رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أحمد فريد 24 فبراير، 2020 0 تعليق

حكم مرتكب الكبيرة

هذه المسألة من المسائل التي خالفت فيها المبتدعة أهل السنة والجماعة؛ فكان من الواجب كشف لثامها وتبيين حقيقتها، وأهل السنة دائما وسط بين من تلاعبت بهم الشياطين؛ فأوقعتهم في الإفراط أو التفريط؛ ففي هذ القضية أهل السنة وسط بين المرجئة الذين قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله، وبين الخوارج والمعتزلة -ويشملهم اسم الوعيدية-؛ فحكمت الخوارج على فاعل الكبيرة بالكفر في الدنيا، وبالخلود في النار في الآخرة، والمعتزلة أنزلوا فاعل الكبيرة في الدنيا «منزلة بين المنزلتين» فنفوا عنه اسم الإيمان، ولم يثبتوا له اسم الكفر، وقالوا: فاسق، ثم الآخرة إما جنة وإما نار، فحكموا عليه بالخلود في النار؛ فاختلفوا مع الخوارج مقالا، واتحدوا معهم مآلا، وأهل السنة وسط بين هؤلاء (المرجئة)، وهؤلاء (الوعيدية)، يرجون للمحسنين من المؤمنين الجنة، ويخافون على المذنبين من النار، ولكنهم لا يحكمون لأحد بجنة أو بنار إلا من شهد له الشرع بذلك.

لا يخلدون في النار

     قال الطحاوي -رحمه الله-: وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون، إذا ماتوا وهم موحدون، وإن لم يكونوا تائبين، بعد أن لقوا الله عارفين، وهم في مشيئته وحكمه، إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله، كما ذكر -عز وجل- في كتابه: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: 48)، وإن شاء عذبهم في النار ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ثم يبعثهم إلى جنته؛ وذلك بأن الله -تعالى- تولى أهل معرفته، ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرته الذين خابوا من هدايته ولم ينالوا من ولايته. اللهم يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك به.

     وأدلة هذه العقيدة كثيرة جدا، ولكن الهوى يعمي ويصم، وكنت أظن أن شهرة هذه الأدلة يغني عن سردها، وأن من يقع في بدعة التكفير في هذه الأزمنة إنما يسوقه إليها عدم عذره لمن يقع في شيء من الكفر العملي، أو الاعتقادي جاهلا بحكمه، حتى أخبرت بوجود خلف للخوارج، يحملون رايتهم ويحيون بدعتهم، وإن كانوا قليلين.

عدم كفر فاعل الكبيرة

     وأدلة عدم كفر فاعل الكبيرة كثيرة، نذكر منها على سبيل التنبيه لا الحصر ولله عاقبة الأمر: قوله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: 48)، قال القرطبي -رحمه الله-: وفي قوله : «إن الله لا يغفر أن يشرك به» رد على الخوارج؛ حيث زعموا أن مرتكب الكبيرة كافر، وقد تقدم القول في هذا المعني، وقال الشوكاني: ولا خلاف بين المسلمين في أن المشرك إذا مات على شركه، لم يكن من أهل المغفرة التي تفضل الله بها على غير أهل الشرك، حسبما تقتضيه مشيئته، وأما غير أهل الشرك من عصاة المسلمين فداخلون تحت المشيئة {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} (الفتح: 14).

     وقوله -تعالى-: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}(البقرة: 178)، قال ابن الجوزي: ودل قوله: من أخيه على أن القاتل لم يخرج عن الإسلام، ومثل هذه الآية قوله -تعالى-: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الحجرات: 9)، ثم قال بعد ذلك: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} (الحجرات:10)؛ فالأخوة الإيمانية باقية مع المعاصي.

نصوص أخرى

      وهذه النصوص يفهم على ضوئها نصوص أخرى في الشريعة، كقوله صلى الله عليه وسلم : «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض»، وقوله صلى الله عليه وسلم : «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»، وأدلة السنة على هذه العقيدة كثيرة جدا يصعب حصرها؛ فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم وحوله عصابة من أصحابه: «بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف؛ فمن وفَّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء الله عفا عنه وإن شاء عاقبه»، والحديث صريح الدلالة في أن فاعل الكبيرة في المشيئة، إن مات مصرا عليها، وأنه إذا أقيم عليه الحد فالحدود كفارات .

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك