحوا إمكانية انتقال الصراع لجبال النوبة والنيل الأزرق في ظل وجود قوات شمالية كانت تنضوي تحت لواء الحركة الشعبية، وهؤلاء لم يحدد مصيرهم حتى الآن وربما قد يستخدمون من قبل الحركة الشعبية للعبث بأمن واستقرار السودان، وقد يستخدمون لإشعال الصراع في هذه المناطق وخلق أزمة جديدة قد تمهد لانفصال أجزاء جديدة عن الشمال أو التمهيد لنقل تبعيتها للجنوب.

      وقد أجبر الغموض الذي يلف مصير هذه الميليشيات البعض إلى ضرورة البحث عن تسوية لأوضاعهم وكذلك نصح قادة أحزاب المعارضة السودانية الحكومة بالتحرك السريع لحسم الصراع في جنوب كردفان بتتبع المتمردين والتحرك بشكل إغاثي لعدم السماح بوجود معسكرات للاجئين تفتح الباب أمام تدخل دولي والمطالبة بحماية دولية.

انتفاضة شعبية

      بل وإن الأمر تجاوز مثل هذه السيناريوهات إلى مزاعم بأن الحركة الشعبية ترغب بقوة في استغلال المأزق السياسي والاقتصادي الذي تعاني منه حكومة الخرطوم ودفع الأجواء للتوتر واندلاع انتفاضة شعبية قد تطيح بحكومة المؤتمر الوطني على غرار ما حدث في عدد من الدول العربية مثل مصر وتونس واليمن وليبيا وغيرها.

      والواقع أن الأوضاع المضطربة في عدد من مناطق السودان منها الجنوب ودارفور وكردفان تفرض على حكومة المؤتمر الوطني أن تدعو لحوار وطني تضم كافة الفرقاء السودانيين سعيًا لإيجاد تسوية لمثل هذه المشكلات بشكل متوازن يمنع انفجار هذه الأوضاع وتفتيت السودان وعدم اقتصاد الأمر على انفصال الجنوب أو تفعيل آلية المشورة الشعبية كسبيل لإيجاد توافق وطني حول التحديات الكبيرة.

حكومة وحدة وطنية

      بل إن الأمر قد يتطلب الدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية في السودان تستطيع جمع شتات البلاد وتبني مواقف قوية تستطيع إحداث توازن في البلاد يقلص أضرار انفصال الجنوب للحد الأدنى ويقطع الطريق على دعاوى البعض لاعتماد آلية عسكرية فقط لإنهاء الصراع في جنوب كردفان.

      والمأزق السياسي والاقتصادي الذي تعانيها السودان بعد انفصال الجنوب يؤشر لأهمية وجود توافق وطني يضمن تسوية الصراعات ولاسيما إذا شارك حزبا الأمة والمؤتمر الشعبي في حكومة وحدة وطنية، فهذان الحزبان خصوصًا الشعبي له ثقل كبير في دارفور يستطيع تغليب الحل السياسي والابتعاد عن توظيف الصراع هناك لتحقيق أجندة داخلية وخارجية.

تدخل عربي

      من جانبه يرى د. السيد فليفل العميد السابق لمعهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة أن اندلاع الصراع في جنوب كردفان ومن قبله الأزمة في أبيي يؤشر للمنعطف الصعب الذي تمر به الأوضاع في السودان مع اقتراب انفصال الجنوب وإعلانه دولته بشكل رسمي.

      ولفت لأهمية تسوية عدد من الملفات المعقدة التي تهدد بإشعال الصراع بين الشمال والجنوب؛ حتى لا يحاول كل طرف استخدام ما لديه من أوراق قد لا تصب بالضرورة في صالح الطرفين بل قد تعيد السودان مرة أخرى للمربع الأول.

      ولم يستبعد د. فليفل أن يكون تفجر الصراع في جنوب كردفان أحد تداعيات أزمة أبيي وسعي الحكومة لبسط سيطرتها على المدينة الغنية بالنفط، معتبرًا أن الصراع في جنوب كردفان يدق ناقوس الخطر لما يمكن أن تكون عليه الأوضاع في جبال النوبة والنيل الأزرق في حالة إذا لم تتبن الخرطوم حلولاً جادة تخلط بين السياسي والعسكري لمواجهة التمرد.

      وطالب د. فليفل الدول العربية وفي مقدمتها مصر بتوجيه رسالة قوية للحركة الشعبية تربط بين الاعتراف بدولة الجنوب وبين توقف الحركة عن إشعال المتاعب للسودان والتأكيد على عدم قبول العالم العربي بأي انفصال في السودان.

      وأشار إلى أن هذا الموقف العربي وسعي الخرطوم لتطويق الأزمة في جنوب كردفان قد يقطع الطريق أمام أي محاولات لتدويل الصراع وانتزاع تنازلات من الخرطوم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك