رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 23 يوليو، 2017 0 تعليق

حوار مع شاب متحمس (2)

 

تتمة لحواري مع الابن عبدالله كنت قد سردت له طرفاً من قصة علي مع معاوية رضي الله عنهما، وفي هذا العدد نكمل كلام ابن عباس رضي الله عنه.

      قلت: أما قولكم حكّم الرجال في أمر الله، فقد حكم الله الرجال في ثمن ربع درهم وفي الأرنب ونحوه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٩٤) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ۚ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ۗ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ۚ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} (المائدة:94-95).

     فنشدتكم الله أحكم الرجال في أرنب ونحوها من الصيد أفضل أم حكمهم في الدماء وإصلاح ذات البين؟ وتعلمون أن الله لو شاء لحكم في الأرنب ولم يجعل حكمه إلى الرجال، وحكّم الله في المرأة وزوجها: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (النساء:35)، فجعل الله حكم الرجال سنة مأمونة.

أخرجت من هذه؟

قالوا: نعم.

     قلت: وأما قولكم، قاتل ولم يسب ولم يغنم، أتسبون أمكم عائشة (عندما قاتلوهم في موقعة الجمل)، ثم تستحلون منها ما يستحل من غيرها من السبي، فلئن فعلتم لقد كفرتم وهي أمكم، ولئن قلتم ليست أمنا لقد كفرتم، فإن الله يقول: {النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (الأحزاب:6).

فإنكم بذلك تدورون بين ضلالتين.

فنظر بعضهم إلى بعض.

قلت: أخرجت من هذه؟

قالوا: نعم.

قلت: أما قولكم مما اسمه أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بمن ترضون، عندما كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم  سهيل بن عمرو في الحديبية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكتب يا علي: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله قريشا، قالوا: لا والله ما نعلم أنك رسول الله، وإلا ما قاتلناك.

فقال: رسول الله: اكتب يا علي: «ما صالح عليه محمد بن عبدالله»، ومحا (رسول الله)، فوالله لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - خير من علي بن أبي طالب، وما أخرجه ذلك من رسالته.

قلت: أخرجت من هذه.

فلم يردوا عليه، ورجع منهم ألفان وبقي أربعة آلاف أبوا أن يقبلوا الحق، وأخذوا يقتلون المسلمين وينهبون أموالهم، فقاتلهم علي في معركة النهروان.

علق عبدالله.

-وما علاقة هذه القصة بكلامنا؟

- العلاقة أنه لا ينبغي أن نأخذ الأوامر العامة في القرآن والسنة، ونطلقها، دون الرجوع إلى العلماء، ودعني أكمل لك ما حصل بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم  والمبشر بالجنة ومن آل البيت، مع هؤلاء الذين كانوا حفظة لكتاب الله، وأكثر من الصحابة صلاة وصياما.

     ففي الصحيحين واللفظ للبخاري عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال إذا حدثتكم عن رسول الله حديثا فوالله لأن  أخر من السماء أحب إلى من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة وإني سمعت رسول -صلى الله عليه وسلم - الله يقول: سيخرج قوم في آخر الزمان حداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية؛ فأينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة. وفي صحيح مسلم عن زيد بن وهب أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي رضي الله عنه الذين ساروا إلى الخوارج فقال علي يا أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم.

     لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم لنكلوا عن العمل، وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد ليس له ذراع على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم؛ فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرح الناس فسيروا على اسم الله وذكر الحديث إلى آخره.

     وفي مسلم أيضا عن عبدالله بن رافع كاتب علي رضي الله عنه أن الحرورية لما خرجت وهو مع علي قالوا: لا حكم إلا لله، فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله وصف ناسا لي لأعرف صفتهم في هؤلاء يقولون الحق بألسنتهم لا يجاوز هذا منهم، وأشار إلى حلقة من أبغض خلق الله إليه منهم رجل أسود إحدى يديه طبي شاة أو حلمة ثدي فلما قتلهم علي بن أبي طالب قال: انظروا فنظروا فلم يجدوا شيئا، فقال ارجعوا فوالله ما كذبتُ ولا كذبتُ مرتين أو ثلاثا ثم وجدوه في خربة فأتوا حتى وضعوه بين يديه.

وفي بعض الأحاديث أنهم كلما استؤصلوا خرجوا مرة أخرى حتى يخرج آخرهم مع الدجال.

سكت عبدالله، تابعت حديثي:

- القصد أن العبرة ليست بالاستشهاد بالآيات والأحاديث العامة، ولكن يجب الرجوع إلى العلماء ولا سيما في الأمور التي تهم عامة المسلمين، وعامة أمة الإسلام: فإن الضرر الذي يقع على الأمة أعظم من المصلحة التي يراها بعض الأفراد، لا ينبغي الحديث في الأمور العامة إلا لكبار العلماء وبإجماعهم، حتى تكون الأمة على خير.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك