رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: صالح بن عبدالله العصيمي 29 يوليو، 2019 0 تعليق

حقيقة الالتزام (2)


ذكرنا فيما سبق أن الالتزام هو الاستقامة على الشرع والعمل به والاتباع لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا هو حقيقة الالتزام، ولكن الملتزم حقًّا يجب عليه أن يقوم بأعمال معينة حتى يَصْدُق عليه قول ملتزم؛ ومن هذه الأعمال التمسك بالسنة.

إن الشاب الملتزم هو الذي تمسك بالسنة تمسكًا محكمًا، وبذلك يكون من أهل السنة ومن أهل الشريعة، ويكون هو الجماعة، وإن قلّ مَن يقوم بها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بأن أهل النجاة وأهل الاستقامة وأهل الصراط المستقيم هم الذين ساروا على ما كان عليه هو وأصحابه عندما ذكر حديث افتراق الأمة.

ما أنا عليه وأصحابي

     فعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملّة؛ كلهم في النار؛ إلا واحدة. قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي. من هذا الحديث يتبين أن الفرقة الناجية هي التي سارت على سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتمسكت بها واتبعته - صلى الله عليه وسلم - في كل شؤون الحياة.

السنة النبوية

ولا شك أن السنة النبوية مدونة وموجودة وقريبة وسهلة التناول لمن طلبها، فما علينا إلا أن نبحث عنها فإذا عرفنا سنة من السنن عملنا بها حتى يَصْدُق علينا قول (فلان ملتزم)، ولا ننظر إلى من يُخَذّل أو من يحقر أو من يستهزئ ونحو ذلك.

فعل الطاعات

     والسنن قد تكون من الواجبات، وقد تكون من الكماليات أو من المستحبات، وقد تكون من الآداب والأخلاق، فعلى المسلم أن يعمل بكل سنة يستطيعها، ويكون ذلك احتسابًا للأجر وطلبًا للثواب، فالملتزم هو الذي إذا سمع حديثًا سارع في تطبيقه، ويحرص كل الحرص على العمل به ولو كان من المكملات أو من النوافل، فتراه مثلا يسابق إلى المساجد ويسوؤه إذا سبقه غيره! وتراه يسابق إلى كثرة القراءة وكثرة الذكر أكثر من غيره! وتراه يكثر من أنواع العبادات ويحرص كل الحرص أن تكون أعماله وعباداته متبعًا فيها السنة، وليس فيها شيء من البدع حتى تكون تلك الأعمال والعبادات مقبولة عند الله؛ لأنه متى قبل العمل فاز المسلم برضوان ربه، نسأل الله أن تكون أعمالنا مقبولة عنده إنه سميع مجيب.

طلب العلم

     ومن أعمال الملتزم المستقيم طلب العلم، فالشاب الملتزم والمستقيم يجب عليه أن يكون داعية إلى الله -تعالى-؛ فيدعو الناس إلى الاستقامة والالتزام وتطبيق شرع الله -سبحانه- في حياته، وحتى يكون الشاب الملتزم داعية إلى الله على بصيرة يجب عليه أن يطلب العلم الشرعي.

 حتى يعبد الله على نور

كما يجب على الشاب الملتزم والمستقيم أن يطلب العلم حتى يعبد الله على نور وبرهان، وليس على جهل وضلال.

ووسائل العلم - والحمد لله كثيرة - ومتيسرة، فهناك حلقات العلماء في المساجد، وهناك المكتبات الخيرية، وهناك المدارس والجامعات في كل مكان، وهناك كتب العلماء قديمًا وحديثًا، وهناك الأشرطة المسجلة لدروس العلماء ومحاضراتهم وغير ذلك.

فنوصيك أيها الملتزم بأن تتزود بالعلم النافع، وتحرص على أن تدرك ما تستطيع منه بأي وسيلة وبأي سبب من الأسباب، لتكون بذلك من ورثة الأنبياء الذين ورثوا العلم وأخذوا منه بحظ وافر.

ترك البدع والمعاصي والملاهي

     ومن أعمال الملتزم والمستقيم ترك البدع والمعاصي والملاهي؛ فالشاب الملتزم والمستقيم هو ذلك الشاب الذي حرص كل الحرص على تطبيق شرع الله، وتطبيق تعاليم الإسلام، كما أنه حرص كل الحرص على البعد عما يدنس عرضه، وعما يقدح في عدالته، وعما ينقص من قدره ومكانته وذلك بترك البدع والمعاصي والملاهي، أما الكفر والشرك فمعلوم حكمه، وننزه الشاب الملتزم أن يصل إلى هذا.

أما هذه الثلاثة وهي: البدع والمعاصي والملاهي فهي التي يجب أن يحرص الشاب الملتزم على تركها والتمسك بالسنة حتى يكون من أهل النجاة -بإذن الله تعالى.

 الدعاة إلى البدع

     إن الدعاة إلى البدع كثيرون، ولاسيما في هذا الزمان، فهم يضيفون البدع إلى الشريعة، وما عرفوا أن شريعة الله كاملة لا نقص فيها، وموضوع البدع وتفنيد شبهات أهلها وضرب الأمثلة عليها موضوع طويل، ومن أراد البحث في ذلك رجع إلى المؤلفات في ذلك.

المعاصي

     أما المعاصي: فما أكثرها اليوم، وما أكثر الدعاة إليها، حتى أصبح من الدعاة إلى المعاصي من يزينون المعصية، ويقولون: إنها من الضروريات! أو أنها من مسايرة الزمان! أو أن أهل هذا الزمان بحاجة إليها ولا يستغنون عنها! وما أشبه ذلك. ولنأخذ مثلا على ذلك (الأغاني)؛ فهناك من يقول: إنها تنشط الجسد، وأنها تنمي الفكر، وأنها غذاء الروح، وأنها تقوي الذكاء، وأنها تسلي الإنسان، وأنها قضاء للوقت، وأنها... وأنها....، ثم يضربون صفحًا عن مضارها، وعن الأسباب التي توقع فيها؛ بل ويضربون صفحًا عن النصوص التي تدل على تحريمها.

الأفلام الخليعة

     ومثلا آخر (الأفلام الخليعة)؛ فهاك من يدعوك إلى النظر إليها، ويقول فرِّج عن نفسك يا أخي؛ فإنك بحاجة إلى أن تمتع عينيك وتسلي قلبك، وانظر إلى هذا الجمال وهذه الصور، ومتع نفسك! وهكذا ينشرون مثل هذه الشبهات ثم لا يذكرون شيئًا من الأضرار التي توقع فيها، فلا يذكرون أنها تزرع الفتن في القلوب، وأنها تدعو إلى المعاصي والوقوع في الفواحش، وأنها تشجع النساء على التكشف وعلى السفور وعلى الاختلاط بالرجال، وأنها وسيلة إلى فعل الجرائم الشنيعة، فكل هذا لا يذكرونه أبدًا.

حقيقة من حقائق التزامك

فيا أخي الملتزم، إن ابتعادك عن مثل هذا هو حقيقة من حقائق التزامك، وضرورة من ضروريات استقامتك.

     وخذ مثلا على تناول (المشروبات المحرمة)؛ فهناك من يقول: إنها مشروبات روحية! وأنها تنقل الإنسان من عالم إلى عالم آخر! وأنها أشربة طيبة! وأنها تسلي الإنسان ولا ضرر فيها! وغير ذلك من الضلال والانحراف، ونسوا أو تناسوا قول الله -تعالى-: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

     أما الملاهي: فحدِّث ولا حرج، فهي تلك المجالس المليئة باللغو والباطل والكلام الذي لا فائدة فيه، والقيل والقال، وقد مدح الله المؤمنين بقوله -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}، فجعل من صفات المؤمنين البعد عن اللغو وهي : الصفة الثانية بعد الصلاة، وهذه حقيقة الملتزم، وهي: البعد عن الملاهي واللغو والمجالس الخالية من ذكر الله.

الدعوة إلى الله

     ومن أعمال الملتزم والمستقيم: الدعوة إلى الله، فبعد أن يمنَّ الله عليك، ويكمل التزامك، وتكمل استقامتك، وتكمل نفسك فتطهرها من المعاصي، وتهذبها على الطاعة، وتستقيم على السنة وتعمل بها، ماذا يجب عليك بعد ذلك يا أخي؟ يجب عليك أمر مهم وعمل من أهم أعمال الملتزم والمستقيم، هذا الأمر هو الدعوة إلى الله.

الدعوة إلى الله من خلال دعوة إخوانك الأشقاء، ودعوة إخوانك من الأصدقاء والزملاء، ودعوة جلسائك ومحبيك ونحوهم، ولا شك أن هذا من واجب المسلم نحو إخوانه، وما ذاك إلا أنه إذا لم يدعهم فإنهم سوف يدعونه إلى باطلهم وضلالهم.

ابذل ما تستطيعه

     أخي الشاب المسلم الملتزم والمستقيم! ألستَ تحب أن يكثر أتباعك وأعوانك؟ ألستَ تحب أن يكثر أنصارك الذين يذبون عنك؟ ألست تحب أن يكثر أهل الخير وتحب أن يكون شبابهم وأولادهم على الدين الحنيف؟! إذا كنت تحب ذلك؛ فابذل ما تستطيعه من الأسباب، فتأخذ بأيدي إخوانك، وتسير بهم معك على الطريق الذي أنت تسير عليه، وتحرضهم على أن يلتزموا ويستقيموا عليه، كما استقمت أنت عليه.

فما أحوجنا إلى كثرة الدعاة! وما أحوجنا إلى كثرة المعلمين والمرشدين ونحوهم! فلأجل ذلك عليكم بالدعوة إلى الله بما تستطيعون حتى يكثر الدعاة، ويكثر أهل الخير في كل مكان.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك