رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.أحمد الجسار 3 فبراير، 2021 0 تعليق

حماية جناب التوحيد

في آخر حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، حدث أنْ رزقه الله بإبراهيم من ماريةَ القبطيةِ -رضي الله عنها-، وكان مسترضعا عند أبي سيفٍ البراءِ بنِ أَوْسٍ - رضي الله عنه -، وكان قَيْنًا أي حدادا، فكان أبو سيفٍ ظِئرًا لإبراهيم، أي زوجَ مرضعته، وفي صحيح البخاري عن أنس - رضي الله عنه - قال: دخلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على أبي سيفٍ القين وكان ظئرًا لإبراهيم، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - تذرفان، فقال له عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه -: وأنت يا رسول الله؟، يعني: وأنت يا رسول الله تبكي؟ وقد أمرتنا بالصبر على المصيبة؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا ابْنَ عَوْفٍ، إنَّهَا رَحْمَةٌ»، يعني: من رقة القلب على الولد، لا جزعا وتسخطا. وقال - صلى الله عليه وسلم-: «إنما أنا بشر». قال أنس - رضي الله عنه -: ثم أتبعها بأخرى، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ».

     فمات إبراهيم - رضي الله عنه - في ذلك اليوم من السنة التاسعة أو العاشرة للهجرة، وحدث في ذلك اليوم أن كسفت الشمس، فربط بعض الناس بين كسوفها وموته - رضي الله عنه -. فلما بلغ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك القولُ قام مسرعا، ومن شدة اهتمامه أراد أن يأخذ رداءه، فأخذ درعَ بعضِ أهل بيته، وخرج به إلى المسجد، ثم أُدرك بردائه. وصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالناس صلاة لم يعهدوها من قبل! فصلى بهم ركعتين، وفي كل ركعة ركوعان، فصلى أربعَ ركعات وأربعَ سجدات في ركعتين. ثم قام النبي - صلى الله عليه وسلم - فخطب الناس، وقال: «إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ آيَتانِ مِن آياتِ اللهِ، لا يَخْسِفانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولا لِحَياتِهِ، فإذا رَأَيْتُمْ ذلكَ، فادْعُوا اللهَ، وكَبِّرُوا، وصَلُّوا، وتَصَدَّقُوا». (متفق عليه).

اهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم بالتوحيد

     هكذا كان اهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم - بحماية جناب التوحيد، وحرصه على تنقية عقيدة الأمة من كل شائبة تُنْقِصُ من كمالِ توحيدِها؛ فالله جل جلاله هو المستحق الأوحد للعبادة، وهذا معنى قولك: لا إله إلا الله، وهو الخالق الأوحد لهذا الكون، المتصرفُ فيه بحكمته ورحمته، وهذا معنى ربوبيته جل جلاله، ونؤمن أن له -سبحانه- أحسنَ الأسماء، وأكملَ الصفات: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1) اللهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} (الإخلاص).

تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ

     قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذه السورة العظيمة: «قُلْ هو اللهُ أحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ». متفق عليه؛ وذلك لما اشتملت عليه من معاني التوحيد، الذي هو أساس العبادة، وقال - صلى الله عليه وسلم - عن آية الكرسي: إنها أعظمُ آية في كتاب الله -تعالى-؛ وذلك لأنها ابتدأت بتوحيده {اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}، كما اشتملت على عَشرِ صفاتٍ مِن صفاتِ اللهِ -عز وجل.

معانٍ عظيمة

فلا إله إلا الله: هي الإقرار بأنه لا أحدَ يستحقُّ أن تُصرفَ له عبادةٌ إلا اللهُ -جل جلاله.  ولا إله إلا الله: هي حق الله على عباده، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا». (متفق عليه).

ولا إله إلا الله: هي أولُ واجب على المكلفين، وأولُ ما يَدخُلُ به المسلمُ في الدين.  ولا إله إلا الله: هي آخرُ ما يخرجُ به من الدنيا مَنْ أراد الله به خيرا من الموفقين. قال - صلى الله عليه وسلم -: «من كان آخرَ كلامِه لا إله إلا اللهُ دخل الجنة». (رواه أحمد).

ولا إله إلا الله: قامت بها السماوات والأرض. حتى إذا لم يكن في آخر الدنيا من يقولها، أذن الله بانتهائها، كما بين النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن الساعة لا تقوم حتى لا يبقى على الأرض من يقول: لا إله إلا الله.

دعوة الرسل

     إنها دعوةُ الرسل جميعا: قال -تعالى-: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل 36). وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء 25)، وهكذا كانت دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا أيها الناس، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا». (رواه أحمد).

القرآن كله توحيد

     والقرآن كله توحيد لله -جل جلاله-؛ فآيات القرآن: إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلعِ كلِّ ما يُعبدُ من دونه، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته، وإما خبر عن إكرامه لأهل توحيده في الدنيا والآخرة، وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا وعذابِهم في الآخرة. فالقرآن كله عن توحيد الله -جل جلاله.

الحفاظ على كلمةِ التوحيد

     من هنا وجب علينا الحفاظ على كلمةِ التوحيد: إيمانًا، وقولًا، وتصديقًا، وصيانة؛ فإنها ترفعُ الأعمالَ لِتَسْتَقِرَّ في الصحائف، ولنحذر ما يُضادُّها؛ فإنَّ الشركَ محبط للأعمال مهما بلغت. ألمْ تَرَ أنَّ اللهَ ذكر هؤلاء الأولياء، من الرسلِ والأنبياء، نوحًا وإبراهيمَ وذريتَه؟ فقال -تعالى-: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ. وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}، ثم ذكر افتراضًا لم يحدثْ قط، ولكنْ لِيَحْذَرَ مَنْ دُونَهُمْ، فَقَالَ: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأنعام 84-88). لماذا؟ لأن الله لا يقبلُ مع الشركِ عملا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه: «قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ». (رواه مسلم).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك