رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد رفيق مؤمن الشوبكي 25 يوليو، 2019 0 تعليق

حقوق المهجَّرين في الشريعة الإسلامية


إن حقوق الإنسان في الإسلام من الثوابت التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي؛ فهي ليست حقوقاً سياسية ودستورية فحسب، بل هي واجبات دينية يكلف بها الفرد والمجتمع، كل في نطاقه، وفي حدود المسؤولية التي ينهض بها. ويمكن الاستدلال على أن حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم حق مقدس في الشريعة الإسلامية لا يجوز التنازل عنه، من خلال مجموعة من الأدلة الشرعية نوردها في هذا المقال.

الأدلة من القرآن الكريم

قال -تعالى-: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ}.

وجه الدلالة

     أوجب الله -عز وجل- علينا في هذه الآية الكريمة أن نُخرِج من ديارنا مَن أخرجنا منها، وسيطر عليها بالقوة، ولاسيما وأننا أُخرجنا منها بغير حق؛ فالله يقول: {وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} هذا أمر، وكل أمر للوجوب، فإذا أَخرَجنا العدو، واعتدى على أرضنا وطردنا منها؛ فالواجب علينا أن نخرجه من حيث أَخرَجنا، وكيف يتحقق هذا الإخراج مع وجود فكرة التنازل عن حق العودة؟ قال -تعالى-: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.

اتفاق السلف والخلف

     اتفق السلف والخلف وفقهاء المذاهب الأربعة على وجوب النفور للجهاد إذا دخل الكفار بلاد المسلمين، ولما كان النفور فرضاً وواجباً لاسترداد أرض فلسطين من اليهود المغتصبين، فإن من المسلم به أن التنازل عن حق العودة إلى الديار التي هُجِّروا منها قسراً محظور ومحرم، وأن حق العودة حق شرعي وواجب تبذل له الأموال والأنفس، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.

وجه الدلالة

     أن الآية نهت عن الخيانة والنهي يقتضي التحريم؛ فالأمانات والحقوق لا يجوز التصرف فيها إلا وفق شرع الله -سبحانه وتعالى-، ومن ثم إذا كان التنازل عن الأرض والحقوق الخاصة يؤدي إلى ضياع المصالح العامة والمقدسات، فهو خيانة لله وللرسول وخيانة للأمانة وهو محرم شرعاً.

الأدلة من السنة النبوية

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَكَّةَ، قَالَ: «أَمَا وَاللَّهِ لأَخْرُجُ مِنْكِ، وَإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكِ أَحَبُّ بِلادِ اللَّهِ إِلَيَّ وَأَكْرَمُهُ عَلَى اللَّه، وَلَوْلا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مَا خَرَجْتُ».

وجه الدلالة

     إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أُخرج من مكة وهو خارج وقف على أطلالها متأثراً، وهنا إشارة إلى حب الوطن الذي هو من صفات الإنسان الشهم، ومن صفات المسلم المتمسك بدينه، كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تعرض للمساومات والضغط؛ فلم يتنازل وبقيت قضية العودة إلى مكة في قلبه؛ حتى كان العود والنصر في فتح مكة، والواجب كذلك على الفلسطينيين أن يبقوا مجاهدين وألا يتنازلوا عن حق العودة إلى ديارهم ومقدساتهم كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين.

من أقوال المختصين

     «حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم ليس حقاً شخصياً، بل حقاً للأمة، لا تتنازل عنه تحت أي ظرف وإلا فإنه معصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان جيل عجز عن استرداد الحق، فلا يحق له أن يصادر حق الأجيال القادمة في استعادة الحق، قل: عجزت، وتنح جانباً، فلست أنت ولا أحد من الخلق نهاية التاريخ حتى يتنازل عن حق الأمة».

الشيخ عكرمة صبري

     قال الشيخ عكرمة سعيد صبري –مفتى القدس والديار الفلسطينية-: «إن أخذ التعويض عن الأرض الفلسطينية المباركة كبيعها سواء بسواء، فلا يجوز شرعاً أخذ التعويض من العدو عن الممتلكات من الأراضي والبيوت والحوانيت (الدكاكين)؛ لأن الأرض الفلسطينية هي أرض وقفية مباركة مقدسة، فمن يأخذ التعويض عن الأرض يُعد خارجاً عن جماعة المسلمين وتاركاً للدين ويجب مقاطعته، ولا يجوز حين وفاته تغسيله ولا تكفينه ولا الصلاة عليه ولا دفنه في مقابر المسلمين شأنه شأن البائع».

حق العودة والتعويض معًا

     أما عبارة (حق العودة والتعويض معاً) فهي جائزة شرعاً أي أن اللاجئ الذي هجّر من بلاده له الحق في العودة إلى دياره، كما له الحق أيضاً في المطالبة بالتعويض عن التشرد وعن الأضرار والمعاناة والخسائر التي لحقت به وبأولاده وأحفاده؛ فالفرق شاسع بين التعويض عن الأرض وبين التعويض عن الأضرار والمعاناة، في حين أن عبارة (حق العودة أو التعويض) على التخيير غير جائزة شرعاً؛ لأن المحظور قائم فيها حيث إن التعويض عن الأرض محرم شرعاً بل يُعد كبيرة من الكبائر. أما الذي لا يرغب في العودة إلى بلده فليس له الحق بأخذ التعويض عن الممتلكات مطلقاً مهما كانت الأسباب ومهما كانت المبررات. إزاء ذلك يمكنه أن يوكل شخصاً أميناً بإدارة ممتلكاته أو أن يوقفها أو أن يتبرع بها إلى جهة خيرية أمينة وإلى منفعة عامة. مؤكدين أن العودة حق مقدس وواجب شرعي ولن يسقط مهما طال الزمان وتوالت الأجيال، وستبقى أرض فلسطين لأهلها ولجميع المسلمين إلى ما شاء الله وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وبهذا أفتي، والله -تعالى- أعلم. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

التكييف القانوني

تمثل قضية اللاجئين واحدة من أبشع قضايا التهجير المستمرة التي شهدها العالم على مر العصور، فثلاثة أرباع الفلسطينيين البالغ عددهم أحد عشر مليونًا هم لاجئون، وهم يمثلون تقريباً 43% من إجمالي لاجئي العالم.

القرار (181)

     لا شك أن القرار (181) القاضي بتقسيم فلسطين، منح الاحتلال الصهيوني غطاءً دولياً لتهجير الفلسطينيين، فقامت العصابات الصهيونية بطرد حوالي 30 ألف نسمة من الفلسطينيين المقيمين فيما كان مخصصاً للدولة اليهودية حسب قرار التقسيم وتبعها ما بين شباط وآذار 1948م 75 ألف نسمة، وأمعن الاحتلال الإسرائيلي في تهجير الفلسطينيين بالآلاف إلى أن أصبحت أعداد اللاجئين الفلسطينيين تقدر بالملايين، وهذه الأعداد في ازدياد إلى يومنا هذا.

ولقد نصت اتفاقيات ومواثيق حقوق الإنسان العالمية والإقليمية على حق كل إنسان في العودة إلى بلده، وأهم هذه المواثيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي نص على أنه: «لكل فرد حق مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده وفي العودة إلى بلده».

قرارات متعددة

     وكذلك أصدرت منظمة الأمم المتحدة قرارات متعددة بشأن عودة اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم، وأبرز هذه القرارات قرار (194) لسنة 1948م، الذي تنص المادة (11) منه على أنه: «تقرر الجمعية العامة أن عودة اللاجئين الراغبين في العودة إلى أوطانهم والعيش بسلام مع جيرانهم يجب أن يسمح لهم بذلك في أول فرصة عملية ممكنة، وأنه يجب دفع تعويض لممتلكات الذين لا يرغبون في العودة ودفع تعويضات للخسارة والضرر الذي أصاب الممتلكات لأصحابها وإرجاعها إلى أصلها من قبل الحكومات والسلطات المسؤولة بناء على قواعد القانون الدولية والعدالة».

حق العودة

     كما أن منظمة الأمم المتحدة أكدت عشرات المرات على حق العودة، وأنه حق غير قابل للتصرف، وأنه شرط أساسي لممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير، وقد نص المشرع الفلسطيني في قانون حق العودة للاجئين الفلسطينيين على أن: «حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم وتعويضهم عما لحق بهم من معاناة هو حق ثابت ومقدس لا مساومة عليه ولا مقايضة به وهو خارج نطاق الاجتهاد أو التفسير أو الاستفتاء».

التهجير القسري للفلسطينيين

     ومن الجدير بالذكر أن التهجير القسري للفلسطينيين مخالف لاتفاقيات جنيف؛ حيث تنص اتفاقية جنيف الرابعة على أنه: «يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أياً كانت دواعيه».

من الجرائم ضد الإنسانية

     وتعد جريمة التهجير القسري للفلسطينيين من جرائم الحرب وفقاً لاتفاقيات جنيف ونظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، فتنص المادة (85/5) من البرتوكول الأول لاتفاقيات جنيف لسنة 1977م، والتي جاء فيه: «تعد الانتهاكات الجسيمة للاتفاقيات ولهذا اللحق (البروتوكول) بمثابة جرائم حرب»، وكذلك يصنف نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية التهجير القسري للفلسطينيين على أنه من الجرائم ضد الإنسانية.

التمسك بحق اللاجئين

- وأخيرًا: فإن التمسك بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، يجب أن يكون حاضرًا في المحافل الدولية كلها، ويجب الضغط على الأمم المتحدة لتنفيذ قراراتها بشأن عودة اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم، كما يجب القيام بحملات إعلامية تفضح الاحتلال اليهودي، وتبين مدى بشاعة جرائمه المتكررة بحق أبناء شعبنا الفلسطيني، وإعداد لقاءات وندوات ومؤتمرات وحملات إعلامية لإبقاء قضية اللاجئين الفلسطينيين حية، وللمطالبة بحقهم في العودة والتعويض، والعمل على إيجاد الوسائل للوصول إلى هذا الحق، وحل هذه القضية حلاً عادلاً.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك