رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. خالد آل رحيم 9 أغسطس، 2018 0 تعليق

خالط الناس ولا تعتزلهم

 

فكثيرٌ مِن الناس -ولاسيما ممَن ينتمي للتيار الإسلامي، وكذلك بعض الدعاة- ينظرون لاعتزال الناس، ولاسيمًا في خضم هذه الفتن، التي تتابعت على الأمة ليل نهار كالقطر مِن السماء، معتمدين على بعض الأحاديث الصحيحة، ولكنهم يغفلون كذلك حديثًا عظيمًا، قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم-: «الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ» (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

     وهذا هو فعله - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد أوذي في الله أذى شديدًا، ومع ذلك لم يمنعه ذلك مِن مخالطة الناس، مع أنهم كانوا على الكفر؛ فكانت النتيجة أنه أقام دولته في خلال عقدين مِن الزمان؛ فكيف بمَن يعيش في مجتمع مسلم ثم يدعو إلى الاعتزال؟ مع أن الناس في هذا الزمان هم في أشد الاحتياج لمخالطتهم والتواجد بينهم، وتعليمهم العقيدة والآداب والأخلاق وتعريفهم بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-!

     والمخالطة هنا المقصود بها ليس مخالطتهم في كل شيء، وإنما مخالطتهم مِن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإسداء النصح لهم لا لمجرد المجالسة والمؤانسة؛ فمَن خالط الناس ودعاهم إلى الله ووعظهم ونصحهم وذكرهم، وصبر على أذاهم في سبيل ذلك فهو خير ممَن لا يخالطهم ولا يدعوهم، ولا يصبر على أذى يلقاه منهم، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخالطهم فحسب، بل كان يحزن عليهم لكفرهم ومعاصيهم، حتى كاد أن يُهلك نفسه؛ فعاتبه ربه -تبارك و-تعالى- قائلًا له: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (الكهف:6).

     وكذلك كان فعل الصحابة -رضوان الله عليهم-؛ فقد قال الله -تعالى- متحدثًا عنهم: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} (الإنسان:9)، وهذا نوع مِن المخالطة؛ حيث يبحثون عن احتياج الناس للطعام وتوفيره لهم دون انتظار الجزاء ممَن يطعمونهم؛ فإن كانت العزلة واجبة في الفتن؛ فمخالطة الناس في هذا الزمان أوجب؛ لما يواجه الناس مِن صعوباتٍ وبلاءٍ على المستويات جميعها، بداية مِن عقائدهم، ومرورًا بمعايشهم، وانتهاء بحياتهم الشخصية مع أولادهم وزوجاتهم؛ فهم أحوج لمَن يكون بجوارهم ويصبر عليهم وعلى أذاهم.

قال الصنعاني في (سبل السلام): «فِيهِ أَفْضَلِيَّةُ مَنْ يُخَالِطُ النَّاسَ مُخَالَطَةً يَأْمُرُهُمْ فِيهَا بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَيُحْسِنُ مُعَامَلَتَهُمْ؛ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الَّذِي يَعْتَزِلُهُمْ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى الْمُخَالَطَةِ، وَالْأَحْوَالُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ».

وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: «العزلة خير إذا كان في الخلطة شر، أما إذا لم يكن في الخلطة شر؛ فالاختلاط بالناس أفضل».

     قال العلماء: «ومعنى الحديث: أن المؤمن الذي يخالِط الناس ويدعوهم إلى الخير، ويدعوهم إلى الإسلام، ويصبر على ما يناله مِن أذى في سبيل دعوتهم وإيصال الخير إليهم، خير مِن المؤمن الذي ينعزل عن الناس؛ لأن الأول صاحب نفع متعدٍ، والثاني صاحب نفع خاص».

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك