حق الجار على جاره
كان العرب في الجاهلية يعظِّمون حق الجار، ويحترمون الجوار، ويعتزون بثناء الجار عليهم، ويفخرون بذلك، وكان منهم من يحفظ عورات جاره ولا ينتهكها، وقد قال عنترة ابن شداد في ذلك شعراً:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مثواها
وحينما جاء الإسلام أكد حق الجوار، وحث عليه، وجعله كالقرابة، حتى كاد أن يُورِّث الجارَ من جاره؛ كما يقول النبي -صلى الله عليه وسلم -: «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».
بل أمر الله بالإحسان إلى الجار بعد أمره بعبادته ؛ فقال تعالى: {وَاعْبُدُوا الله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ الله لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}(النساء:36).
واشترط لتمام الإيمان بالله واليوم الآخر إكرام الجار، وحسن الجوار؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره». وأقسم النبي -صلى الله عليه وسلم - على أن من يؤذي جاره، ولا يأمن جاره من شروره وغوائله بأنه منتف عنه الإيمان، فعن أبي شريح أن النبي-صلى الله عليه وسلم - قال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. قيل: ومن يا رسول الله ؟ قال «الذي لا يأمن جاره بوائقه».
ومن أولويات دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم - الأمر بحسن الجوار؛ كما جاء في قصة أبي سفيان مع هرقل، أن هرقل قال لأبي سفيان بم يأمركم؟ فقال أبو سفيان: «ويأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء».
ولكن من الجار؟ الجار الموصى به ما جاء في قوله تعالى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى}؛ يقول ابن سعدي -رحمه الله-: «أي الجار القريب الذي له حقان: حق الجوار وحق القرابة، فله على جاره حق وإحسان راجع إلى العرف. وكذلك: {الْجَارِ الْجُنُبِ} أي الذي ليس له قرابة. وكلما كان الجار أقرب بابًا كان آكد حقًّا؛ فينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية والصدقة والدعوة واللطافة بالأقوال والأفعال وعدم أذيته بقول أو فعل».
فمن حق الجار على جاره أن يكون عوناً له في وقت شدته في حال فقره، ومرضه، وحاجته، ومن حقه عليه أن يفرح له عندما تحصل منحة تفرحه، ويحزن عندما تنزل به مصيبة تحزنه، فيفرح لفرحه، ويحزن لحزنه، ويحفظه في أهله، ويقوم بالواجب في حال غيبته، وينصحه إذا زل، ويذكره إذا غفل، ويعلمه إذا جهل، وأن يعمل بما جاء في الأثر المروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا استعانك أعنته، وإذا استقرضك أقرضته، وإذا افتقر عدت عليه، وإذا مرض عدته، وإذا أصابه خير هنأته، وإذا أصابته مصيبة عزيته، وإذا مات اتبعت جنازته، ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها، وإن اشتريت فاكهة فاهدِ له، فإن لم تفعل فأدخلها سراً ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده».
ومن حق الجار على جاره الهدية والعون ولو باليسير، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «ألا لا تحقرن جارة لجارتها ولو فِرْسِن شاة». والفرسن هو ظلف الإبل أو الشاة، وقال لأبي ذر - رضي الله عنه -: «يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعهد جيرانك».
وهذا يدل على أهمية العناية بالجار ولو بالشيء القليل، وكل ذلك من أجل تقارب القلوب؛ فإن الهدية لها أثر بالغ في نفوس الآخرين.
نسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.
لاتوجد تعليقات