رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: صالح بن عبدالله العصيمي 24 يوليو، 2019 0 تعليق

حقيقة الالتزام (1)

 

الملتزم هو ذلك الشاب المستقيم على الشرع والعامل به، والمتبع لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذه هي حقيقة الالتزام، والأعمال التي يقوم بها الملتزم، إما أن تكون من الواجبات، وإما أن تكون من السنن، وإما أن تكون من نوافل العبادة ومن نوافل الطاعات، وإما أن تكون من فروض الكفايات، والملتزم الذي كمل التزامه مطلوب منه القيام بهذه الأعمال حتى يصْدُق عليه قول: (ملتزم).

ولتوضيح ذلك نذكر بعض الأعمال على وجه التمثيل حتى نعرف بذلك حقيقة الالتزام، ثم نشير بعد ذلك إلى الحقيقة التي ينبغي أن يكون عليها الناس في اصطلاحهم؛ فمثلا: إذا رأى الناس الشاب وقد ظهرت عليه علامات التدين والصلاح قالوا: هذا شاب ملتزم.

من صفات الشباب الملتزم

     إذا رأى الناس الشاب وقد أعفى لحيته، ورفع ثوبه، وحافظ على الصلاة وسابق إليها، واقترن بأصحاب الخير وصحبهم، وسارع إلى الأعمال الخيرية، وزهد في المعاصي والمحرمات، وأقبل على حلقات العلماء ومحاضراتهم، وأكب على تعلم العلم الصحيح واقتناء كتب السنة ومجالسة الصالحين؛ فهذا عندهم ملتزم، وهذه بلا شك من صفات الشباب الملتزم الذي قد حافظ على هذه الصفات؛ لأنه عرف أن الله -تعالى- أمره بذلك وأحبها منه.

الشباب المنحرف

     ولكن هناك من يخالف في ذلك -وهم كثير على مر الزمان والعصور- من الشباب المنحرف؛ فكم دعوه إلى التخلي عن العبادة فخالفهم ونابذهم؛ لأنه عرف أنهم على ضلال وعلى باطل، لقد رأينا الكثير منذ ثلاثين أو أربعين سنة قد فشا حلق اللحى في الشباب، ولاسيما في الطلاب الذين يدرسون في المدارس والمعاهد والجامعات.

تربية خطأ

     لقد تربى هؤلاء الشباب على حلق اللحى، وسبب ذلك أن الذين ربوهم وعلموهم كانوا على هذه الطريقة فقلدوهم، حتى أصبح الأمر مشهورًا لا يُسْتَنْكَر، وأصبح الذين يتكلمون فيه كأنهم يتكلمون في شيء فضولي، ولكن وفق الله بعض عباده فعرفوا الحق كما ينبغي، فقالوا: لماذا هذه المعصية الظاهرة؟! ولماذا هذه المعاندة الظاهرة؟! أليست طاعة الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالتقديم والاتباع؟! ثم أليس كبار المعلمين وكبار المفكرين العاقلين أولى بتطبيق السنة حتى يكونوا قدوة حسنة لغيرهم؟!  

تطبيق شرع الله

     إنه يجب علينا أن نطبق شرع الله ونعمل بالسنة، ولو لقينا ما لقينا؛ فنوفر اللحى ولو استهزأ بنا الآخرون، ولو سخر منّا فلان وفلان؛ فما دمنا متبعين وما دمنا متمسكين وكان دليلنا في ذلك الكتاب والسنة؛ فلا يضرنا الاستهزاء ولا السخرية؛ فلأجل ذلك قام بعضهم ممن هداهم الله بتطبيق السنة والحرص عليها، غير ناظرين لمن خالفهم من جماهير الناس، وعلينا أن نعلم أن توفير اللحى سنة يجب اتباعها، وهي من صفات الشاب الملتزم، ولكن ليست هي الالتزام كله.

وتقف معًا على معان وأمور أخرى ينبغي أن يلتزم بها من وفقه الله -تعالى- للاستقامة، ويكون دليله في ذلك الكتاب والسنة.

الالتزام هو الاعتصام

     قال -تعالى-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، والاعتصام هو لزوم الشيء والتمسك به، وحبل الله -تعالى- هو السبب الذي يوصل إلى رضاه، ويوصل إلى ثوابه، ويوصل إلى جنته ودار كرامته، وسماه الله -تعالى- حبلا في هذه الآية؛ لأن من تمسك به نجا، ومن تركه اختل تمسكه واختل سيرهُ.

الالتزام هو التمسك

     قال -تعالى-: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا}، والتمسك هو القبض على الشيء قبضًا محكمًا بما يستطيع، وهذا أمر من الله -تعالى- أن نتمسك بشرعه بما نستطيع، كما قال -تعالى-: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، ثم بين الله -سبحانه وتعالى- أن الاستمساك بالعروة الوثقى لا يكون إلا بأمرين وهما:

1- الكفر بالطاغوت.

2- الإيمان بالله -تعالى.

أما تفسير الطاغوت وتفسير الإيمان بالله فلا حاجة إلى الخوض فيه؛ لأن هذه الرسالة المختصرة لا تسمح بذلك، ويمكن الرجوع إلى المؤلفات في هذا الأمر.

الالتزام هو الاستقامة

     قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، وقال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا}، قال ابن القيم: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: استقاموا على محبته وعبوديته فلم يلتفتوا عنه يمنة ولا يسرة. والاستقامة هي السير السوي الذي ليس فيه اعوجاج ولا انحراف، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعالب.

حديث: «قل آمنت بالله ثم استقم»

     عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك -وفي حديث أبي أسامة غيرك- قال: «قل آمنتُ بالله ثم استقم»، أمره الرسول صلى الله عليه وسلم  بالاستقامة، وهي أن يسير سيرًا سويًّا ليس فيه أي انحراف أو مخالفة، وهذا هو حقيقة الالتزام.

حديث: «فعليكم بسنتي»

     عن العرباض بن سارية قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح؛ فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب؛ فقال قائلٌ: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا؛ فقال: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن كان عبدًا حبشيًّا؛ فإنه من يعِش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة».

     وهكذا يأمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالتمسك بالسنة والعض عليها بالنواجذ، ذلك أن القبضَ باليدين فيه عرضة للتفلت؛ فلأجل ذلك من شدة حرصه صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالعض عليها بالنواجذ، والنواجذ هي أقاصي الأسنان، وهذا كناية عن شدة التمسك بالسنة مخافة أن تتفلت، والرسول صلى الله عليه وسلم يوصي بالتمسك بالسنة ويشدد في ذلك؛ لأن المعوقات كثيرة، والشبهات متعددة، وهذه المعوقات والشبهات قد تضعف التمسك بالسنة؛ فلأجل ذلك أوصى صلى الله عليه وسلم بشدة التمسك بالسنة.

الملتزم حقًّا

والشاب الملتزم حقًّا: هو الذي يتمسك بالسنة ويقبض عليها قبضًا محكمًا؛ فيقبض عليها بيديه وعضديه مخافة أن تتفلت منه، ولو أدى ذلك إلى العض عليها بأقاصي أسنانه.

وقفات مع الحديث

     لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أوصى بالتمسك بالسنة بهذه الشدة، إلا لأنه يعرف أن هناك معوقات، وأن هناك ضلالات وشبهات ودوافع، وهذه الشبهات والضلالات قد ترخي تمسك الإنسان بهذه السنة، ولكن إذا عرف الشاب الملتزم أن تمسكه بالسنة وسيلة لنجاته، وأن إخلاله بها وسيلة إلى هلاكه ودمار لحياته؛ فإنه بلا شك يتمسك بها أشد ما يكون التمسك.

الذي يعمل بالسنة

     أمر آخر وهو أن الملتزم الذي يعمل بالسنة كما أُمرَ، لاشك أنه يلاقي من أعدائه ومن أضداده تسفيهًا، وتَضليلا، واستهزاءً، وتنفيرًا، وكيدًا، وتنقصًا لحالته، واستضعافًا لرأيه ورميًا له بالعيوب، وهذا ليس بخافٍ على أحد؛ فإننا نسمع ما يُرْمَى به الملتزمون من كلمات التنقص؛ فإذا رأوه وقد أرخى لحيته، قالوا: هذه لحية كأنها  ذنب تيس، أو كأنه عاض على جاعد، أو كأنها  مكنسة بلدية، أو كأنها، أو كأنها، وهذه كلها شبهات وعوائق تعيق الإنسان عن سيره وتمسكه بالسنة الشريفة.

الانتكاس

     ثم أمر آخر: لقد رأينا كثيرًا من شبابنا الذين رجعوا إلى الله -تعالى- وأقبلوا على الطاعة، وصحبوا أهل الخير، ثم بعد فترة قليلة، وبعد زمن قصير رجعوا القهقرى، وغيروا ما كانوا عليه من الالتزام والتمسك، وعادوا إلى لهوهم وسهوهم، وعادوا إلى المعاصي التي كانوا عليها من قبل، لماذا؟؛ لأن التزامهم لم يكن محكمًا، وتمسكهم لم يكن قويًّا، فضلا عن ضعف إيمانهم مما جعلهم متدينين برهة من الزمان، ثم رجعوا إلى الانحراف.

القبض على السنة

     إذًا فعلى المسلم أن يكون قابضًا على السنة وسائرًا على النهج السوي والمنهج المستقيم، الذي هو صراط الله الذي أمرنا بأن نسلكه وأن نسير عليه، الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه طريق واحد مستقيم ليس فيه أي انحراف أو ميل كما في قوله -تعالى-:  {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، وقوله -تعالى-: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ}، والمستقيم الذي ليس فيه اعوجاج .

حديث: «هذا سبيل الله مستقيمًا»

     عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًّا بيده، ثم قال: «هذا سبيل الله مستقيمًا»، وخطَّ عن يمينه وشماله، ثم قال: «هذه السبل، ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه»، ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}، هذه السبل التي كل منها عليه شيطان يدعو إليها ليس بالضرورة أن يكون شيطان جن، بل قد يكون من شياطين الإنس، وما أكثرهم في هذا الزمان وكل زمان!؛ فهم يدعون إلى مخالفة صراط الله والابتعاد عنه، إنهم يدعون إلى الطرق المنحرفة وإلى الطرق الملتوية، ولكن المستقيم والملتزم بشرع الله، والمتمسك تمسكًا قويًّا، يستطيع أن يتفلت من هؤلاء إذا دعوه إلى أهوائهم وشهواتهم وإلى الطرق المنحرفة؛ وذلك لأن سير المسلم على هذا الصراط سير سريع لا يتمكن دعاة الضلال من إيقافه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك