رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إعداد: قسم التحرير 30 مايو، 2023 0 تعليق

حوار مع الخبير النفسي والتربوي –   الحلقة  4

 حوار مع الخبير النفسي والتربوي  د. مصطفى أبو سعد  حول مفاهيم  في التربية  د. أبو سعد: نحن بحاجة إلى منظومة تربوية قيمية تعزز الانتماء الوطني والديني والإنساني 

الأبناء زينة الحياة الدنيا قال -تعالى-: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، وهم نعمة ومسؤولية في الوقت ذاته، نعمة تستحق الشكر، ومسؤولية توجب العناية والاهتمام، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته: الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته»؛ لذا كانت من أهم واجبات الأبوين تجاه أبنائهم حسن تربيتهم وتنشئتهم، حول هذه المعاني.

 تحدث د. مصطفى أبو سعد الخبير النفسي والتربوي في هذا الحوار قائلا:

- هل يمكن أن يحدث اضطراب في شخصية الطفل؟ وما تأثير ذلك عليه؟

- هناك نوع من الاضطراب في بناء الإنسان؛ فالطفل في وقتنا الحاضر لديه نضج فائق في الغرائز، وإذا نضجت هذه الغرائز سريعا، فإنها تؤثر على باقي مجالات النضج، كالنضج العقلي والنضج الانفعالي والنضج الوجداني؛ لذلك يأتي أطفال في سن مبكرة خمس سنوات أو ست سنوات وهم يعانون من اضطرابات جنسية كالتحرش بالآخر، وممارسة عادات غير سوية.

- ما سبب هذا الاضطراب الذي يحدث في شخصية الطفل؟

- بداية نقول: إن مثل هذه الاضطرابات لم تكن موجودة قبل ثلاثة أو أربعة عقود في حياة الطفل؛ وبسبب شبكات التواصل وما بها من مساحة حرة للاطلاع على ما يثير الغرائز، فإن هذا يؤدي إلى الإدمان الالكتروني، والتأثر بالإباحية المنتشرة، وإذا نضجت الغرائز بهذه الطريقة، فإنها تأخذ مجالا أوسع وأكبر في حياة الإنسان، وحينها تضعف عنده مجالات النضج العقلي، والانفعالي، والوجداني، والروحي، والأخلاقي، وينعكس هذا على الأكبر سنا من البالغين أيضا؛ فالخلق السيء ينتشر أكثر من الخلق الحسن، ألا ترى أن الشتائم والسب والاتهامات والافتراءات منتشرة بطريقة واضحة وكبيرة؛ والسبب أنهم لم ينضجوا أخلاقيا، ونضجوا أكثر في الغرائز.

- ما الحل بالنسبة لهذه الاضطرابات في شخصية الطفل؟

- إن مثل هذه الحلول موجودة في القرآن الكريم بوصفها منظومة أخلاقية متكاملة، يمكن الاستفادة منها وتطبيقها، وكذلك نجد هذه المنظومة الأخلاقية في مواقف الرسل والأنبياء وسيرهم، وأخبار الصالحين، وهي لم تقدم لأبنائنا على شكل قيم أصيلة، بل عرضت عليهم على شكل معلومات فقط وهو ما يسمى بالمكون المعرفي، ولم تقدم لهم باعتبارها منهج حياة وسلوك وعزة واعتزاز وافتخار وغير ذلك، ولذلك هذا الاعتزاز بالقيم عندما يقل يتأخر النضج بشكل كبير.

- ما أثر الترف في تربية الأبناء؟

- الترف هو نوع من معوقات النضج في حياة الإنسان، ولذلك نحن نعاني من الترف في مجال التربية، ولا بد أن نقول لأبنائنا كلمة «لا» في ثمانية مواقف؛ واحدة من أهم هذه المواقف ألا نشتري كل ما يرغبه الطفل ويلح عليه؛ وذلك حتى نعلم هذا الطفل المنهج العمري الذي ذكره عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو «أو كلما اشتهيتَ اشتريتَ»، بمعنى أن الطفل يتعود على طلب ما يحتاجه فعليا وليس مجرد رغبة في الشراء.

- ما دور منظومة التربية في بناء الشخصية المسلمة؟

- إن منظومتنا في التربية سواء التربية في المدارس أم التربية في الأسر، ليست منظومة تهتم بالقيم، إنما تهتم بجانب واحد اسمه (التربية المعرفية) أو المكون المعرفي، والقرآن الكريم يتحدث عن المكون المعرفي، قال - تعالى -: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}، وتحدث عن أعلم أهل الأرض استعارةً تمثيلا وتشبيها خطيرا {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}، وإن كانوا علماء فهم كمثل هذا الحيوان، يحمل كثيرا من العلوم على ظهره ولا يستفيد منها؛ ولذلك نحن نحتاج إلى منظومة غرس قيم واعتزاز بها؛ بحيث تتألف من مكون معرفي، ومكون وجداني، واعتزاز بالانتماء، واعتزاز بالقيمة، واعتزاز بالصدق، واعتزاز بالصلاة، واعتزاز بعبادتي، واعتزازي بانتمائي لوطني ولديني وانتمائي الإنساني.

- هل الاعتزاز بالقيم يكفي أم أن هناك جوانب أخرى لبناء الشخصية المسلمة؟

- نعم، هناك أيضا المكون السلوكي، وهو كيف نحول هذه المعرفة إلى سلوك وممارسة يومية؟ وكيف يتحول هذا السلوك إلى عادات تجلب لنا شعورا إيجابيا؟ ويعرف هذا السلوك الآن (بالدوبامين)، وهي العادة التي تنتشر عند الإنسان، وتكون مرتبطة بهرمون الدوبامين، فعندما تصبح الصلاة دوبامين - وأنا أتكلم بلغة علمية - ولكن اللغة الوجدانية الجميلة هي في الحديث المروي عن الصحابي أنس بن مالك - رضي الله عنه - في قوله -  صلى الله عليه وسلم -: «وجُعِلَت قُرَّةُ عَيني في الصَّلاةِ»، والحديث الآخر المروي عن سالم بن أبي الجعد - رضي الله عنه - في قول النبي -  صلى الله عليه وسلم -: «يا بلالُ أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها».

- هل نحتاج قيما خاصة بنا لمعالجة الظواهر السلبية في مجتمعاتنا؟

- إن تطبيق مثل هذه المكونات، أعتقد سوف تحدث نقلة كبيرة في الجانب التربوي، أما موضوع القيم، فالخطورة فيه أن بعض الدول يعرفون الموضوع وأبعاده إلا أنهم يرون التنمر، ويرون الاستقواء، ويرون التأخر الدراسي ويرون العنف، فهم يحتاجون للقيم كي يعالجوا مثل هذه الظواهر السلبية، ولكنهم -مع الأسف الشديد- لجؤوا للغرب ليجلبوا ما عندهم من القيم، ويترجموها إلى واقعنا المحلي، ويريدوا تطبيقها كما هي، في حين تعد هذه المنظومة مغايرة تماما عن النهج الذي نريده في بناء الإنسان في أوطاننا.

 

 

ثقافة التفاهة

- هناك ما يسمى ثقافة التفاهة، ما مدى أثرها في تربية الأبناء؟

- يجب ألا أسمح لأبنائي أن يسقطوا في التفاهة؛ فهي إحدى مدمرات النضج، فلو عرفت الوقت الذي يستهلكه الأطفال ويستهلكه الإنسان عموما في التفاهة، لعرفت لماذا لم ننضج، وهناك الكثير من البرامج المشتهرة عند الناس ليس فيها محتوى ثقافي أو علمي، بل تقدم أشياء لا معنى لها؛ بهدف إضحاك الناس، أو إلهاء الناس عن أمور أهم ولا شك أن هذه التفاهة هي معيق كبير جدا للنضج.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك