رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: خالد بن صالح الغيص 16 سبتمبر، 2014 0 تعليق

حقيقة انتصار حماس في غزة

هل انتصرت حماس في غزة؟ سؤال يطرح بقوة في الأوساط الإعلامية، والكل يدلي بدلوه: الرجل السياسي يدلي بدلوه وكذلك العسكري والصحفي وغيرهم، ويتساءل الناس ما حقيقة ما يطرح؟ فهذا يخطئ هذا، وهذا يخطئ ذاك، وهذا يقول لا دخل للدين في هذه القضية بل هي حسابات مادية وعسكرية بحته! حتى كادت الحقيقة تضيع بين كثير من الناس. ونحن مأمورون بالاحتكام عند التنازع إلى القرآن الكريم كلام ربنا، كما قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (الشورى:10).

وكذلك مأمورون عند الأمور المهمة والمصالح العامة واضطراب الناس أن نرد ذلك إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – وإلى العلماء كما قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} (النساء:83).

فلم يتركنا ربنا جل وعلا هملا بل رسم الطريق لكل مسلم- يؤمن بالله واليوم الآخر ويخاف على نفسه عند اضطراب الناس- أن يرد الأمر إلى الرسول في حياته وإلى سنته بعد مماته –  صلى الله عليه وسلم – وأن يلجأ إلى العلماء الربانيين.

     فالقضية ليست متروكة لاجتهادات الناس وآرائهم أو أهوائهم بل سبيل النجاة واضح لمن أراد الله هدايته كما في هذه الآيات، ولكن هذا السبيل الواضح سلكه من أراد الله هدايته فلجأ إلى كتاب ربه فاسترشد به، ورجع إلى سنة نبيه –  صلى الله عليه وسلم – فاستبصربها ولم ينس دور العلماء الربانيين في توضيح الحقائق الدينية. وأعرض عن هذا السبيل الواضح أغلب الناس إما لجهل البعض منهم أو لعناد الآخر ونظره للأمور بما يمليه عليه هواه.

     فقضية هل انتصرت حماس في غزة أم لم تنتصر؟ فأغلب الناس يعلمون أن قضية فلسطين قضية دينية «وليس المقال مجالا لاثبات ذلك» فهي حرب بين المسلمين واليهود، ولكن للأسف اختزلت إلى أن اصبحت حربا قومية بين العرب والإسرائليين؛ فخرج بذلك غير العرب من المسلمين، ثم اختزلت إلى حرب إقليمية بين الفلسطينيين والإسرائليين؛ فخرج بذلك بقية الدول العربية، وأصبح دورهم دور الراعي والمشرف على المفاوضات، ثم اختزلت إلى حرب بين اسرائيل وحماس في غزة؛ فخرج بذلك بقية الفلسطينيين كما بدا ذلك جليا من موقف فتح، وكل الحروب التي خاضها العرب مع اليهود في فلسطين لم تكن رايتها إسلامية إلا الحرب الأخيرة في غزة، فكانت حماس ترفع راية إسلامية في حربها ضد اليهود.

     فهذه نقلة نوعية في حرب العرب مع اليهود، فبعد أكثر من 60 عاما من الصراع العربي الإسرائيلي حول فلسطين وبعد كل هذا الجهد العظيم والمكر الجبار من قبل العرب العلمانيين في إبعاد دور الدين في الحرب والصراع الدائر مع اليهود في فلسطين، وأعانهم على ذلك علمانيو العالم الغربي واليهود من بعدهم إلا أن بعد ذلك كله والجهد الجهيد يعود الدين إلى الظهور من جديد بقوة فاعلة في الصراع مع اليهود، فجن جنون العلمانيين، فجيشت الجيوش لتقويض ذلك الدور، فمع بداية الحرب اتهمت حماس بأنها السبب في تلك الحرب لعدم انصياعها للإجماع العربي المتخاذل، وعندما ثبّت الله حماسا، وسقطت هذه الأكذوبة، وأوقف اليهود الحرب من جانب واحد، روجوا لأكاذيب أخرى بقولهم: هزمت حماس، وانطلت هذه الأكذوبة على بعض المسلمين، وثبّت الله -تعالى- من شاء من عباده على الحق.

     وحقيقة الحرب في غزة هي أنها حرب بين الإيمان والكفر، حرب بين جنود الرحمن وجنود الشيطان، حرب أعلنها إبليس -عليه لعنة الله- على آدم وذريته من بعده منذ أن خلق الله آدم وأمر الملائكة بالسجود له، وهي باقية إلى يوم القيامة كما سأل إبليس ربه ذلك فقال: {قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (الحجر:36). وما حرب غزة الا مظهر من مظاهر هذه الحرب.

     وتفسير انتصار حماس في غزة أو هزيمتها تناوله جانبان، جانب ديني شرعي يرى بعين الشرع والدين مستندا ومتمسكا بحقائق القرآن والسنة النبوية وثوابت الأمة، وجانب مادي علماني يرى بعين الأسباب المادية وحساباتها فقط، وشتان بين الرؤيتين، يقول سيد قطب رحمه الله عند تفسيره لآيات من سورة الروم: {الم (1) غُلبَت الرُّومُ (2) في أَدْنَى الْأَرْض وَهُمْ منْ بَعْد غَلَبهمْ سَيَغْلبُونَ (3) في بضْع سنينَ للَّه الْأَمْرُ منْ قَبْلُ وَمنْ بَعْدُ وَيَوْمَئذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمنُونَ (4) بنَصْر اللَّه يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزيزُ الرَّحيمُ (5) وَعْدَ اللَّه لا يُخْلفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكنَّ أَكْثَرَ النَّاس لا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظاهرًا منَ الْحَياة الدُّنْيا وَهُمْ عَن الْآخرَة هُمْ غافلُونَ } (الروم:1-7) قال: «والغفلة عن الآخرة تجعل كل مقاييس الغافلين تختل؛ وتؤرجح في أكفهم ميزان القيم؛ فلا يملكون تصور الحياة وأحداثها وقيمها تصوراً صحيحاً؛ ويظل علمهم بها ظاهراً سطحياً ناقصاً؛ لأن حساب الآخرة في ضمير الإنسان يغير نظرته لكل ما يقع في هذه الأرض، فحياته على الأرض إن هي إلا مرحلة قصيرة من رحلته الطويلة في الكون، ونصيبه في هذه الأرض إن هو إلا قدر زهيد من نصيبه الضخم في الوجود، والأحداث والأحوال التي تتم في هذه الأرض إن هي إلا فصل صغير من الرواية الكبيرة. ولا ينبغي أن يبني الإنسان حكمه على مرحلة قصيرة من الرحلة الطويلة، وقدر زهيد من النصيب الضخم، وفصل صغير من الرواية الكبيرة!

     ومن ثم لا يلتقي إنسان يؤمن بالآخرة ويحسب حسابها، مع آخر يعيش لهذه الدنيا وحدها ولا ينتظر ما وراءها. لا يلتقي هذا وذاك في تقدير أمر واحد من أمور هذه الحياة، ولا قيمة واحدة من قيمها الكثيرة؛ ولا يتفقان في حكم واحد على حادث أو حالة أو شأن من الشؤون. فلكل منهما ميزان، ولكل منهما زاوية للنظر، ولكل منهما ضوء يرى عليه الأشياء والأحداث والقيم والأحوال.. هذا يرى ظاهراً من الحياة الدنيا؛ وذلك يدرك ما وراء الظاهر من روابط وسنن، ونواميس شاملة للظاهر والباطن، والغيب والشهادة، والدنيا والآخرة، والموت والحياة، والماضي والحاضر والمستقبل، وعالم الناس والعالم الأكبر الذي يشمل الأحياء وغير الأحياء.. وهذا هو الأفق البعيد الواسع الشامل الذي ينقل الإسلام البشرية إليه؛ ويرفعها فيه إلى المكان الكريم اللائق بالإنسان، الخليفة في الأرض، المستخلف بحكم ما في كيانه من روح الله).

     ولا تعقيب على كلامه -رحمه الله- فقد وضح القضية توضيحا جليا، فشتان بين من يرى بنور الله وبين من يتخبط في ظلمات الهوى أو الجهل، وبين من يتكلم بكلام الله وبين من يتكلم بما تمليه عليه شياطين الإنس والجن.

     فمفهوم الانتصار مختلف لدى الجانبين، فبينما يرى أصحاب الرؤية المادية العلمانية الانتصار عبارة عن غلبة في ساحة القتال وكثرة عدد وعدة وقلة في الخسائر المادية والبشرية، نجد أن أصحاب الرؤية الدينية الشرعية يرون أن الانتصار هو التمسك بثوابت القرآن والدين والصبر على الحق حتى يأتي وعد الله وإن زُهقت الأرواح وكُلمت الجراح في سبيل الله وهُدمت البيوت، وهذا لايعني أن الإسلام لا يعظّم من النفس البشرية بل أعظم ذنب بعد الشرك بالله والكفر به يأتي قتل النفس المؤمنة كما ثبت عن النبي  صلى الله عليه وسلم أنه قال: لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم. رواه الترمذي، ولكن المؤمن إيمانه بالله ودينه عنده أعظم من نفسه التي بين جنبيه، ولذلك شرع الله الجهاد في سبيله. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في فتاويه: إن حصول النصر وغيره من أنواع النعيم لطائفة أو شخص لا ينافي ما يقع في خلال ذلك من قتل بعضهم وجرحه ومن أنواع الأذى وذلك أن الخلق كلهم يموتون فليس في قتل الشهداء مصيبة زائدة علي ما هو معتاد لبنى آدم فمن عد القتل في سبيل الله مصيبة مختصة بالجهاد كان من أجهل الناس.انتهى (قاعدة في المحبة).

     فهذا القرآن يمجد من شأن المؤمنين الذين قتلهم أصحاب الأخدود كما في سورة البروج، وذكر قصتهم في كتابه العزيز لتكون نبراسا للمؤمنين إلى يوم القيامة مع أنهم قد قتلوا وماتوا جميعا بل حتى الغلام قتل في سبيل الدعوة إلى الله، ولكنهم لتمسكهم بدينهم وثباتهم على الحق وصبرهم على الأذى كانوا في ميزان الله هم الفائزون، وأصبحوا قدوة للمؤمنين إلى يوم القيامة، فالقضية ليست قضية أسباب مادية بحتة بل هي قضية ثبات على الحق وتمسك بالدين والصبر عليه، يقول سيد قطب في تفسيره لآيات سورة البروج:

     كذلك تنتهي رواية الحادث وقد ملأت القلب بالروعة، روعة الإيمان المستعلي على الفتنة، والعقيدة المنتصرة على الحياة، والانطلاق المتجرد من أوهاق الجسم وجاذبية الأرض، فقد كان مكنة المؤمنين أن ينجوا بحياتهم في مقابل الهزيمة لإيمانهم. ولكن كم كانوا يخسرون هم أنفسهم في الدنيا قبل الآخرة؟ وكم كانت البشرية كلها تخسر؟ كم كانوا يخسرون وهم يقتلون هذا المعنى الكبير؟ معنى زهادة الحياة بلا عقيدة، وبشاعتها بلا حرية، وانحطاطها حين يسيطر الطغاة على الأرواح بعد سيطرتهم على الأجساد! إنه معنى كريم جداً ومعنى كبير جداً هذا الذي ربحوه وهم بعد في الأرض. ربحوه وهم يجدون مس النار فتحترق أجسادهم، وينتصر هذا المعنى الكريم الذي تزكيه النار؟ وبعد ذلك لهم عند ربهم حساب، ولأعدائهم الطاغين حساب. انتهى. وهذا القرآن الكريم بين أيدينا يقول الله تعالى فيه: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (التوبة: 33) و(الصف:9)، في موضعين من القرآن الكريم فأين ظهور الدين في زماننا هذا مع أن الغلبة المادية هي للكفار؟ فأقول هو ظهور الحجة والبيان كما هو ظهور بالسيف والسنان في بعض الأحيان، يقول الشيخ السعدي رحمه الله عند تفسيره لآية الصف: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} أي: ليعليه على سائر الأديان، بالحجة والبرهان، ويظهر أهله القائمين به بالسيف والسنان، فأما الدين نفسه، فهذا الوصف ملازم له في كل وقت، فلا يمكن أن يغالبه مغالب، أو يخاصمه مخاصم إلا فلجه وبلسه، وصار له الظهور والقهر، وأما المنتسبون إليه، فإنهم إذا قاموا به، واستناروا بنوره، واهتدوا بهديه، في مصالح دينهم ودنياهم، فكذلك لا يقوم لهم أحد، ولا بد أن يظهروا على أهل الأديان، وإذا ضيعوه واكتفوا منه بمجرد الانتساب إليه، لم ينفعهم ذلك، وصار إهمالهم له سبب تسليط الأعداء عليهم، ويعرف هذا من استقرأ الأحوال، ونظر في أول المسلمين وآخرهم. انتهى

     وهذه غزوة أحد كانت في بداية الأمر انتصارا لجيش المسلمين ثم كر جيش الكفار وانكسر جيش المسلمين، ولكن ماذا قال الله تعالى بعد حصول هذا الانكسار قال تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران:139)، فوصفهم بوصف «الأعلون» وإن كان هناك انكسار وقتل وجراح؛ لأن مادام ذلك حصل للمؤمنين في سبيل الله وهم ثابتون متمسكون بدينهم فهم الأعلون وان انتفش الكفر انتفاش القط، يقول سيد قطب رحمه الله عند تفسيره لآيات سورة آل عمران التي جاءت في ذكر غزوة أحد: وكان النصر أولاً، وكانت الهزيمة ثانياً وكان الانتصار الكبير فيها بعد النصر والهزيمة انتصار المعرفة الواضحة والرؤية المستنيرة للحقائق التي جلاها القرآن؛ واستقرار المشاعر على هذه الحقائق استقرار اليقين. وتمحيص النفوس، وتمييز الصفوف، وانطلاق الجماعة المسلمة - بعد ذلك - متحررة من كثير من غبش التصور، وتميع القيم، وتأرجح المشاعر، في الصف المسلم. وذلك بتميز المنافقين في الصف إلى حد كبير، ووضوح سمات النفاق وسمات الصدق، في القول والفعل، وفي الشعور والسلوك. ووضوح تكاليف الإيمان، وتكاليف الدعوة إليه والحركة به، ومقتضيات ذلك كله من الاستعداد بالمعرفة، والاستعداد بالتجرد، والاستعداد بالتنظيم، والتزام الطاعة والاتباع بعد هذا كله، والتوكل على الله وحده، في كل خطوة من خطوات الطريق، ورد الأمر إلى الله وحده في النصر والهزيمة، وفي الموت والحياة، وفي كل أمر وفي كل اتجاه.

     وكانت هذه الحصيلة الضخمة التي استقرت في الجماعة المسلمة من وراء الأحداث، ومن وراء التوجيهات القرآنية بعد الأحداث، أكبر وأخطر - بما لا يقاس - من حصيلة النصر والغنيمة.. لو عاد المسلمون من الغزوة بالنصر والغنيمة.. وقد كانت الجماعة المسلمة إذ ذاك أحوج ما تكون لهذه الحصيلة الضخمة.. كانت أحوج إليها ألف مرة من حصيلة النصر والغنيمة، وكان الرصيد الباقي منها للأمة المسلمة في كل جيل أهم وأبقى كذلك من حصيلة النصر والغنيمة. وكان تدبير الله العلوي من وراء ما بدا في الموقعة من ظواهر النقص والضعف والتميع والغبش في الصف المسلم، ومن وراء الهزيمة التي نشأت عن هذه الظواهر.. كان تدبير الله العلوي من وراء هذا الذي وقع وفق سنة الله الجارية، حسب أسبابه الطبيعية الظاهرة، تدبيراً كله الخير للجماعة المسلمة في ذلك الحين، لتنال هذه الحصيلة الضخمة من العبرة والتربية، والوعي والنضج، والتمحيص والتميز، والتنسيق والتنظيم. وليبقى للأمة المسلمة في أجيالها المتعاقبة هذا الرصيد من التجارب والحقائق والتوجيهات التي لا تقدر بثمن. ولو كان هذا الثمن هو النصر والغنيمة. انتهى.

     نعم حرب غزة كانت فيصلا وكانت تحولا كبيرا في تاريخنا المعاصر، فلن تكون الأوضاع كما هي قبل حرب غزة، وبانت الشمس لذي عينين، وتميزت الصفوف، وكُشف المستور، وكشر النفاق عن انيابه لينهش في جسد الأمة حتى لا تقوم لها قائمة ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ولو كره المنافقون.

     فبميزان الله إذا ثبت المؤمن على دينه، وتمسك بالحق، واتقى الله، وصبر فهو الأعلى وهو الفائز المنتصر وإن وقع القتل وحصلت الجراحات، وسبيل النصر بيّن الله في كتابه أنه لا بد له من صبر وتقوى يقول تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (آل عمران:120). وقال تعالى في آخر سورة آل عمران: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران:200) فصبر حماس وأهل غزة في تلك الحرب هي بداية النصر لهذه الأمة، كما قلنا سابقا لم تدخل الأمة حربا مع اليهود رايتها إسلامية، وحرب غزة هي أول حرب مع اليهود رايتها اسلامية ترفع شعار لا إله إلا الله – فيما نظن ولا نزكي على الله احداً – فإذا كان الصبر والتقوى فقد وعد الله الأمة بالنصر المبين.

     فبمنظور الشرع والدين كان تمسك حماس وأهل غزة بدينهم وثباتهم على الحق (وهو الحق الشرعي لهذه الأمة بأرض الإسراء والمعراج) كان فتحا عظيما حفظ الله به قضية الأمة (قضية فلسطين) من الضياع، فلولا ان الله ثبّت اهل غزة وحماس لذهبت قضية الأمة، وهذا بحد ذاته نصر عظيم،قلب موازين أهل النفاق والكفر، وجعلهم يحيصون حيصة الحمر الوحشية، ونسأل الله أن يتقبل من مات منهم مع الشهداء الأبرار وألا يضيع أجر من بقي منهم، وأما من سخر واستهزأ بما يحدث لإخواننا في غزة فهذا ليس ببعيد عن أخلاق أهل النفاق، فهم قد استهزؤوا بمن هم خير منا استهزؤوا برسول الله –  صلى الله عليه وسلم – وصحابته الكرام وظنوا أن الله لن ينصر دينه فقال تعالى عنهم: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (الفتح:6). وقال ايضا: {بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَٰلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا} (الفتح: 12)، فأهل النفاق لايريدون أن تقوم لهذا الدين وأهله قائمة، ويريدون من كل الناس أن يروا من منظورهم هم فقط ففاجأهم الإسلاميون بطرحهم الديني العقلاني الذي وضحوا به الحقيقة للناس.

     والله -تعالى- لم يشترط جنسا لنصرة دينه بل من قام بهذا الدين فهو المنصور كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (المائدة:54)، فإذا قام أهل غزة وغير أهل غزة بهذا الدين فإن الله معهم والنصر حليفهم وإلا كما قال تعالى في آخر أية من سورة محمد: {هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} (محمد:38).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك