حوار مع الخبير النفسي والتربوي د. مصطفى أبو سعد حول مفاهيم في التربية – الحلقة 2
حوار مع الخبير النفسي والتربوي د. مصطفى أبو سعد حول مفاهيم في التربية - أبو سعد: التربية علم فعلينا أن نتعلم كيف نربي أبناءنا تربية صحيحة؟
الأبناء زينة الحياة الدنيا قال -تعالى-: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، وهم نعمة ومسؤولية في الوقت ذاته، نعمة تستحق الشكر، ومسؤولية توجب العناية والاهتمام، قال -تعالى-: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته: الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته»؛ لذا كانت من أهم واجبات الأبوين تجاه أبنائهم حسن تربيتهم وتنشئتهم.
- ما المنطلق الثاني للتربية؟
المنطلق الثاني قائم على أن التربية تنطلق من قيم: والقيم هي التربية في الأساس، وهذه القيم يمكن أن تكون موجودة في العالم كله، كلنا عندنا القيم نفسها، والقيم الضابطة والحاكمة تختلف من بيئة إلى بيئة، ويؤسفني أن كثيرا من المسلمين، وحتى الباحثين في الشريعة لا يدركون أن القيم الضابطة والحاكمة تختلف.
- ما المقصود بالقيم الضابطة؟
- نحن -المسلمين- لنا قيمنا الضابطة، وهذه القيم نفهمها من القرآن والسنة الصحيحة؛ ولذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما يقول في حديث شعب الإيمان: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الإيمان». وهنا سؤال لماذا قال - صلى الله عليه وسلم -: الحياء ولم يقل الرحمة والصدق والأمانة؟ لأن الحياء يختلف عن باقي القيم؛ فهو قيمة ضابطة، تضبط كل القيم الأخرى فهي قيمة ضابطة وحاكمة، والحديث الآخر أكثر وضوحًا، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ»؛ فقيمتنا الضابطة هي الحياء، بينما في الفكر الغربي الحياء قد يكون نوعا من انعدام الثقة في النفس أو نوعا من ضعف الشخصية؛ إذ هناك اختلافات بين الرؤيتين.
- ما محددات الرؤية الإسلامية للتربية؟
- تتميز النظرية الإسلامية بأن لها منهجا وأهدافا ونظرة خاصة، انطلاقا من طبيعة الإنسان الذي يتعامل معه بداية منذ أن كان طفلا إلى كونه رجلا معززا مكرما، فالرؤية التربوية الإسلامية تنطلق من ممارسات تربوية حققها النبي - صلى الله عليه وسلم - بمقتضى التربية، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتصرف بمقتضيات مهمة بعضهم ذكر خمسا منها، والمفكر التونسي الطاهر بن عاشور - رحمه الله - ذكر منها عشرين مقتضى؛ فكان يتصرف بمقتضى أنه رسول وأنه إمام وأنه قائد جيوش وأنه إنسان ومرب.
- وما أهم ملامح المرجعية النبوية في التربية؟
- وفي المرجعية النبوية وجدت أن هناك صفات أربعة تميز بها النبي - صلى الله عليه وسلم - بوصفه مربيا، وهذه الصفات: (الرأفة، الرحمة، الحلم، والحكمة)، هذه الصفات الأربعة تدخل في الأساس الخامس من الأسس التي تميز تربيتنا، وهي (إعداد المربي)، فأنت لا يمكن أن تكون مربيا إلا إذا تخلقت بهذه الصفات الأربعة التي تخلق بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذه الصفات تتفرع عنها ممارسات تربوية، كيف نطبق الرحمة في الحب؟ فانظر إليه - صلى الله عليه وسلم - عندما كان يداعب ويقبل أحفاده، ووقف ذلك الصحابي وهو الأقرع بن حابس - رضي الله عنه - مستغربا من هذا المشهد الغريب الذي لم يألفه؛ فرسول الله خاتم الأنبياء وقائد الجيوش يداعب أطفالا! فعن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا؛ فَقَالَ الْأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا؛ فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ: مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ».
وفي حديث آخر جَاءَ أعْرَابِيٌّ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ فَما نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أوَأَمْلِكُ لكَ أنْ نَزَعَ اللَّهُ مِن قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ»! هنا يغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول بنبرة واضحة شديدة اللهجة « أوَأَمْلِكُ لكَ أنْ نَزَعَ اللَّهُ مِن قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ» هنا نلاحظ كيف ربط - صلى الله عليه وسلم - القبلة والمداعبة بالرحمة؛ فكان رحيما - صلى الله عليه وسلم -، إذًا هذه المميزات التي تميز نظرتنا الإسلامية عن غيرنا.
- كيف يمكن غرس هذه الخصائص والصفات في أبنائنا ونحن أصلا لا نتمتع بها؟
- التربية علم ونحن أصبحنا في عالم يتعلم الإنسان كيف يتعامل مع الجماد، وكيف يتعامل مع الحاسوب فيحتاج لدليل لكيفية التعامل، ويحتاج إلى دليل للتعامل مع الأجهزة، ومادامت التربية علما، فعلينا أن نتعلم كيف نربي من خلال خبراء أو كتب أو منهاج وبرامج تربوية، عندما نتعلم كيف نتعامل مع قطعة حديد كالسيارة مثلا ونحفظ عددا كبيرا من القوانين والمهارات وغير ذلك، علينا أيضا أن نتعلم لكي نربي تربية صحيحة فنتعلم طبيعة الإنسان الذي ينمو، ونعرف احتياجاته وخصائص عمره، ونعرف أن هذا السلوك في هذا العمر طبيعي ومؤشر إيجابي.
- كيف يمكن أن نغير سلوك أبنائنا؟
- كثيرا ما يأتيني من الآباء يريدون تغيير سلوك أبنائهم بعد أن استخدموا كل الطرائق من: عنف ومدمرات سلبية في الطفل، فمثلا العناد عند الطفل صاحب الثلاث سنوات هو مؤشر إيجابي لوجود شخصية قوية مازالت فطرتها سليمة، بمعني أن نعرف أن هذا السلوك في هذا العمر من خصائصه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يميز بين عمر ما قبل التميز وما بعد التميز، فلا نعلم الطفل قبل التمييز أشياء لا يميزها، ويميز بين الشباب والشيخوخة وغير ذلك، وكان يعتبر أن الطفل عليه أن يعيش طفولته، ومن حقه أن يدخل المسجد، ومن حقه أن يلهو، ومن حقه أن يصرخ ويبكي؛ لأنه طفل. روى شداد بن الهاد الليثي - رضي الله عنه - قال: «خرَجَ علينا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في إحدى صَلَاتَيِ العِشاءِ، وهو حامِلٌ حسنًا أو حُسينًا، فتقدَّمَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فوضَعَه، ثمَّ كبَّرَ للصَّلاةِ، فصلَّى، فسجَدَ بينَ ظَهْرَانَيْ صلاتِهِ سجدةً أطالَها، قال أَبِي: فرفَعْتُ رَأْسي، وإذا الصبيُّ على ظَهرِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وهو ساجِدٌ، فرجَعْتُ إلى سُجودي، فلمَّا قضَى رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قال الناسُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّكَ سجَدْتَ بينَ ظَهْرَانَيْ صلاتِكَ سجدةً أطَلْتَها، حتَّى ظَنَنَّا أنَّه قدْ حدَثَ أمْرٌ، أو أنَّه يُوحَى إليكَ، قال: كلُّ ذلكَ لم يكُنْ، ولكنَّ ابْني ارْتَحَلَني، فكرِهْتُ أنْ أُعْجِلَهُ حتَّى يَقضيَ حاجتَهُ».
فهذه رؤيتنا للتربية وعلينا أن نتعلمها؛ لأنها علم، وعلينا أن نتخلص من تلك الخرافات التي لا تعد من الإسلام في شيء بحجة هكذا ربونا أباؤنا، فالآباء ليسوا معصومين، وإن كان في تربيتهم من الخير الكثير كما أن فيها من القصور الكثير.
الأسلوب الخاص في التربية
- وفقاً للتخصص التربوي أبحث في: ما المقتضى؟ وما الممارسة النبوية التي تميز بها النبي - صلى الله عليه وسلم - ليعطينا نظرية تربوية فيها ممارسة واضحة لا تترك للتجارب؟ لأن البشر ليسوا مختبرات، إنما علينا أن ننطلق من رؤية واضحة، ورؤيتنا الواضحة يمكن أن ألخصها في خمسة أمور من منظور الإسلام ومنهجيته:
1. طبيعة الطفل والإنسان الذي تحدثت عنها.
2. الغايات الكبرى للتربية؛ فكل مؤسسة تحدد للتربية غايات.
3. لنا أهداف تفصيلية، ننظر للإنسان بشمولية؛ فعلينا أن نبني عقله وعقيدته وروحه وانفعالاته وعاطفته، ونبني جسده وغير ذلك.
4. من أين تستقى المرجعية؟ فنحن لنا مرجعيتان، المرجعية الأولي الكتاب والسنة، وهذه المرجعية جعلت الحضارة الإسلامية تضاهي الحضارات، واستمرت بفضل وجود هذا المنهج الذي مازال مستمرا محفوظا {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
5. المرجعية الثانية: وهي الممارسات التربوية التي مارسها النبي - صلى الله عليه وسلم -.
أمامة بنت أبي العاص بن الربيع
أمامة بنت أبي العاص بن الربيع: إحدى حفيدات الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولدت لأكبر بناته زينب -رضي الله عنها-، أبوها وابن خالة أمّها هو أبو العاص بن الربيع، وقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحبّها ويحملها على عاتقه وهو يُصلّي، وهي أوَّل أسباط رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجدَّتها لأمِّها هي خديجة بنت خويلد، وتوفيت عام 686، تزوجها علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بعد وفاة فاطمة -رضي الله عنها-، ثم المغيرة بن نوفل - رضي الله عنه -. فعن أبو قتادة الحارث بن ربعي قال: «أنَّ رَسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُصَلِّي وهو حَامِلٌ أُمَامَةَ بنْتَ زَيْنَبَ بنْتِ رَسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ولِأَبِي العَاصِ بنِ رَبِيعَةَ بنِ عبدِ شَمْسٍ، فَإِذَا سَجَدَ وضَعَهَا، وإذَا قَامَ حَمَلَهَا».
محمد الطاهر بن عاشور
محمد الطاهر بن عاشور: (1879-1973) عالم وفقيه وقاض شرعي، ومفت، ومفسر إسلامي تونسي، تعلم في جامعة الزيتونة، ثم أصبح من كبار أساتذتها. سمي حاكما بالمجلس المختلط سنة 1909 ثم قاضيا مالكيا في سنة 1911. ارتقى إلى رتبة الإفتاء وفي سنة 1932 اختير لمنصب شيخ الإسلام المالكي، وأصبح أول شيخ لجامعة الزيتونة. كتبه ومؤلفاته وصلت إلى الأربعين.
الأقرع بن حابس
الأقرع بن حابس بن عقال بن مُحَمد المُجَاشعي التميمي - رضي الله عنه - صحابي جليل، وأحد سادات العرب في الجاهلية والإسلام، ومن المؤلفة قلوبهم، ، وفد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأسلم، وحسن إسلامه، وشهد معه فتح مكة، وغزوة حنين، والطائف، وقاتل تحت لوائه، وأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - من أنفال غزوة حنين، ثم قاتل مع خالد بن الوليد - رضي الله عنه - في اليمامة ضد المرتدين، كما كان على مقدمة الجيوش الإسلامية في فتوحات العراق، وأبلى فيها بلاءً حسنًا، وشهد فتوحات بلاد فارس وخراسان، واستُشَهد في إحدى المعارك في الجوزجان من بلدان خراسان في زمن الخليفة عثمان بن عفان عام 31 هـ.
لاتوجد تعليقات