رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. خالد بن عبدالله المصلح 2 أغسطس، 2011 0 تعليق

حقوق القرآن العظيم

 

من أوصاف القرآن العظيم أنه نور؛ قال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} وقال: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فالقرآن نور تشرق به قلوب المؤمنين، ويضيء السبيل للسالكين المتقين، وذلك لا يكون إلا لمن تمسك به فعمل بأوامره وانتهى عن زواجره.

 

       ومن أوصاف القرآن العظيم أيضا أنه فرقان؛ قال الله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} فالقرآن فرقان يفرق بين الحق والباطل وبين الهدى والضلال وبين الغي والرشاد وبين العمى والأبصار، وهو فرقان فرق الله فيه وبه بين المؤمنين الأبرار وبين الكافرين الفجار، فاحرصوا على التحلي بصفات المؤمنين، والتخلي عن صفات الكافرين والفاسقين.

       ومن أوصاف القرآن العظيم كذلك أنه موعظة وشفاء، وهدى ورحمة للمؤمنين كما قال الله تعالى: {يَأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}، فالقرآن أبلغ موعظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد وهو أنجع الأدوية لما في القلوب من الآفات والأمراض، ففي كتاب الله تعالى شفاء أمراض الشبهات وشفاء أمراض الشهوات، وهو هدى ورحمة لمن تمسك به، يدله على الصراط المستقيم، ويبين له المنهاج القويم، ويوضح سبيل المؤمنين.

        هذه بعض الأوصاف التي وصف الله تعالى بها القرآن العظيم، وهي أوصاف عظيمة جليلة تبين عظم قدر هذا الكتاب المجيد الذي جعله الله خاتم كتبه إلى أهل الأرض، فهو أعظم آيات النبي [، بل هو أعظم آيات الأنبياء، فلم يؤت نبي مثل هذا القرآن العظيم، الذي أعجز نظامه الفصحاء، وأعيت معانيه البلغاء وأسر قلوب العلماء، فصدق والله ربنا حيث قال: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.

          أيها المؤمنون؛ إن لهذا الكتاب العظيم حقوقاً كثيرة وواجبات عديدة، فمن حقوقه أيها المؤمنون، وجوب الفرح به، فكتاب الله المجيد خير ما يفرح به، قال الله تعالى: {يَأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} قال أبو سعيد ] في هذه الآية: «فضل الله: القرآن، ورحمته: أن جعلكم من أهله» ومقتضى هذا الفرح هو تعظيم هذا الكتاب، وإيثاره على غيره؛ فإنه والله خير من كل ما يجمعه الناس من أعراض الدنيا وزينتها.

        وإن من حقوق هذا الكتاب المجيد تلاوته، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ليُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} وقد قال [: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه» رواه مسلم فحافظوا على تلاوة القرآن، واستكثروا من ذلك؛ فإن تلاوة القرآن تجلو القلوب وتطهرها وتزكيها، وتحمل المرء على فعل الطاعات، وترك المنكرات، وترغبه فيما عند الله رب البريات.

         وإن من حقوق هذا الكتاب العظيم والفرقان المبين تدبر معانيه، قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} وقد ذم الله تعالى المعرضين عن تدبر كتابه فقال جل وعلا: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} فاتقوا الله عباد الله وتدبروا كتابه العظيم، فإنه لا يحصل الانتفاع بالقرآن إلا لمن جمع قلبه عند تلاوته وسماعه، واستشعر أنه خطاب ربه جل وعلا إلى رسوله، وقد جاء عن بعض السلف رحمهم الله أنهم كانوا يقيمون الليل بآية واحدة يرددونها ويتدبرون ما فيها.

       وإن من حق هذا القرآن المجيد تعظيمه وإجلاله وتوقيره، فإنه كلام ربنا العظيم الجليل، وقد أجمع العلماء على وجوب تعظيم القرآن العزيز، وتنزيهه، وصيانته، فمن استخف بالقرآن أو استهزأ به أو بشيء منه فقد كفر بالله العظيم، وهو كافر بإجماع المسلمين، فعظموا هذا الكتاب يا عباد الله، واحفظوه من عبث العابثين.

         وإن من تعظيمه أن لا يمس القرآن إلا طاهر - أي متوضىء - ولا يقرأه جنب - أي من كانت عليه جنابة - ولا يجوز استدباره أو مدّ الرِّجل إليه، أو وضعه حيث يمتهن؛ فاتقوا الله وعظموا كتابه: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}.

        وإن من حقوق هذا الكتاب الاستمساك به كما أمر الله تعالى بذلك نبيه فقال تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} والاستمساك به يكون باتباعه، بإحلال حلاله وتحريم حرامه، والاقتداء به، والتحاكم إليه، وعدم الكفر بشيء منه كما قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}، فاتقوا الله وتمسكوا بكتاب ربكم تمسكاً صادقاً تُرى آثاره في أعمالكم وأقوالكم وأخلاقكم، وأقبلوا عليه تلاوة وحفظاً وتدبراً وفكراً وعلماً وعملاً؛ فإنه من اعتصم به فقد هدي، فاعتصموا بحبل الله جميعاً أيها المؤمنون. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك