رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد مالك درامي 6 فبراير، 2023 0 تعليق

حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية (7) شبهات حول حقوق الإنسان في الإسلام

لقد كان الإسلام سباقًا إلى تقرير حقوق الإنسان، وشرع تشريعات تعلي من قيمة الإنسان وحقوقه المتمثلة في المساواة والحرية والعدل، لذلك نستعرض في هذه السلسلة حقوق الإنسان التي أقرتها الشريعة الإسلامية وسبقت بها الأمم كافة، واليوم نتكلم عن الشبهات التي أثيرت حول حقوق الإنسان في الإسلام.

     إن الدين الإسلامي مفخرة للمسلمين؛ لما جاء فيه من منظومة القيم التي تحث على احترام حقوق الإنسان أو غيره من الحقوق، كما أن دين الإسلام يقوم بدايةً على تربية الفرد والمجتمع المسلم على احترام حقوق الله -تعالى- ثم تأتي فيما بعد التربية على احترام حقوق الإنسان، ثم التربية على احترام حقوق الحيوان والنبات، باعتبارهما كائنات مسخرة للإنسان لا تقبل العبث ولا الإسراف، بل تستغل بالعدل والقسط والإحسان.

نقض الشبه المثارة

     ولقد اجتهد أهل الإسلام منذ القدم في نقض الشبه المثارة حول الإسلام بردود قوية مُحكمة، ومما يلاحظ أنه كثر في أيامنا الخوض في إثارة فتنة الشبهات عامة حول الإسلام ومبادئه، ومنها على وجه الخصوص الشبهات المتعلقة بحقوق الإنسان في الإسلام وحماية الإسلام لتلك الحقوق، وسوف نعرض - بعون الله - بعض هذه الشبهات، والرد عليها.

الشبهة الأولى

 إن حقوق الإنسان ذات مرجعية غربية بالأساس

     روج الكثيرون من المشككين وأعداء الإسلام من المستشرقين وتلامذتهم من العلمانيين، فأشاعوا الشائعات حول حقوق الإنسان في الإسلام، ومما أشاعوه أن الإسلام لم يعرف حقوق الإنسان إلا مؤخرا، ويؤكدون أن حقوق الإنسان ذات مرجعية غربية بالأساس.

الرد على هذه الشبهة

     إن حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية هبة من الله -تعالى- للإنسان؛ مما يجعل هذه الحقوق منوطة بالمفهوم الشرعي لها، وليست خاضعة، لأي تفسير كائنا ما كان إلا ضمن الضوابط الشرعية المعتبرة، كما أنها فكرة أصيلة في الشريعة الإسلامية، ومصادرها الأساسية، ففي الإسلام: الشريعة هي مصدر حقوق الإنسان؛ فالحقوق مأخوذة منها سواء من نصوص خاصة أم من نصوص عامة أم من القواعد العامة للشريعة، فما تقرره فهو الحق وما تنفيه فليس حقا وإن رآه الغرب حقا.

     والإسلام أقر احترام حقوق الإنسان وحمايتها، وقدسها منذ أربعة عشر قرناً أي قبل هؤلاء الذين يشككون في حماية الإسلام لحقوق الإنسان، وتلك الحقوق أصيلة في الإسلام؛ فلا تقبل حذفاً ولا تعديلاً ولا نسخاً ولا تعطيلاً؛ لأنها حقوق ملزمة، شرعها الخالق -سبحانه وتعالى-، وهذا بعكس ما جاء به الغرب من حقوق، فحقوق الإنسان في الإسلام ليس من حق بشر أن يعطلها أو يتعدى عليها، ولا تسقط حصانتها الذاتية لا بإرادة الفرد تنازلاً عنها ولا بإرادة المجتمع ممثلاً فيما يقيمه من مؤسسات أيا كانت طبيعتها وكيفما كانت السلطات التي تخولها.

كما أن فكرة حقوق الإنسان ترتبط مباشرة بوجود الإنسان نفسه، الذي خلقه الله -سبحانه وتعالى-، وأعطاه صفة التكريم.

إعلان حقوق الإنسان

     والإسلام منذ بزوغه جاء بإعلان حقوق الإنسان، وقد دخلت هذه الحقوق حيز التنفيذ منذ معرفة وحدانية الله -سبحانه وتعالى-؛ حيث خلق البشر وكرمهم أفضل تكريم على جميع مخلوقاته بقوله -تعالى-: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء: ٧٠)، فالله -تعالى- هو من كرم الإنسان بدين الإسلام على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحافظ على حقوقه كاملة، وسن عقوبات على من ينتهك تلك الحقوق، وجعل الإنسان المحور المركزي للمسيرة الإنسانية؛ بحيث تصب كل معطياتها وإنجازاتها وطموحاتها في محصلة نهائية هي خير هذا الإنسان وإعمار هذا الكون؛ لأن الإنسان هو أكرم ما في الوجود.

مبادئ أصلية سبقت بها الشريعة الإسلامية

     ومما سبق يتبين أن فكرة حقوق الإنسان وحرماته لم تأت لنا من الغرب أو من كتابات مفكرين أو مما سجلته العهود والمواثيق الدولية، وإنما هي مبادئ أصلية سبقت بها الشريعة الإسلامية هذه العهود والمواثيق، ولكن الإسلام هو أول من قرر المبادئ الخاصة لحماية حقوق الإنسان في أكمل صورة وأرقاها وأنصحها، وأن ما كفله الإسلام من كرامة واحترام للإنسان لم يعرف من قبل في أمة من الأمم مهما سجلت من حضارات.

     فالإسلام سبق القوانين الوضعية والمواثيق الدولية في حفظ حقوق الإنسان ورعايتها، على مفهوم الشريعة أساس الحق، وليس الحق أساس الشريعة، وقرر ذلك جلياً قبل أكثر من أربعة عشر قرناً، والمسلمون يسمعون عن كرامة الإنسان، والتسوية، وتمتد حقوق الإنسان بجذورها إلى تاريخ بعيد، ترتبط مباشرة بوجود الإنسان نفسه، الذي خلقه الله -سبحانه وتعالى-، وأعطاه صفة التكريم.

الشبهة الثاني

جمود الشريعة الإسلامية وأنها لا تواكب التطورات الحديثة

     زعم بعضهم أن الشريعة الإسلامية جامدة، وأن تطبيقها يتعارض مع حقوق الإنسان، فلا تساير متطلبات العصر لتلبي مصالح الإنسان المتطور.

الرد على هذه الشبهة

     إن أحكام الإسلام أحكام عامة ومطلقة صالحة لكل زمان ومكان، ومن خصائص حقوق الإنسان في الإسلام أنها كاملة وغير قابلة للإلغاء، أو التبديل مع تغير الزمان وتبدل الظروف والأحوال؛ لأنها جزء من الشريعة الإسلامية، والإسلام دين ودنيا، وأنه كما اهتم بتنظيم علاقة الفرد بربه، اهتم كذلك بعلاقة الفرد بأخيه الإنسان وبعلاقته بمجتمعه.

وعليه فالأحكام الشرعية التي جاء بها الإسلام على نوعين:

- الأول: ما يتعلق بعلاقة الفرد بربه من عقيدة وإيمان وعبادات وغيرها، فهذه ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، ومن ثم جاءت أحكامها مفصلة، لا مجال للاجتهاد فيها، وهو ما يطلق عليه العبادات.

- الثاني: ما يتعلق بين الناس بعضهم ببعض، وهو المعروف بالمعاملات، وهذا النوع متطور، ومتغير بتغير الزمان والمكان، بعضه ذو طابع اجتهادي، وهو يتميز بشيء من المرونة، ومن ثم جاءت أحكامها عامة مجملة غير مفصلة، تابعة للمصلحة العامة، بحسب ما يراه أهل الحل والعقد وأهل العلم، ومن ذلك مبدأ الشورى.

الشبهة الثالثة

شبهة تعدد الزوجات للرجل دون النساء

     ومما أثاروه حول حقوق الإنسان في الإسلام شبهة تتعلق بتعدد الزوجات للرجل دون المرأة، ولماذا لا يجيز الإسلام للمرأة أن تتزوج أكثر من رجل واحد؟

الرد على هذه الشبهة

     الزواج بأكثر من امرأة تشريع قديم أباحته الشرائع السابقة، كالتلمود والتوراة والمسيحية، ثمّ جاء الإسلامُ وقيَّد تعدد الزوجات، وحدّده بعدد معيّن للحد من الفوضى، ومراعاةً للظروف الأسرية والاجتماعية التي قد تستدعي التعدد، ومن الأدلة على مشروعية تعدد الزوجات قوله -تعالى-: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} (النساء: ٣)، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: إن غِيلَان بنَ سَلَمَة الثَّقَفِي أسلم وتحتَه عَشْرُ نسوة، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - « اخْتَرْ منهنَّ أربعاً».

     وقد بيّن الأئمة -رحمهم الله- حكمة الرب - عز وجل- من ذلك، ومنهم الإمام ابن القيم- رحمه الله-؛ حيث قال: « فذلك من حكمة الرب -تعالى- وإحسانه ورحمته بخلقه ورعاية مصالحهم، وينزّه شرعه أن يأتي بغير هذا، ولو أبيح للمرأة أن تكون عند زوجين فأكثر، لفسد العالم، وضاعت الأنساب، وقتل الأزواج بعضهم بعضاً، وعظمت البلية، واشتدت الفتنة، وقامت سوق الحرب بين الرجال.

     وكيف يستقيم حال امرأة فيها شركاء متشاكسون؟ وكيف يستقيم حال الشركاء فيها؟ فمجيء الشريعة بما جاءت به خلاف هذا من أعظم الأدلة على حكمة الشارع ورحمته وعنايته» اهـ.

     والمرأة إذا كان لها أكثر من رجلٍ وولدت ولداً منهم فإنّه لا يُعرف من والده على التعيين، ومن ثم تضيع حقوقه الاجتماعية والقانونية، بينما يُناسب نظام تعدّد الزوجات الرجل؛ بحكم طبيعته وخلقته ومسؤولياته في الحياة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك