حوار مع كتاب «الولاء والبراء» لمها البنيان –رحمها الله-
قال الشيخ ابن جبرين –رحمه الله-: “تصفحت هذه الورقات وفهمت ما فيها من الأدلة والإشارات مما كتبته إحدى الأخوات المسلمات المؤمنات القانتات التائبات العابدات، وتدعى بالأخت مها البنيان التي أنهت الدراسة الجامعية ثم انتقلت إلى رحمة الله وعفوه، ولقد دلت كتابتها على سعة اطلاع وبعد فهم وتعمق في التوحيد والعقيدة، فكتبت هذه الفصول وبينت فيها ما يهدف إليه دين الإسلام من الحب والإخاء والموالاة لكل مسلم في أي بقعة من أصقاع البلاد....» إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى ورحم صاحبة الكتاب.
وقد كتب الشيخ هذه المقدمة للكتاب ونشرته دار القاسم بتاريخ 23/1/ 1418هـ.
وقد وجد هذا الكتاب قبولاً ورواجاً طيباً على الشابكة، ولعل هذا من توابع إخلاص من جمعته وألفت بين حروفه –نحسبها كذلك والله حسيبها رحمها الله وغفر لها- حتى بلغ عدد قارئي هذا الكتاب في موقع واحد ما يزيد على 15000 قارئ، وأُجريت له مسابقة بموقع الكتيبات الإسلامية.
ومما يدفعنا إلى نشر هذا الكتاب:
- أهمية مادته التي ترسخ عقيدة الولاء والبراء عند المسلمين.
- أن الذي قرأه وقرّظه هو الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، رحمه الله.
- أنه مما يتبع الميت من صالح عمله الذي ينفعه، ونرجو أن ينفع الله صاحبة الكتاب بهذا الحوار مع هذا الكتاب؛ فقد روى أَبو هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : «إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقةٍ جَاريَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رواه مسلم.
والآن نبدأ حوارنا مع هذا الكتاب الماتع:
- ما تقسيم الناس نسبة للولاء والبراء؟
- الناس نسبة للولاء والبراء على ثلاثة أقسام:
- أولا: من يستحق الولاء المطلق، وهم المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وقاموا بشعائر الإسلام من القيام بالواجبات واجتناب المحرمات، مخلصين لله الدين.
- ثانيا: من يستحق الولاء من جهة، ويستحق البراء من جهة أخرى، وهو المسلم العاصي الذي يهمل بعض الواجبات، ويفعل بعض المحرمات التي لا يصل تركها إلى الكفر الأكبر؛ لما رواه البخاري أن عبد الله بن حمار كان يشرب الخمر، فأتي به إلى رسول الله [ فلعنه رجل وقال: ما أكثر ما يؤتي بك، فقال النبي [: «لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله».
- ثالثا: من يستحق البراء مطلقا، وهو المشرك والكافر، سواء كان يهوديا أم نصرانيا أم مجوسيا أم غير ذلك، وهكذا الحكم فيمن فعل مكفّرا من المسلمين اقتضى ردته، من دعاء غير الله، أو الاستغاثة بغيره، أو التوكل على غيره، أو ترك الصلاة المفروضة، أو أنكر وجود الله، أو سبه أو سبَّ رسوله أو دينه ونحو ذلك.
- وما أسباب ضعف عقيدة الولاء والبراء؟
-1- الانحراف العام عن الكتاب والسنة.
2- ضعف التربية والتوجيه للأجيال الناشئة.
3- التربية والتعليم: فالعلم كما يقال سلاح ذو حدين، ومن هذا المنطلق أدرك أعداء الله من جميع الكفار أن صخرة العقيدة الإسلامية لا يمكن النيل منها عن طريق القوة والسلاح فهي قد أدمتهم كثيرا، ولا يستطيعون الصمود أمام هتاف المجاهدين الصادقين في سبيل الله؛ ولذلك لجؤوا إلى وسيلة أخرى هي أخبث في التأثير وأشد في الدهاء، وهذه الوسيلة هي غزو مناهج التربية والتعليم في العالم الإسلامي بأفكار ونظريات وشبهات وشكوك يضفون عليها. كذبا وبهتانا. ثوب التجرد العلمي، والبحث العلمي!!
4- وسائل الإعلام: فلوسائل الإعلام من الكتاب، والقصة، والإذاعة، والتليفزيون، والمجلة، والجريدة، والسينما، وأخيرا الفيديو أثر كبير وخطير على جميع طبقات المجتمع وقد أدرك أعداء الإسلام خطورة الوسائل وما لها من تأثير عميق فأحكموا قبضتهم عليها، وبثوا من خلالها ما رسموه لإفساد المسلمين وإخراجهم من إسلامهم.
5- الاحتلال والتبشير.
6- المستشرقون.
7- المذاهب اللادينية.
- ما الولاء؟
- الولاء لغة: يطلق على معان عدة، منها المحبة، والنصرة، والاتباع، والقرب من الشيء والدنو منه.
والولاء شرعا: هو موافقة العبد ربه فيما يحبه ويرضاه من الأقوال والأفعال والاعتقادات والذوات، فسمة وليِّ الله هو محبته لما يحب الله، ورضاه بما يرضي الله، وعمله بذلك كله، وميله إليه على وجه الملازمة له.
قال تعالى: {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} (مريم: 45).
وقال صلى الله عليه وسلم : «من كنت مولاه فعلي مولاه» أخرجه أحمد والترمذي وقال الألباني: صحيح.
- ما الحكمة في مخالفة الكفار في الهدي الظاهر؟
- تعددت الحكم في الأمر بمخالفة الكفار في الهدي الظاهر من ذلك:
1- أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسبا وتشاكلا بين المتشابهين يقود إلى الموافقة في الأخلاق والأعمال وهذا أمر محسوس؛ فإن اللابس لثياب الجند المقاتلة مثلا يجد في نفسه نوع تخلق بأخلاقهم، ويصير طبعه مقتضيا لذلك، إلا أن يمنعه من ذلك مانع.
2- أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينة ومفارقة وتوجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال، والانعطاف إلى أهل الهدى والرضوان، وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين.
3- أن مشاركتهم في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر، حتى يرتفع التميز ظاهرا بين المهديين والمرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين.
إلى غير ذلك من الأسباب الحكيمة، هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظاهر إلا مباحا محضا، لو تجرد عن مشابهتهم. فأما إن كان من موجبات كفرهم فإنه يكون شعبة من شعب الكفر، فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع ضلالاتهم ومعاصيهم، وهذا أصل ينبغي أن يتفطن إليه.
- ما أبرز صور البراء من المنافقين؟
- ومن أبرز صور البراء من المنافقين ما يلي:
1- الإعراض عنهم والغلظة عليهم.
2- النهي عن الصلاة عليهم أو القيام على قبورهم.
3- لا يقبل لهم عذر في التخلف عن الجهاد، ومن ثم عدم قبولهم فيه مرة أخرى.
4- عدم الاستغفار لهم.
5- قطع الموالاة مع الأقارب إذا كانوا معادين لله ولرسوله.
- ما حكم الولاء والبراء في الإسلام؟
- الولاء والبراء واجب شرعا، بل هو من لوازم الشهادة وشرط من شروطها، قال تعالى: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (المائدة: 80 - 81).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه الآية: “فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط، وجد المشروط بحرف “لو” التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط، فقال: {ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء}؛ فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويُضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه”، وقال صلى الله عليه وسلم : «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» متفق عليه.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “على المؤمن أن يعادي في الله ويوالي في الله، فإن كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه وإن ظلمه فإن الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانية، قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (الحجرات: 9)، فجعلهم إخوة مع وجود القتال والبغي، وأمر بالإصلاح بينهم، فليتدبر المؤمن: أن المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك؛ فإن الله سبحانه وتعالى بعث الرسل، وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله، فيكون الحب لأوليائه والبغض لأعدائه والإكرام والثواب لأوليائه والإهانة والعقاب لأعدائه.
وإذا اجتمع في الرجل الواحد: خير وشر، وفجور وطاعة، ومعصية وسنة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة كاللص تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته، هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة، وخالفهم فيه الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم».
- ما واجب الأخوة الإسلامية تجاه كل مسلم؟
- قال العلامة ابن جبرين –رحمه الله تعالى- في المقدمة: الأخوة الإسلامية تفرض على كل مسلم أن ينصر إخوانه في الدين ويواليهم ويوصل إليهم كل خير في الدين والدنيا، ويذب عنهم كيد الأعداء ويعلمهم ما ينفعهم في حالهم ومآلهم، كما أن عليه أخذ الحذر من أعدائه الألداء الذين يضمرون الحقد والبغضاء لكل مسلم، وأن على المسلم البعد عن حيلهم والحيطة عن الوقوع في حبائلهم حتى ينجو بدينه وعقيدته فهنالك يعز الله أولياء المؤمنين كما وعدهم تعالى بقوله: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ}.
- كيف استطاع النبي صلى الله عليه وسلم غرس الولاء في الصحابة؟
- استطاع النبي صلى الله عليه وسلم غرس الولاء في الصحابة فيما بينهم بالتركيز على غرس ركيزتين أساسيتين في نفوسهم، وهما:
1- الإيمان بالله. ذلك الإيمان المنبثق من معرفته سبحانه، وتمثل صفاته في الضمائر وتقواه، ومراقبته، مع اليقظة والحساسية التي بلغت في نفوسهم حدا غير معهود إلا في النادر من الأحوال.
2- الحب الفياض والتكافل الجاد العميق، حيث بلغت فيه الجماعة المسلمة مبلغا لولا أنه وقع بالفعل لعد من أحلام الحالمين.
- ما الثمرات الحاصلة بالقيام بعقيدة الولاء والبراء؟
- 1- تحقيق أوثق عرى الإيمان، والفوز بمرضاة الله الغفور الرحيم، والنجاة من سخط الجبار جل جلاله.
2- ومن ثمرات القيام بالولاء والبراء: السلامة من الفتن.
3- ومن ثمرات تحقيق هذا الأصل: حصول النعم والخيرات في الدنيا، والثناء الحسن في الدارين.
- ما البراء؟
- البراء لغة: يطلق على معان كثيرة منها البعد، والتنزه، والتخلص، والعداوة.
وشرعا: هو موافقة العبد ربه فيما يسخطه ويكرهه ولا يرضاه من الأقوال والأفعال والاعتقادات والذوات، فسمة البراء الشرعي هي البغض لما يبغضه الله على وجه الملازمة، والاستمرار على ذلك.
- ما الحلول والعلاج لترسيخ عقيدة الولاء والبراء عند المسلمين؟
- 1- تصحيح مفهوم لا إله إلا الله محمد رسول الله، ودعوة الناس إلى فهم هذه الكلمة العظيمة كما فهمها رسول الله [ وأصحابه الأخيار، ومحو ذلك المفهوم الخاطئ الذي يردده المتأخرون وهي أنها مجرد لفظ عار من كل تكليف، مع بيان أن من تكاليفها موالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين، وتحكيم شريعة الله واتباع ما أنزله الله والكفر بالآلهة المزيفة والأرباب المتعددة من العرف والهوى والعادات والمتألهين الذي يشرعون للناس بغير ما أنزل الله.
2- تصحيح مفهوم العبادة وأنه مفهوم شامل كامل وليس مجرد شعائر تؤدى، بينما نظام الحياة والممات قائم على مناهج وضعها البشر تفصل بين الدين والدولة، وبين الدين والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
فالعبادة هي عقيدة وشريعة ونظام حياة؛ قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام: 162 - 163).
3- تربية الجيل على مناهج الكتاب والسنة: لأن هذا هو الطريق الصحيح الذي به ترجع الأمة إلى ربها ودينها.
4- طرد آثار الغزو الفكري وذلك بتعرية الجاهلية الحديثة، وتمزيق زيفها وبهرجتها فتبين انحرافاتها مع إيجاد البديل الإسلامي الصحيح.
5- تعميق قضية ولاء المسلم للمسلم وانتمائه لإخوانه المؤمنين فقط، وخلع الولاءات الجاهلية من قومية وعرقية ووطنية وعالمية وغيرها، فالمسلم أخو المسلم في أي بقعة كانت، ودار الإسلام هي دار كل مسلم في جميع أنحاء الأرض.
6- تعميق قضية المعاداة والبراءة من أعداء الله الكفار منهم والمشركين والمنافقين والمرتدين، وأنه لا يجتمع إيمان في قلب مع حب الكفر وأهله كما قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} (المجادلة: 22)،
والحرص على تمييز المسلم عن كل وضع وفكر يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
7- التأكيد على قضية عداوة أولياء الشيطان لأولياء الرحمن؛ فإن هذه العداوة قائمة منذ آدم عليه السلام إلى قيام الساعة، فالحزبان لا يلتقيان أبدا؛ لأن حزب الله يريد دعوة الناس إلى عبادة الله، وحزب الشيطان يدعو الناس إلى عبادة الطاغوت وطاعته، وقتال المؤمنين لصدهم عن دينهم، {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} (البقرة: 217).
8- بعث الأمل وتقويته في النفوس بقرب نصر الله كما قال صلى الله عليه وسلم : «لتقاتلن اليهود، فلتقتلنهم حتى يقول الحجر: يا مسلم هذا يهودي فتعال فاقتله».
لاتوجد تعليقات