رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: حكمت أحمد محمود المغربي 12 مارس، 2017 0 تعليق

حق العودة ميراث شرعي لأرض التوحيد والحق

إن الحق في فلسطين والعودة إليها للمسلمين لا ينبغي أن يرتبط بمسألة أسبقية الوجود التاريخي على هذه الأرض، ولا أن يتصل بمنطلقات قومية أو وطنية؛ فهو حق يؤول وحسب لعباد الله الأتقياء، بغض النظر عن الجنسية والأصل: { إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ  وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}(الأعراف: 128).

أولئك الذين يبدون على استعداد لبذل أرواحهم في سبيل نصرة الله -سبحانه- وإعلاء رسالته: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الأمور}(الحج: 40-41).

والذين يخلصون الإيمان برسالة التوحيد التي دعا إليها الأنبياء كافة في تلك الأرض المقدسة، قال الله -تعالى-: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}(المائدة: 21).

أرض الميعاد

     وإذا كان اليهود يدعون بأن أرض فلسطين هي أرض الميعاد، وأنها مملكة داود وسليمان -عليهما السلام- ما يعطيهم الحق فيها بوصفهما -عليهما السلام- من ملوك اليهود، فقد وضّح القرآن الكريم في أكثر من موطن أن مملكة داود وسليمان -عليهما السلام- هي مملكة النبوة، التي كانت تقوم على العبودية لله -تعالى- وتحقيق العدل وكمال العبادة والطاعة والتسبيح والذكر، وكل تلك العناصر الإيمانية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بيهود اليوم: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}(الأنبياء: 105 107).

فقدوا حقهم

      فالذين كفروا من اليهود والنصارى، وأشركوا بالله -سبحانه- وعصوه، ونقضوا العهود مع الله -تعالى- وقتلوا الأنبياء، وحرفوا كلام الله فقدوا حقهم في الأرض المقدسة، واستحقوا لعنة الله -سبحانه- ولعنة أنبيائه كما قال الله -جل جلاله-: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ}(التوبة: 30).

      وإذا كان اليهود ومن لفَّ لفَّهم يزعمون أن لهم حقاً دينياً في أرض فلسطين استناداً إلى تحدرهم من إبراهيم -عليه السلام- فقد أسقط القرآن الكريم دعواهم، وقطع صلتهم المزعومة بإبراهيم -عليه السلام- بقوله -سبحانه وتعالى-: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(آل عمران: 67). {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} (الحج: 78).

اللاجئ والمعاهدات والمؤتمرات

     في زماننا هذا، لا يملك المسلم إلا أن يحزن؛ لأن القضية الفلسطينية قد اتخذت طابعاً جغرافياً في المقام الأول والأخير، فصار يراد لها أن تعزل عن سياقها الديني، وأن ترتبط فقط بمن ولد وعاش على أرض فلسطين قبل عام 1948، أي بمن أطلق عليه فلسطيني لاجئ، وبدرجة أقل فلسطيني نازح! ومن ثم، أخذت المفاهيم والقوانين الدولية -هذا إن تم الاعتراف بالفلسطيني من حيث المبدأ- تتبلور فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية في ظل ذلك المنظور الجغرافي الضيق!

      وكان لقضية اللاجئين وحق العودة نصيب من اهتمام العديد من المؤتمرات والمعاهدات والاتفاقيات في تاريخ فلسطين الحديث وتاريخنا بوصفنا مسلمين. ومن أشهر تلك المؤتمرات، أو المؤامرات إن جاز التعبير، مؤتمر أوسلو الذي تمخض عن توقيع اتفاقية (سلام) بين كيان الاحتلال المسمى (إسرائيل) ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993.

      وبالتدقيق في بنود تلك الاتفاقية، يلاحظ وجود ميل مشبوه للتملص من مواجهة قضية اللاجئين وحق العودة، أو تجميدها أو ترحيلها على الأقل، في محاولة لنزع الأهمية عنها وتهميشها وتصفيتها، لعلم القائمين على تلك الاتفاقية استحالة نقضها لاحقاً مهما بلغت حدة الخلاف بشأن بعض بنودها؛ فقد نصت الاتفاقية على ما يأتي: أنه بعد ثلاث سنين من توقيع الاتفاقية تبدأ (مفاوضات الوضع الدائم) يتم خلالها مناقشة القضايا الجوهرية التالية:

1- القدس، ومن يتحكم بالقدس الشرقية والغربية والأماكن المقدسة وساكنيهاإلخ.

2- اللاجئون، حق العودة وحق التعويض..إلخ.

3- المستوطنات في الضفة الغربية والقطاع.

     وفضلا عن وجود تصريحات لمحمود عباس توحي بتخلي الطرف الفلسطيني عن قضية اللاجئين وعن ذلك الحق على أرض الواقع، فإن المتتبع لتلك الاتفاقية وحراك الصهاينة أثناء طبخها وما بعد ذلك، يعلم علم اليقين أنه لم يتم تطبيق شيء يذكر من فصول تلك المسرحية المسماة اتفاقية، فلا قضايا جوهرية ولا ثانوية تم البت فيها ولا يحزنون!

      فبالرغم من وجود مزاعم من جانب بعضهم بأن الاتفاقية قد حققت جزءا من حق عودة اللاجئين الفلسطينيين للعيش في الضفة الغربية وقطاع غزة تمهيدا لإعادتهم لمدنهم وقراهم الأصلية عندما تتهيأ الظروف لذلك، إلا أن هناك ما يشبه الإجماع من جانب المختصين على أن اتفاقية (أوسلو) نسفت العديد من الثوابت المهمة في القضية الفلسطينية، وكونت ضربة قاصمة لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم التي هجروا منها بعد نكبة عام 1948؛ حيث لم تتوقف قوات الاحتلال يوما منذ توقيع الاتفاقية عن تكثيف الاستيطان في مدن الضفة الغربية ولاسيما القدس، وإتخام سجونه بالأسرى من الشباب والشيوخ والنساء والأطفال، وممارسة كل أنواع القمع والإرهاب، والتوسع في أعمال الحفريات في المسجد الأقصى، وغلق المعابر، وسرقة المياه، ناهيك عن بناء ما يسمى (الجدار العازل)!!

 ولا أحد يعلم في الواقع تحت أي بند من بنود الاتفاقية يمكن لنا أن ندرج الحرب الانتقامية المدمرة التي خاضها ضد غزة وجهوده الحثيثة لمحو المدينة الصامدة من خارطة الوجود مرات عدة!

الرؤية الشرعية لحق العودة

{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج: 39-40).

     لقد صدرت العديد من الفتاوى عن أهل العلم الشرعي حول القضية الفلسطينية منذ بدايات القرن المنصرم، دعت جميعها المسلمين إلى الجهاد بمختلف الوسائل الممكنة لاسترجاع أرض فلسطين ومقدساتها وكرامة أهلها، مؤكدة أن عودة اللاجئ الفلسطيني أمر محسوم، وليس موضع نقاش وتفاوض.

     وفي الشأن ذاته، اهتم العلماء الذين لا يخشون في الله لومة لائم، بتوعية عوام المسلمين حول وجوب التمييز بين (معاهدة السلام) مع الكيان الصهيوني التي تم إبرامها في عصرنا، وبعض المعاهدات التي عقدها الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهود، كتلك التي وقعها على سبيل المثال معهم بعد هجرته إلى المدينة.

      فأين تلك المعاهدات التي رعاها النبي صلى الله عليه وسلم من موقع القوة بغية ضمان تفرغ الدولة الإسلامية الوليدة أيامها لنشر رسالة الإسلام، من معاهدة أوسلو المشينة، التي أحدثت تفريطاً صارخاً بالحقوق التاريخية والدينية الثابتة للمسلمين في فلسطين؟! فقد أجمع العلماء أن معاهدات الصلح الدائم مع اليهود باطلة، وشروطها باطلة، وهي غير ملزمة للمسلم، بل عليه بذل قصارى جهده للعمل على إسقاطها. ومن مظاهر البطلان ما يلي:

 

1- بطلان وضع الحرب إلى الأبد بين المسلمين واليهود؛ فالمُعاهَدَةُ الدائِمَةُ عَلى السلمِ، وعَدَمِ الحَرْبِ فهذا لاَ يَجوزُ إطلاقًا.

2- إزالة أسباب العداوة والبغضاء بين المسلمين واليهود، وإزالة كل نصوص التشريع التي تبقي هذه العداوة.

3- إقرار تلك المعاهدات لليهود على ما أخـذوه من أرض الإسلام عنوة وغـدراً.

4- إبرام المعاهدات عن غير مشورة من المسلمين.

     وقد أصـدرت كذلك رابطـة عـلمـاء فلسـطـين بتـاريـخ 25/1/2007م القول الفصل في موضوع المعاهدات وحق العودة، من خلال فتوى مفادها تحريم التنازل عن حق عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه فلسطين؛ وقد أبرزت الفتوى نقاطاً جوهرية بأسباب التحريم:

1- إن المتنازل عن حق العودة يلغي وقف أمير المؤمنين لأرض الشام على ذراري المسلمين.

2- إن المتنازل عن حق العودة عاملٌ ومُظاهِر على إخراج المسلمين من ديارهم، وخروج فلسطين من ملكية الوقف الإسلامي إلى غيره، ومُقر بحق ملكية اليهود لها.

3- إنه ظالم ومانع لمساجد الله - وعلى رأسها الأقصى قبلة المسلمين الأولى - أن يذكر فيها اسمه وساعٍ في خرابها، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا}(البقرة: 114).

4- إنه متخذ اليهود أولياء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِـمِينَ}(المائدة: 51).

5- إنه مؤذٍ وخائن لله ولرسوله وللمؤمنين.

 وختاماً، إن حق العودة إلى فلسطين هو حق مقدس لا جدال فيه، وليس من حق أحد كائنا من كان أن يتنازل عنه أو يتلاعب به.

     وإذا كان قدر أكثر أبناء فلسطين أن يتفرقوا بعيدا عنها في المنافي والشتات رغما عنهم، فإنها ستظل مزروعة في قلوبهم وعقولهم ووجدانهم، جيلا بعد جيل، إلى أن يشاء الله -سبحانه تعالى- ويقيض لها أن تتحرر من دنس اليهود، وأن تعود أرض التوحيد والحق!

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك