رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر 2 أبريل، 2017 0 تعليق

حكـم الاختـلاط

إن الدينَ الإسلاميَّ الحنيف بتوجيهاته السديدة وإرشاداته الحكيمة صان المرأةَ المسلمة، وحفظَ لها شرفها وكرامتها، وتكفَّل لها بعزِّها وسعادتها، وهيَّأ لها أسباب العيش الهنيء بعيداً عن مواطن الرِيَبِ والفتن والشر والفساد، وهذا كله رحمةً من الله بعباده؛ حيث أنزل لهم شريعته ناصحةً لهم ومُصلحةً لفسادهم ومقوِّمةً لاعوجاجهم ومتكفِّلةً بسعادتهم ؛ ومن ذلك ما شرعه الله -تبارك وتعالى- من التدابير الوقائية العظيمة والإجراءات العلاجية القويمة التي تقطع دابر الفتنة بين الرجال والنساء، وتعين على اجتناب الموبقات والبعد عن الفواحش المهلكات رحمةً منه بهم وصيانةً لأعراضهم وحمايةً لهم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

الفتنة بالنساء

     وقد جاء في الإسلام ما يدل على أن الفتنة بالنساء إذا وقعت يترتب عليها من المفاسد والمضار ما لا يُدرَكُ مداه ولا تُحمَد عقباه ، فعن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلمقال :  «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» ، وعن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ».

التأمل في التاريخ

     ومن يتأمل التاريخ على طول مداه يجد ذلك؛ فإن من أكبر أسباب انهيار الحضارات وتفكك المجتمعات وتحلُّل الأخلاق وفساد القيم وفُشو الجريمة هو تبرج المرأة ومخالطتُها للرجال، ومبالغتُها في الزينة والاختلاط، وخَلوتُها مع الأجانب، وارتيادها للمنتديات والمجالس العامة وهي في أتم زينتها وأبهى حلَّتها وأكمل تعطُّرها.

الإسلام والحجاب

     والإسلام حين فرض على المرأة الحجاب، ولم يفرضه إلا ليصونها عن الابتذال، وليحميَها من التعرض للريبة والفحش،  وليمنعها من الوقوع في الجريمة والفساد، وليكسوَها بذلك حُلَّة التقوى والطهارة والعفاف، وسدَّ بذلك كلَّ ذريعةٍ تفضي إلى الفاحشة، قال -تعالى-: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب:33)، وقال -تعالى-: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ} (الأحزاب:53)، وقال -تعالى-: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ...}(النور:31)، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}(الأحزاب:59)، وقال -تعالى-: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا}(الأحزاب:32).

     وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلمقال: « الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ»، وعن أم حميد الساعدية -رضي الله عنها- أَنَّهَا جَاءَتْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ ، قَالَ: «قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي»، وعن أبى هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا ، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا».

كل ذلك حفظًا للمرأة من الاختلاط بالرجال ومزاحمتهم، وهذا في حال العبادة والصلاة التي يكون فيها المسلم أو المسلمة أبعد ما يكون عن وسوسة الشيطان وإغوائه، فكيف إذاً بالأمر في الأسواق والأماكن العامة ونحو ذلك ؟!

     ولما دخلت على عائشة -رضي الله عنها- مولاةٌ لها وقالت: يا أم المؤمنين طُفتُ بالبيت سبعا، واستلمت الركن مرتين أو ثلاثا، فقالت عائشة -رضي الله عنها-: «لا آجرَك الله، لا آجرك الله، تدافعين الرجال ألا كبَّرت ومَررتِ؟!»، قالت لها ذلك مع أنها في أشرف مكان وخيرِ بقعة ومكانِ طاعة جوارَ الكعبة ؛ فكيف الأمر بمن  تزاحمُ الرجال في الأسواق والأماكن العامة، وهي في كامل زينتها وأجمل حليتها!

هنيئًا للمرأة المسلمة

فهنيئا للمرأة المسلمة إذا عاشت حياتها ممتثلةً هذا التوجيه الكريم والهدي القويم غير ملتفتة إلى الهَمَلِ من الناس من دعاة الفاحشة والفتنة: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}(النساء:27).

     ثم إن الإسلام إنما حرَّم على المرأة ذلك ومنعها منه حمايةً لها وللمجتمع كلِّه من أن تنحلَّ أخلاقه، وتتفكّك عُراه، وتفشوَ فيه الجريمة، ويعظمَ فيه الفساد، قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-: «ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهنّ بالرجال أصل كلِّ بليةٍ وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أعظم أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سببٌ لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة» انتهى كلامه رحمه الله.

أصل عظيم

     وثمةَ أصل عظيمٌ لابد من التنبيه عليه ألا وهو: أن أحكام الشرع المتعلقة بالمرأة أو غيرها محكمةٌ غاية الإحكام، متقنةٌ غاية الإتقان، لا نقص فيها ولا خلل، ولا ظلم فيها ولا زلل، كيف وهي أحكام خير الحاكمين وتنزيل رب العالمين!! الحكيمُ في تدبيره، البصيرُ بعباده، العليم بما فيه سعادتهم وفلاحهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة؛ ولهذا فإن من أعظم العدوان وأشد الإثم والهوان أن يقال في شيء من أحكام الله المتعلقة بالمرأة أو غيرها أن فيها ظلماً أو هضماً أو إجحافاً أو زللاً، ومن قال ذلك أو شيئاً منه فما قدَر ربه حق قدره، ولا وقَّره حق توقيره، والله -جلّ وعلا- يقول: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} (نوح:13)، أي لا تعاملونه معاملة من توقرونه، والتوقير: التعظيم ، ومن توقيره سبحانه أن تُلتزم أحكامه، وتُطاع أوامره ويُعتقد أن فيها السلامة والكمال والرفعة، ومن اعتقد فيها خلاف ذلك فما أبعده عن الوقار وما أجدره في الدنيا والآخرة بالخزي والعار! 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك