رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 29 ديسمبر، 2014 0 تعليق

حقوق الطفل في الإسلام

تحدثنا في مقال سابق عن واقع الطفولة في العالم العربي، وقلنا: إن واقع الطفولة في العالم العربي في غاية القسوة، ومن الصعب تجميله بالخطابات، فهناك حوالي (10 ملايين) طفل عربي محرومون من التعليم، و حوالي (20 مليون) طفل معاق لا يلقى سوى (25 %) منهم العناية، وكل يوم نرى العديد من الأطفال يموتون من الجوع والفقر، ونرى أيتامًا ينقصهم الأمن والدفء والحنان، كما أن كثيراً منهم يعانون  ويلات الحروب ويعيشون لاجئين.

     ولا شك أن كل هذا الواقع الأليم الذي يحيط بواقع الطفل العربي والطفل المسلم، مخالف تمامًا لذلك الاهتمام الكبير الذي أولاه الإسلام للطفل خاصة وللإنسان عامة فيما يتصل بالحقوق الواجبة لهما التي حفلت بها شريعة الإسلام من قرآن كريم وسنة نبوية شريفة قبل أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان.

     فحقوق الإنسان في الإسلام جزء لا يتجزأ من الإسلام عقيدة وشريعة، تتجسد في علاقة الإنسان بربه ثم بنفسه وبغيره من الناس، أي اشتملت الجانبين العقدي والفقهي، وحقوق الإنسان واقع عملي وممارسة سلوكية، وليست مجرد تصور نظري، أو مثالية تخالف الواقع، أو شعارات جوفاء بعيدة عن التطبيق، وهي متعلقة بالإنسان في كل زمان ومكان، أما فكرة حقوق الإنسان المعاصرة فقد نشأت في داخل البلدان الأوربية، وهي تعبر عن تصور الثقافات الأوربية للإنسان والحياة والعلاقات الاجتماعية والأممية على نحو أخص.

     وقد اهتم الإسلام -وهو النظام الإلهي الذي ينظم حياة الإنسان بكل جوانبها ومراحلها- بمرحلة الطفولة، من خلال حرصه على حقوق الأطفال ووضع الأسس والأساليب التي تستهدف بناء شخصية الطفل وتكامله، ومن يدرس تعامل الشريعة الإسلامية مع الأطفال يدرك الحرص والاهتمام والعناية التي أولاها الإسلام لمرحلة الطفولة، ويدرك أيضًا بأن الإسلام قد تضمن حقوقًا شاملة للطفل، يقوم بها الكبار أفرادًا ومؤسسات، وذلك ابتداءً من مرحلة ما قبل ولادة الطفل، وطيلة مراحل طفولته المختلفة، كما أولى الإسلام أهمية كبيرة للبيئة التي ينمو فيها الطفل نظرًا لأهميته في مساعدة الطفل على النمو المتكامل والمتوازن لشخصيته وجسمه، مما يجعله نافعًا لنفسه وأسرته ومسهمًا إيجابيًّا في حياة مجتمعه وأمته.

 

اهتمام القرآن بالأطفال

     يتضح اهتمام الإسلام بمرحلة الطفولة في حديث القرآن الكريم عن الأطفال الذي يفيض بالاهتمام والمودة والرحمة، فالله يقسم في كتابه العزيز بالطفولة، مما يؤكد أهميتها في نظر الإسلام، قال تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } (البلد:1-3).

كما يُعدُّ القرآن الكريم الأطفال مصدر سعادة وسرور وطمأنينة لوالديهم فيقول عز وجل: { رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (الفرقان: 74)، ويصفهم بأنهم زينة الحياة الدنيا: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (الكهف آية:46).

 

السيرة والنموذج الحسن في التعامل

     كما تزخر السيرة النبوية بأفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأقواله وتؤكد اهتمام الإسلام بالأطفال وحمايتهم ورعايتهم وتربيتهم، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم - كان أنموذجًا للتعامل الحسن مع الأطفال، ومراعاة أحوالهم وطفولتهم حتى في عبادته وخشوعه أمام ربه، فقد كان صلى الله عليه وسلم يصلي ومعه أمامة بنت أبي العاص، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رفعها (رواه البخاري)، وعن عبد الله بن شداد قال بينما رسول الله-صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس؛ إذ جاءه الحسين فركب عنقه وهو ساجد، فأطال السجود بالناس حتى ظنوا أنه قد حدث أمرًا فلما قضى صلاته قالوا: «قد أطلت يا رسول الله حتى ظننا أنه قد حدث أمر، فقال: إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجّله حتى يقضي حاجته» (رواه النسائي والحاكم)، وعن أبي هريرة أن الأقرع بن حابس أبصر النبي -صلى الله عليه وسلم - يقبّل الحسن فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم، فقال -صلى الله عليه وسلم -: «إنه من لا يرحم لا يُرحم» (متفق عليه).

     وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم، ويمسح رؤوسهم» (رواه النسائي)، ويؤكد - صلوات الله وسلامه عليه- أن رعاية الأطفال واجبة على والديهم خاصة وكل أفراد المجتمع عامة، ويرغب في حبهم؛ لأنهم قربى إلى الله تبشر برحمته وتقي من عذابه، فيقول الرسول الكريم: «لولا أطفال رضع، وشيوخ ركع، وبهائم رتع، لانصب عليكم العذاب صبا» (رواه الطبراني والبيهقي).

 

نظام شامل في التربية

     ومن هنا نجد أن الإسلام وضع نظمًا شاملة لتربية الأطفال، عمادها بناء الشخصية المتكاملة والاستقلالية الذاتية، وجعل مسؤولية رعاية الأطفال الأساسية على الولدين، والحرص على نظافة الأطفال وبيئتهم حماية لهم من الأمراض والأوبئة، وضمانًا لسلامة نمو عقولهم وأجسادهم.

وصور اهتمام الإسلام بحقوق الأطفال وحرصه على سلامة نموهم وحسن تربيتهم كثيرة ومتعددة، وسنعرض نماذج فقط من مجالات اهتمام الإسلام بالطفولة، وحرصه على مراعاة حقوق الأطفال في النقاط الآتية:

- أولاً: تبدأ حقوق الطفل في الإسلام مبكرًا قبل زواج الوالدين عند بداية مرحلة البحث عن الشريك الآخر للحياة الزوجية، وذلك من خلال حث الأبوين على حسن اختيار كل منهما للآخر بمعايير الشريعة الإسلامية، وهي: التدين والتكافؤ وخلو الزوجين من الأمراض المعدية أو الوراثية الخطيرة، نظرًا لأهمية ذلك في تحديد الكثير من خصائص الطفل الذي يجيء إلى الدنيا، وقد اكتسب من والديه الصفات الوراثية التي تحدد الكثير من خصائصه النفسية والجسمية، وأخلاقهما البيئية التي سينشأ فيها الطفل والعناية التي سيحظى بها في مجالات الحياة المختلفة، مثل الحنان والأمن والصحة والتغذية والتربية والتعليم.

- ثانياً: حق الطفل في الحياة والبقاء والنمو: ويبدأ حق الطفل في الحياة منذ أن يبدأ جنينًا في بطن أمه، فقد حرَّم الإسلام الإجهاض، إلا إذا تعرضت حياة الأم لخطر محقق، كما حرَّم الإسلام الإضرار بالجنين عموماً، وأباح لأمه الحامل الإفطار في رمضان، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحامل أو المرضع الصوم أوالصيام» (رواه الترمذي والنسائي). وفى حال استحقاق الأم الحامل عقابًا بحد شرعي أو قصاص فقد وجه الإسلام بتأخير تنفيذ ذلك حتى تضع الأم حملها، وترضع طفلها حتى يكمل مدة الفطام.

     ويرتبط بحق الطفل في الحياة حقه في البقاء والنمو؛ لأن الإسلام يريد الإنسان قويًّا صحيحاً معافى، وهذا يستوجب الرعاية الصحية والتغذية الملائمة للأم الحامل حتى تلد وتكمل الإرضاع لطفلها؛ ولذا فقد كلف والد الطفل بالإنفاق على أمه الحامل حتى تكمل مدة الرضاعة، يقول الله تعالى: {وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ } (الطلاق: 6).

     كما أناط الشرع بالأبوين مسؤولية رعاية الأطفال وحمايتهم مما يضربهم في دنياهم وأخراهم مسؤولية عظيمة، وهي تتطلب العناية بهم وحمايتهم مما يضر بهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (التحريم: 6)، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالوالد راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في مال زوجها وولده ومسؤولة عن رعايتها» (متفق عليه). ويقول: «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت» (رواه أحمد وأبو داود)، ويقول: «ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها نصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة» (رواه البخاري).

- ثالثاً: حق الطفل في تربية حسنة: لقد حمل الإسلام الوالدين مسؤولية تربية الطفل وتعليمه وتهذيب أخلاقه وغرس القيم الدينية لديه، وتنمية قدراته العقلية والجسمية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أكرموا أولادكم، وأحسنوا أدبهم» (رواه أحمد والترمذي)، ويقول أيضًا: «ما نحل والد ولدًا من نحل أفضل من أدب حسن» (رواه أحمد والترمذي).

     كما يؤكد اهتمام الإسلام بتنمية شخصية الطفل ما رواه ابن عمر -رضي الله عنه - أنه كان في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم ، عندما سأل أصحابه فقال: «ضرب الله مثلاً للمؤمن من الشجرة التي لا يسقط ورقها، أتدرون ما هي؟ فسكتوا، فقال الرسول: «إنها النخلة»، وكان ابن عمر مع أبيه، فلما انصرفا إلى بيتهما قال عبد الله لأبيه: لقد كنت أعرف ما قاله الرسول لكن خفت أن أقول أمام الصحابة، فقال أبوه: أما لو قلت لكان ذلك أحب إلّي من حُمر النعم» (أخرجه البخاري). وهذا يظهر مدى حرص عمر -رضي الله عنه - على تنمية شخصية ابنه، ورؤيته مسهماً في حوار الكبار، وصاحب رأي فيما يطرح من آراء أو ملاحظات.

     إن اهتمام الدين الإسلامي الحنيف بمرحلة الطفولة واضح وواسع يشمل كل مجالات حقوق الأطفال، ويوفر الرعاية التى يحتاجها الطفل لينمو متوازناً جسميًّا وخلقيًّا وفكريًّا واجتماعيًّا، وغير ذلك من جوانب شخصية الإنسان المختلفة، ومن محاسن حقوق الطفل في الإسلام، التي يتفوق بها على غيره من مؤسسات حقوق الإنسان الحديثة حق الطفل في التسمية الحسنة، فقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه على التسمية الحسنة لأبنائهم فقال: «من ولد له فليحسن اسمه وأدبه» (التبريزي: مشكاة المصابيح، ح 3138)، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يغير الأسماء القبيحة أو التي تحمل مدلولاً رديئًا إلى أسماء حسنة، فعندما حاول علي -رضي الله عنه - مرات عدة تسمية أحد أولاده حربًا كان -عليه الصلاة والسلام- في كل مرة يغيره بأسماء حسنة فسماهم الحسن والحسين ومحسن (أخرجه الحاكم في المستدرك /كتاب معرفة الصحابة 3/ 165) والحديث صحيح الإسناد. والتسمية بالقبيح من الأسماء من عقوق الأب لابنه، فكما ورد عن عمر بن الخطاب أن رجلاً ذهب يشكو إليه عقوق ولده، فلما تحرى عمر، في القضية، علم أن الأب لم يحسن اختيار أمه ولم يختر له اسماً حسناً، فقد سماه جعراناً، ولم يعلمه شيئاً من كتاب الله؛ هنالك قال الفاروق للأب: لقد عققته قبل أن يعقك».

     وهناك حقوق أخرى فرعية ذات أهمية في الإسلام، مثل: حق الطفل في الفطام التدريجي غير المفاجئ، وحقوق الطفل في النفقة، وحق الطفل في إخراج زكاة الفطر عنه، وحقه في إثبات نسبه، وحقه في الختان، بل وحقه في التغسيل والصلاة عليه ودفنه إذا مات، فما أعظم شريعتنا، وما أسمى مبادءها، لو كانوا يعقلون.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك