حماقة النظام العراقي.. تطلق شرارة حرب طائفية على الأنبار والعالم أجمع في صمت
الحرب على الأنبار حرب طائفية بالدرجة الأولى، تستهدف المناطق السنية الثائرة بهدف إخضاعها والهيمنة الكلية لطائفة المالكي على العراق.
الدول السنية في المنطقة استنكفت عن إبداء مواقفها، ولم تتخذ إلى اليوم أي موقف إيجابي على أرض الواقع
(أنصار الحسين ضد أنصار يزيد)، عنوان الحرب الطائفية التي أطلقها المالكي على الأنبار.
يجب على مسلحي العشائر أن يعزلوا أنفسهم عن المجموعات المرتبطة بالقاعدة؛ لأن ذلك سيشوه جهودهم ويفقدهم تعاطف العالم
حكومة الطاغية بشار تؤيد التحرك ضد مسلحي العشائر تحت مسوغ أن هذا الإرهاب هو نفسه الإرهاب الذي تواجهه قوات الأسد في سورية.
الأنبار محافظة عريقة، تمثل (ثلث) مساحة العراق، تاريخها أبي، حملت بصمات عديدة سطرت فيها معاني البطولة منذ عهد النظام السابق، وما عرف عنها من أصالة عشائرها التي أنجبت أبطالاً سطروا بطولات على أرض العراق من شماله إلى جنوبه، هذه المدينة العريقة كانت معقلا للمقاومة ضد الاحتلال الأمريكي للعراق كبدت فيها القوات الأمريكية خسائر فادحة في أغلب مناطق المحافظة لكن أكثرها فداحة كانت في مدينة الفلوجة؛ حيث بقيت المدينة عاصية على الاحتلال الأمريكي عاماً كاملاً ولم يدخلوها إلا بعد التفاوض مع زعماء العشائر لتأسيس قوات الشرطة لتقوم بالسيطرة على المدن نظرًا لرفضها الشديد للاحتلال.
وبعد أحداث 2005 وعصر (الطائفية المقيته) التي زرعها الأمريكان بمساعدة ثلة من السياسيين وظهور تنظيم القاعدة أو مايسمى بـ (دولة العراق الإسلامية) في هذه المدينة وباقي مدن العراق وكان العراق في وقتها على شفير (الحرب الأهلية)، كان أول ما انتفض أهالي هذه المدينة عام 2007 بصحوة العراق بقيادة المرحوم (ستار أبو ريشه) لتكون أول نواة لمجاميع قتالية مسلحة دحرت هذا التنظيم (بقياداته العتية) خارج المدينة والقضاء عليه نهائيًا، ومن بعدها تشكلت الصحوات في المناطق التي كانت تعد الحاضنة لهذه الجماعات المسلحة في وقت عجز الأمريكان وحتى الحكومة عن فعل ذلك.
الجزاء ليس من جنس العمل
بعد كل هذا، ماذا كان الجزاء؟ مع الأسف الجزاء لم يكن من جنس العمل، فقد عمد نظام المالكي إلى تهميش هذا الإقليم والتعامل معه بعنصرية وطائفية مقيتة وبدا ذلك واضحًا من خلال أمور عدة أهمها:
1- عدم تقديم الخدمات والاهتمام بها كباقي المحافظات وبالأخص الجنوبية منها.
2- تهميش سكانها من خلال ( نعتهم ) بالصفة الطائفية .
3- تنصيب أناس مواليين للحكومة كان همهم الأول والأخير (النهب والفساد).
4- عدم دعم القوات الأمنية الموجودة بالعتاد والسلاح.
5- عدم تعيين أبناء العشائر في مناصب مهمة في الأجهزة الأمنية.
6- رفض مطالبة العشائر بتسليحهم أو من خلال تعيين أبنائهم في أجهزة الشرطة لغرض حماية محافظتهم.
7- كرست الحكومة مادة (4إرهاب) أو ما يسمى (4 سنة) على أغلب الشباب واعتقالهم دون مذكرات قبض.
كل هذه المقدمات وغيرها فجرت الأحداث في الأنبار، وبدأ أهل العشائر في المطالبة بحقوقهم، منذ عام تقريبًا من خلال الاعتصامات والإضرابات.
أنصار الحسين ضد أنصار يزيد
مع استمرار الاعتصامات بدأ المالكي الحرب على الأنبار في حملة طائفية أطلق عنوانًا لها أشد طائفية حين قال عشية الهجوم عليها: (أنصار الحسين ضد أنصار يزيد)، وقام باعتقال النائب السني في البرلمان أحمد العلواني القيادي البارز في تلك الاعتصامات، كما قام بإعدام أخيه علي العلواني إعدامًا ميدانيًا، وسط هتافات طائفية وأعلام طائفية من قبل الجيش -المسيطر عليه كلية من قبل أنصار المالكي-، وسرعان ما تفاقمت الأزمة بعد أن رفضت حكومة بغداد إطلاق النائب العلواني وأصرت على إخلاء ساحات الاعتصامات المتواصلة منذ سنة، ولم يتردد المالكي في إرسال قواته العسكرية إلى الأنبار لفرض ذلك؛ الأمر الذي شكل إهانة لأبناء العشائر السنية في المنطقة.
حرب طائفية بمعنى الكلمة
إذاً الحرب بهذا العنوان تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنها حرب طائفية بالدرجة الأولى، تستهدف المناطق السنية الثائرة بهدف إخضاعها والهيمنة الكلية لطائفة المالكي على العراق، ومما يدعم هذا الاستدلال أمور أهمها:
- قوافل المتطوعين من أنصار المالكي لم تتوقف عن دعم القوات العسكرية العراقية في هذه الحرب القذرة.
- خروج العديد من المظاهرات في المحافظات الجنوبية تدعم خطوة المالكي.
- من جانب آخر فإن الأطراف الطائفية الأخرى المندرجة في العملية السياسية لم تتردد في دعم الحملة ولاسيما مقتدى الصدر الذي لم يدن مطلقًا اعتقال النائب العلواني، وأظهر تفهمًا لموقف حكومة المالكي المحارب (للإرهاب).
حماقة النظام وشجاعة العشائر
لا يمكن وصف الحرب على الأنبار إلا أنها حماقة، وحماقة كبرى، كان يتوقع لها المالكي أن تكون رافعة له في الانتخابات القادمة، غير أنَّ واقع الأمر يؤكد أنها ستكون المسمار الأخير في نعشه ووجوده في المنطقة الخضراء، مسمار دقه هو وليس أحد غيره.
لقد تفاجأ المالكي، كما تفاجأت قواته، بالاستعدادات الكبيرة التي اتخذتها عشائر الأنبار لمثل هذا اليوم، وتكبدت قواته خسائر كبيرة وكبيرة جدًا، هذا فضلا عن خسارة المزيد من رصيده لدى جمهوره الذي زج بجزء كبير من أبنائهم إلى أتون معركة، ظن هو أنها سهلة، غير أن واقع الحال أثبت أنها ليست كذلك، وربما ستكون مرحلة مفصلية ليس في تاريخ المالكي السياسي وحسب، وإنما في تاريخ العملية السياسية العرجاء التي شكلها الاحتلال الأميركي في العراق عقب عام 2003، وأكثر من ذلك، فإنها ستكون مرحلة حاسمة لرسم صورة عراق ما بعد غزوة المالكي الطائشة على الأنبار.
اليوم هناك حالة جديدة بدأت تتشكل ليس في الأنبار وحدها وإنما في عموم المدن السنية في العراق؛ حيث شرعت كل المدن الأخرى، صلاح الدين وديالى وكركوك والموصل وأطراف بغداد، بتنفيذ سلسلة من العمليات المسلحة ضد قوات المالكي نصرة لأهل الأنبار؛ الأمر الذي يمكن أن يؤشر إلى إمكانية فقدان المالكي السيطرة، ليس على الأنبار وحدها وإنما على محافظات أخرى، ولاسيما إذا ما استمر زخم العمليات المسلحة والمواجهات بين ثوار العشائر وقوات المالكي لأيام أخرى.
مفتي العراق: دافعوا عن أنفسكم ضد جيش «ظالم جائر».
وفي هذا السياق دعا مفتي الديار العراقية، الشيخ رافع الرفاعي، الشعب العراقي، ولاسيما أهل الأنبار إلى الدفاع عن أنفسهم ضد الجيش.
وذكر مفتي الديار العراقية، في بيان له أن «الجيش، الذي كان على مر هذه السنين رمزًا للبطولة والبسالة والتمسك بالمبادئ، أصبح اليوم متجردًا عن كل هذه المبادئ والمعاني السامية، وبدلا أن يكون حارسًا للوطن وأرضه وشعبه أصبح حاكمًا للحاكم الجائر، وأصبح يضم بين دفتيه ميليشيات نتنة تمثل يدًا ضاربة على العراقيين».
وتابع: «في هذه الأيام إذ تتجمع أفراد هذا الجيش الميليشاوي بعدته وعديدة لضرب العراقيين من أبناء محافظة الأنبار (غرب) بأوامر صادرة من حاكم جائر طائفي مقيت حاقد بذراع هي أوهن من خيط العنكبوت، يظهر لنا مدى هذا التحول المخزي لهذا النفر، الذي انقلبت موازينه وضاعت قيادته».
صنيعة إيرانية
وأضاف «المفتي» مخاطبًا رئيس الوزراء العراقي، أن «التذرع بوجود داعش (التابعة لتنظيم القاعدة) وما شاكلها في مدن محافظة الأنبار وعلى رأسها الرمادي والفلوجة أكذوبة مفضوحة، وأن هذا التنظيم أصبح شأنه معروف لدى القاصي والداني أنه صنيعة إيرانية زج بها ابتداء في سوريا لا لمحاربة طاغية الشام وأعوانه، وإنما لتشتيت صفوف الثائرين على الظلم والظالمين، فهل سمعتم مرة أن داعش حاربت جيش بشار الأسد، وهل سمعتم يومًا أن معركة دارت بين داعش والميليشيات التابعة لإيران».
وأكمل: «(داعش) قتلت من أبناء الشعب العراقي والسوري من الأبرياء من قتلت، كل ذلك يدل على أن (داعش) والميليشيات رضعت من ثدي نجس واحد، لبن الحقد والكراهية على كل المفاهيم الإنسانية».
وأضاف: «يا أبناء عشائر العراق الأحرار هذا يومكم للتخلص من الذلة والمهانة، التي أوقع العراقيين في شراكها نوري المالكي وأزلامه، إرضاء لرغبات أسيادهم وحرصا منه على هذا الكرسي المقيت».
بين الأنبار وسورية
أمام هذه المعركة الشرسة التي تستهدف كيان وهوية السنة في العراق، نخشى أن تكون الأنبار لقمة سائغة للنظام الطائفي، ويحدث ما حدث في الثورة السورية؛ حيث أصبح العالم أجمع في ثبات عميق لم يستيقظ منه رغم سقوط مئات الآلآف من القتلى والجرحى وملايين النازحين واللاجئين.
ففي وقت غفلت أو تغافلت فيه الأطراف الإقليمية والدول المجاورة عن هذه القضية، فضلا عن تخلي الدول الكبرى عن ردع هذا النظام الطائفي عن غيّه، ولا شك أن هناك مؤشرات خطيرة تدفع بنا إلى هذا المسار منها:
- موقف الدولة الطائفية الأكبر في المنطقة من دعم حملة (أنصار الحسين على أنصار يزيد)؛ حيث أبدت استعدادها على لسان نائب رئيس الأركان الإيراني محمد حجازي عن مساعدة الحكومة العراقية عسكريًا؛ الأمر الذي فُسر برغبة إيران في الوجود العسكري المباشر في العراق.
- تأييد حكومة بشار الأسد في سورية لهذا التحرك ضد مسلحي العشائر تحت مسوغ أن هذا الإرهاب هو نفسه الإرهاب الذي تواجهه قوات الأسد في سورية.
- بالمقابل فإن الدول السنية في المنطقة استنكفت عن إبداء مواقفها، ولم تتخذ إلى اليوم أي موقف إيجابي على أرض الواقع، حيال الأحداث المتسارعة في العراق ومنها على سبيل المثال دولة قطر التي لم تتأخر عن دعم ثورات الربيع العربي، كما أن دول الخليج الأخرى ولاسيما البحرين التي واجهت انتفاضة طائفية مدعومة من حكومة بغداد منذ سنتين فقط، أي موقف أيضًا؛ الأمر الذي انعكس على دور جامعة الدول العربية الذي بدا غائبا كليًا عن الأحداث.
- أما تركيا الساعية لتحسين العلاقة مع بغداد التي توترت نتيجة الثورة السورية فلا تريد أن تخسر أكثر ولاسيما بعد أن رقعت علاقتها المتدهورة مع بغداد خلال العام الماضي ووقعت اتفاقيات تعاون واستثمار في القطاع النفطي العراقي بمليارات الدولارات مع إقليم كردستان العراق وتسعى لإبرام اتفاقيات أوسع مع حكومة المركز.
- وعلى المستوى الدولي، أظهرت مواقف روسيا والولايات المتحدة تقارباً ملحوظاً حيال ما يجري في العراق لم نشهده بالنسبة للملف السوري، فقد أعلنت روسيا دعمها لحكومة المالكي، بينما سرّعت الولايات المتحدة إرسال شحنات الأسلحة والمعدات العسكرية لبغداد بما فيها من طائرات دون طيار وصواريخ (هيلفاير)، ويبدو أن هذا الدعم لن يتوقف رغم صيحات المنظمات المدنية ومنظمات حقوق الإنسان الداعية لوقف الدعم الأمريكي لحكومة بغداد ذات السجل السيئ في حقوق الإنسان.
- وأخيرًا وهو من أخطر المؤشرات: دخول حركة مايسمى بـداعش ذات الهوية الطائفية المتطرفة طرفًا في الصراع، أوقع أبلغ الضرر بمصالح محافظة الأنبار ومستقبلها، وبسمعة مراجعها، وبمطالب سكانها المشروعة، مثلما أعطت للانتقاميين الطائفيين في الجبهة الأخرى أفضل الفرص لتعميق الاحتقان الطائفي، ونشر شعارات الحرب على الأنبار وما تمثله.
خلاصة ما سبق: أن على الله ثم على أهل السنة في العراق الاعتماد الكلي على أنفسهم، وأن لا ينتظروا أيّ مساعدة من أيّ طرف كان، وأن ينظروا إلى الخطوة القادمة قبل إقدامهم على الخطوة الحالية، كما يجب على الثوار ومسلحي العشائر أن يعزلوا أنفسهم في الخطاب والتطبيق عن المجموعات المرتبطة بالقاعدة؛ لأن ذلك سيشوه جهودهم ويفقدهم تعاطف العالم رغم أحقية القضية ونبلها، كما يجب عليهم أن يحددوا هدفهم ومشروعهم من هذه الحرب حتى يكونوا على بينة من أمرهم، ويستطيعوا التعامل مع عدوهم، وفق إمكاناتهم وقدراتهم، حفظ الله أهل السنة في العراق وفي سوريا وفي جميع بلاد المسلمين، وجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن.
لاتوجد تعليقات