رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أحمد فريد 10 أبريل، 2018 0 تعليق

حقيقة الإيمان والكفر

 

الإيمان لغة  التصديق، وشرعاً : تصديق الرسول بما جاء به عن ربه، وهذا القدر متفق عليه، ثم وقع الاختلاف، هل يشترط مع ذلك مزيد أمر لإبداء هذا التصديق باللسان المعبر عما في القلب؛ إذ التصديق من أفعال القلوب، أو من جهة العمل بما صدق ذلك كفعل المأمورات وترك المنهيات؟ فالسلف قالوا: هو اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالأركان، وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله؛ ومن هنا نشأ القول بالزيادة والنقصان كما سيأتي.

 - والمرجئة قالوا : هو اعتقاد ونطق فقط . والكرامية قالوا : هو نطق فقط .

- والمعتزلة قالوا: هو العمل والنطق والاعتقاد، والفارق بينهم وبين السلف، أنهم جعلوا الأعمال شرطاً في صحته، والسلف جعلوها شرطاً في كماله.

- إلي أن قال: وأما المقام الثاني فذهب السلف إلى أن الإيمان يزيد وينقص، وأنكر ذلك أكثر المتكلمين وقالوا: متى قيل ذلك كان شكاً .

     قال الشيخ محيي الدين النووي: والأظهر المختار أن التصديق يزيد وينقص بكثرة النظر ووضوح الأدلة؛ ولهذا كان إيمان الصديق أقوى من إيمان غيره؛ بحيث لا يعتريه الشبهة، ويؤيده أن كل أحد يعلم أن ما في قلبه يتفاضل حتى إنه يكون في بعض الأحيان أعظم يقيناً وإخلاصاً وتوكلاً منه، وكذلك في التصديق والمعرفة بحسب ظهور البراهين وكثرتها .

روى اللالكائي في (كتاب السنة) بسنده عن البخاري قال : لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار؛ فما رأيت أحداً منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص.

وقال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً؛ فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى» متفق عليه .

     قال ابن القيم -رحمه الله-: «لما كان الإيمان أصلاً له شعب متعددة، وكل شعبة منها تسمى إيماناً؛ فالصلاة من الإيمان، وكذلك الزكاة والحج والصيام والأعمال الباطنة، كالحياء، والتوكل، والخشية منه، والإنابة إليه، وحتى تنتهي هذه الشعب إلى إماطة الأذى عن الطرق؛ لأنه شعبة من شعب الإيمان .

     وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها كشعبة الشهادة، ومنها ما لا يزول بزوالها، كترك إماطة الأذى عن الطريق، وبينهما شعب متفاوتة تفاوتاً عظيماً، منها ما يلحق بشعبة الشهادة، ويكون إليها أقرب، ومنها ما يلحق بشعبة إماطة الأذى عن الطريق ويكون إليها أقرب .

     وكذلك الكفر ذو أصل وشعب؛ فكما أن شعب الإيمان إيمان؛ فشعب الكفر كفر، والحياة شعبة من شعب الإيمان، وقلة الحياة شعبة من شعب الكفر، والصلاة، والزكاة، والصيام، من شعب الإيمان، وتركها من شعب الكفر، والحكم بما أنزل الله من الإيمان، والحكم بغير ما أنزل الله من شعب الكفر، والمعاصي كلها من شعب الكفر، كما أن الطاعات من شعب الإيمان .

     قال ابن القيم -رحمه الله-: لا يلزم من قيام شعبة من شعب الإيمان بالعبد أن يسمى مؤمناً، وإن كان ما قام به إيماناً، ولا من قيام شعبة من شعب الكفر به أن يسمى كافراً، وإن كان ما قام به كفراً، كما أنه لا يلزم من قيام جزء من أجزاء العلم به أن يسمى عالماً، ولا من معرفة بعض مسائل الفقه والطب أن يسمى فقيهاً، ولا طبيباً .

لا يمنع ذلك أن تسمي شعبة الإيمان إيماناً، وشعبة النفاق نفاقاً، وشعبة الكفر كفراً، وقد يطلق على الفعل كقوله : «فمن تركها فقد كفر»، و«من حلف بغير الله فقد كفر» رواه الحاكم في (صحيحه) بهذا اللفظ .

     فمن صدر منه خلة من خلال الكفر فلا يستحق اسم كافر على الإطلاق، كذلك يقال لمن ارتكب محرماً أنه فعل فسوقاً، لا أنه فسق بذلك المحرم، ولا يلزمه اسم فاسق بغلبة ذلك عليه، وهكذا الزاني والسارق والمنتهب لا يسمي مؤمناً وإن كان معه إيمان، كما أنه لا يسمى كافراً وإن كان ما أتي به من خصال الكفر، إذاً المعاصي كلها من شعب الكفر، كما أن الطاعات كلها من الإيمان.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك