حقيقة الوسطية
كثر هذه الأيام الحديث عن الوسطية؛ وذلك لما يمر به العالم من أزمات وفتن، كان من أسبابها تصرفات طائشة صدرت من بعض الشباب المنتمين إلى بعض الحركات الإسلامية، قوبل بردود فعل غالية بل طائشة، وقد اتسعت دائرة تلك المعركة حتى شملت المبادئ والأصول الدينية والمفاهيم الإسلامية، وفي خضم هذه المعارك برز مفهوم الوسطية الإسلامية، يتداوله فئات مختلفة من الناس يرجعون إلى منطلقات متباينة، دعواها واحدة وأهدافها مختلفة، كل يريد أن يبرهن أن الوسطية الحقة هي ما يفهمه ويريد تسويقه للناس، وأن بعض تلك الأفهام متطرفة بعيدة عن الوسط والوسطية، سواء منها ما كان في طرف الغلو أم الجفاء وكلا طرفي قصد الأمور ذميم؛ لذا وجب على أهل العلم وحملة الشريعة بيان ذلك المفهوم البيان الشافي الحق؛ حتى لا تمرر الأغاليط، ولا تستقر في وعي الأمة مفاهيم مغلوطة، تحسبها من عند الله وما هي من عند الله؛ فتضل بها وتفتن، وإن الواجب في هذا الموقف بيان الحقائق الآتية:
الحقيقة الأولى
إن أمة الإسلام حقاً هي الأمة الوسط بشهادة القرآن الكريم: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً}؛ فأمة الإسلام هي الوسط بين الأمم الغالية كالنصارى والجافية كاليهود؛ ولذلك أمر المسلم أن يسأل الله الهداية إلى هذه الوسطية في كل ركعة من ركعات صلاته حين يختم الفاتحة بهذا الدعاء العظيم: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}.
الحقيقة الثانية
إن أول من يدخل في الوسطية هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فهم المخاطبون مباشرة بتلك الآية الشاهدة بالوسطية لهذه الأمة، فهم الأمة الوسط في فهمهم للإسلام وفي تطبيقهم له، وفي عقيدتهم وعبادتهم ومعاملتهم وأخلاقهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وجهادهم في سبيل الله، ومن سار على طريقهم واقتفى أثرهم في ذلك كله فهو الوسط مهما كان زمانه ومكانه، ومهما كانت نظرة الناس إليه وقولهم فيه ورضاهم عنه أو سخطهم عليه، ومن خالفهم في ذلك كله أو بعض فهو مائل عن الوسطية متطرف حائد عن الصراط المستقيم بقدر ميله مهما كان.
الحقيقة الثالثة
إن الميزان الحقيقي الذي توزن به الفئات و الجماعات ويحكم به على توسطها أو تطرفها هو الكتاب والسنة وفهم وسيرة الصحابة الكرام الثابتة عنهم، وكل من خالف نصاً شرعياً أو منهجاً سلفياً ثابتاً فهو متطرف.
الحقيقة الرابعة
إن الوسطية الحقة هي الحق بين الباطلين، والهدى بين الضلاليين، وليس هي التوسط بين الحق والباطل أو بين الهدى والضلال؛ فما خرج عن الحق فهو باطل وما خرج عن الهدى فهو ضلال قال تعالى: {فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون}.
الحقيقة الخامسة
إن الوسطية هي أخذ الدين كله دون تفريطٍ في أي شيء منه، ودون إضافة أي شيء إليه، يقول الله -تعالى- آمراً بأخذ الدين كله دون نقصان: {يا أيها الذين ءامنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين}، ويقول في بيان كمال الدين وعدم نقصانه أو الحاجة إلى إضافة إليه: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً» فالوسطي هو من تمسك بهذا المبدأ.
الحقيقة السادسة
إن أخذ الدين والعمل به والدعوة إليه كل ذلك له أصول معلومة وقواعد ثابتة وضوابط دقيقة، والوسطية هي أخذ الدين والعمل به والدعوة إليه وفق تلك الأصول والقواعد والضوابط، فمن ألغى شيئاً من ذلك أو استبدله بغيره فقد جانب الوسطية وتطرف إلى غلوٍ أو جفاء غير مقبول.
الحقيقة السابعة
إن معرفة الوسطية والحكم على عمل ما أو فهم ما أو فئة ما أنها في حيز الوسطية أو خارجة عنها راجعة إلى أولي الأمر الذين أمر الله بالرجوع إليهم وهم العلماء، أهل الرسوخ في العلم والاجتهاد فيه، الذين ثبت لهم فيه قدم الصدق واتفقت الكلمة على قبولهم والرجوع إليهم، وعلى عامة الأمة ودعاتها وطلاب العلم وطلاب الحق منها الرجوع إليهم في ذلك، وعدم أخذ هذا المفهوم العظيم من كل من هب ودب من الخائضين في الدين بغير علم ورويبضات الصحافة والإعلام.
لاتوجد تعليقات