رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: عبدالمتعال محمد علي 14 نوفمبر، 2022 0 تعليق

حقوق الآباء والأمهات (3) من صور البر بالوالدين

ما زال حديثنا مستمرا عن حقوق الآباء والأمهات؛ حيث ذكرنا أنَّ من صفات المؤمنين الإحسان والبر والعطاء، والإجادة والإتقان، ويصل منهم الإحسان إلى الناس أجمعين، وأحق الناس به، بل ويكون واجبًا نحوهم هم الآباء والأمهات، وذكرنا بعضًا من صور البر بهما وهي: طلب الصفح منهما إن بدر منه تقصير نحوهما، وتوقيرهما واحترامهما، والتواضع والتلطف معهما، والقيام لهما عند قدومهما، وعدم مناداتهما باسميهما، وحسن التخاطب معهما، والحذر من رفع الصوت عندهما واليوم نكمل تلك الصور.

(8) النفقة عليهما

      إن من أعظم وجوه الإنفاق ما يكون في مرضات الله -تعالى-، وأن من مرضاته -تعالى- أن ينفق المرء على والديه، قال -تعالى- {سْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (البقرة: 215)، عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - «أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي مالا وولدا، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «أنت ومالك لأبيك».

     فعلى الأبناء أن يقدموا لآبائهم وأمهاتهم ما يحتاجون، وللآباء أن يأخذوا من مال أولادهم ما هم في حاجة إليه فهو كسب حلال لهم، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن أعرابيا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن لي مالا وولدا، وإن والدي يريد أن يجتاح مالي، قال: أنت ومالك لوالدك، إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من كسب أولادكم».

تلبية طلب الأب والأم

     وأحرى بالمسلم تلبية طلب أبيه أو أمه إن طلبا منه طعاماً أو مالاً، فقد روي أن عبدالله ابن مسعود - رضي الله عنه - قد طلبت والدته في إحدى الليالي ماء، فذهب ليجيء بالماء فلما جاء وجدها نائمة، فوقف بالماء عند رأسها حتى الصباح ! فلم يوقظها خشية إزعاجها، ولم يذهب خشية أن تستيقظ فتطلب الماء فلا تجده!، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «وإن أولادكم هبة الله لكم {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ}، فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها»، ومما يجدر علمه أن للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ويتملكه بشرط ألا يجحف الابن ولا يضربه، ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.

     وقال ابن تيمية -رحمه الله-: «على الولد الموسر أن ينفق على أبيه وزوجة أبيه وعلى إخوته الصغار، وإن لم يفعل ذلك كان عاقا لأبيه، قاطعا رحمه، مستحقاً لعقوبة الله -تعالى- في الدنيا والآخرة والله أعلم»، ومما ينبغي أن يقدمه الولد لوالديه النفقة عليهما إذا احتاجا إلى نفقة، والتوسعة عليهما إن كانت حالتهما أقل من حالة ابنهما أو ابنتهما، وأن يرحم أباه وأمه من الأعمال الوضيعة، ويكفيهما النفقة.

     وإن حق الوالدين في الإنفاق عليهما وجوبا إذا كانا في حاجة إلى المال لقضاء حوائجهما، مع مراعاة عدم الضرر الكبير بالولد، وإلا فالنفقة عليهما مستحبة، سواء على سبيل الهدايا أو الهبات أو غيرها، وليرضهما الولد بالإحسان إليهما والعطف، وتقديم الهبات، وما يرغبون فيه فهذا من البر بهما، ذكر عروة عن أبيه في بر الوالدين قوله: لا تمتنع عن شيء أحباه»، وروي عن على زين العابدين -رحمه الله- كان لا يأكل مع أمه فقيل له: إنك من أبر الناس بأمك فلم لا تأكل مع أمك؟ فقال: أخشى أن تسبق يدي إلى طعام تكون عين أمي قد سبقت يدي بالنظر إليه فأكون قد عققت أمي.

(9) إلقاء السلام عليهما والاستئذان عند الدخول عليهما

     من الآداب الإسلامية التي يجدر بالمسلم أن يتحلى بها إلقاء السلام على من يعرفه ومن لا يعرفه، والاستئذان عند الدخول في بيوت الناس وأولى الناس بذلك وألزمهم الوالدان قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النور: 27)، وقال -تعالى-: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.

مراعاة أوقات الزيارة

      ومما ينبغي علمه أن على الأولاد أن يراعوا أوقات الزيارة إن كانوا يقطنون في مسكن غير مسكن الوالدين، ووجوب الاستئذان عند الدخول عليهما ولو كانوا يسكنون معهما في بيت واحد، وأن يعلموا الوالدين بأسمائهم عند طلب الاستئذان منهما، وأن يلقوا عليهما السلام قبل الاستئذان، وأن يرجع الولد إن طلب والده منه الرجوع عند عدم الإذن له، هذا وقد أوضحت السنة النبوية الشريفة أهم آداب الاستئذان وقد سبق ذكر آيات للاستئذان، والآن إلى الأحاديث الدالة على ذلك نذكر منها الآتي:

1- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الاستئذان ثلاثا فإن أذن لك وإلا فارجع».

2- وعن جابر - رضي الله عنه - قال: «أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في دين كان على أبي، فدققت الباب فقال: من ذا؟ فقلت: أنا. فقال: أنا أنا كأنه كرهها».

3- وثبت في الصحيحين أن أبا بكر استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: من؟ قال: أبو بكر وكذلك فعل عمر وعثمان، وجاءت أم هانئ بنت أبي طالب تستأذن فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - من؟ فقالت: أم هانئ، والأمثلة في ذلك كثيرة فعلى الإنسان أن يذكر ما به ليعرف.

4- عن ربعي بن خراش قال: حدثنا رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيته فقال أألج؟ فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لخادمه: «اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له؟ قل السلام عليكم؟ أأدخل؟ فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم، أأدخل فأذن له النبي - صلى الله عليه وسلم -».

 (10) دعوة الوالدين إلى الخير

     من سمات الأمة الإسلامية أن أفرادها يدعون إلى الخير، ويوجهون النصح لغيرهم، قال -تعالى-: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وأولى الناس بتوجيه النصح لهم إن جانبوا الصواب هم الآباء والأمهات، وإرشادهم إلى الطاعات والحسنات والبر إن غفلوا عنها، وينبغي على الابن الداعي إلى الفضيلة وإلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أن يكون عالما بما يرشد به والديه، وأن يعظهما بالحسنى، وبالحكمة، وأن يقول لهما قولا لينا لعلهما يتذكران أو يخشيان، كما ينبغي على الناصح أن يكون عارفا بأسلوب الدعوة والإرشاد الأمثل والصحيح، قال -تعالى-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.

      وخير الأسوة في الدعوة إلى الخير هو نبي الله إبراهيم -عليه السلام- الذي منحه الله الحجة الساطعة في إقامة الدليل والنصح والإرشاد، ولنذكر الحوار الذي دار بينه وبين أبيه الذي كان يعبد الأصنام، قال -تعالى-: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} (مريم: 41: 50 ).

النصيحة للوالدين

     إن النصيحة للوالدين تكون من الابن والابنة على السواء كما توجه من الوالد والوالدة أيضا، ونذكر في هذا المقام قصة المرأة التي كانت تغش اللبن في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه -، كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يتحسس أخبار المدينة ليلاً، فسمع امرأة تقول لابنتها ضعي ماء على اللبن أي غشي اللبن، فقالت البنت: فكيف إذا علم أمير المؤمنين يا أماه بغش اللبن؟ قالت الأم: وما يدري عمر فإنه لا يرانا؟ فقالت البنت: إذا كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا، فلما أصبح عرف هذا البيت ثم دعا أولاده فقال: أريد أن أخطب لأحدكم امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر فمن أراد أن يتزوجها خطبتها له، وإن لم يخطبها أحدكم تزوجتها، فقبل بها ابنه عاصم فخطبها له، ثم تزوجها عاصم فأنجبت بنتا تزوجها عبدالعزيز بن مروان؛ فأنجبت خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله.

الاستعانة بمن يرونه أهلا للدعوة والإرشاد

     وللابن والابنة حق الاستعانة بمن يرونه أهلا للدعوة والإرشاد ممن يحسن القول ويجيد فن الحوار والإقناع، هذا من أجل أن يهتدي الوالد أو الوالدة إلى الطريق القويم، فها هو ذا سعد بن أبي وقاص يطلب من الرسول - صلى الله عليه وسلم - الدعاء لأمه بالإسلام، وكذا فعل أبو هريرة - رضي الله عنه - لأمه -رضي الله عنها-، كما أن أبا بكر - رضي الله عنه - بعد فتح مكة يأخذ أباه إلى الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -؛ ليعلن إسلامه بين يدي الرسول بعد أن دعا أبو بكر والده إلى الإسلام، وأولى الناس بالاستعانة بهم في الدعوة إلى الخير العلماء وكبار السن والشأن والسلطان فإن الإجابة لهم تكون غالبا، فعندما بعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الولاة إلى الأمصار اختار الأكفاء مثل معاذ بن جبل إلى اليمن، ومصعب بن عمير إلى المدينة، وغيرهما.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك