رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: عبدالمتعال محمد علي 7 نوفمبر، 2022 0 تعليق

حقوق الآباء والأمهات (2)

ما زال حديثنا مستمرًا عن حقوق الآباء والأمهات؛ حيث ذكرنا أنَّ من صفات المؤمنين الإحسان والبر والعطاء، والإجادة والإتقان، ويصل منهم الإحسان إلى الناس أجمعين، وأحق الناس به -بل ويكون واجبًا نحوهم- هم الآباء والأمهات، وذكرنا أن من صور البر لهما: شكر الله -تعالى- على إنعامه عليه بنعمه، ولا سيما الوالدين، وشكر الوالدين على رعايتهما له، ومعرفة حقوقهما وقدرهما، ووجوب طاعتهما، وطاعة الوالدين مقدمة على النوافل، ثم ذكرنا أنَّ عقوق الأبوين من أعظم الذنوب.

     ومن صور الطاعة للوالدين سرعة تلبية طلبهما وإجابة ندائهما، وطاعة أمرهما، وعدم مقاطعتهما في الكلام، أو مجادلتهما أو لومهما أو معاندتهما أو السخرية منهما، وتجنب الضحك والقهقهة بحضرتهما - إلا إذا ضحكا، وتجنب الاعتراض على قولهما إلا إذا كان أمراً بمعصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، قال -تعالى- {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} سورة لقمان: آية 15، ومما يبرز أهمية طاعتهما أنها مقدمة على النفل من حج وعمرة وجهاد إذا كان هناك جيش يحمي البلاد، ويكفي لحفظها من العدو، فمن أطاعهما وكان يقصد عبادة نافلة أخذ أجرها، جاء رجل إلى رسول الله -[- فقال: إني أشتهى الجهاد ولا أقدر عليه، قال: هل بقي لك من والديك أحد ؟ قال: أمي. قال -[-: فأبلِ الله في برها، فإذا فعلت فأنت حاج ومعتمر ومجاهد».

(5) طلب الصفح منهما إن بدر منه تقصير نحوهما

     إن الإنسان ليس معصوما من الزلل « كل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون»؛ لذا فإن على الولد إذا أساء لوالديه أو أحدهما أن يعتذر إليهما، ويقبل رأسهما ويتأسف، ويطلب منهما العفو والصفح، فإن عفا عنه نال المغفرة من ربه -تبارك وتعالى-، قال -تعالى- {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} سورة الإسراء: آية 25، فقد ذكر الله هذه الآية بعد ذكر التوصية بالوالدين. قال الزمخشري -في تفسيره (الكشاف) عن هذه الآية-: {إن تكونوا صالحين} أي قاصدين الصلاح والبر ثم فرطت منكم في حال الغضب، وعند حرج الصدر وما لا يخلو منه البشر أو لحمية الإسلام، هنة أي خطأ تؤدي إلى أذاهما ثم أنبتم إلى الله -تعالى- واستغفرتم منها فإن الله غفور للأوابين.

      وإن لم يطلب منهم الصفح كان عاقا إلا إذا كان الأمر معصية لله -تعالى-، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعة في المعروف، ومع هذا عليه أن يحسن صحبتهما حتى ولو كانا مشركين، وأن يحرص على عدم إيذائهما وإلا كان عاصيا، جاء في الحديث الشريف: « إياكم وعقوق الوالدين!؛ فإن الجنة توجد ريحها من مسيرة ألف عام، ولا يجد ريحها عاق». فالأحرى بالمسلم الحرص على رضا الله -تعالى- ثم رضا والديه حتى يمن الله عليه بحسن الخاتمة قال سعيد بن المسيب « إن البار لا يموت ميتة سوء».

(6) توقيرهم ا واحترامهما  

     إن توقير الكبير أدب من آداب الإسلام، وأولى الناس بذلك الوالدان، فتوقيرهما واحترامهما أمر أوجبه الشرع على الأولاد وحض عليه نحوهما، ونحو غيرهما من احترام الكبير وتوقيره واستحبه الإسلام، قال - صلى الله عليه وسلم -: « ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا»، ومن صور التوقير تقبيل الأولاد رؤوس والديهم، وقضاء حوائجهم ولو كان على حساب حاجات أنفسهم (الأولاد) قال أبو هريرة: لا تمش بين يدي أبيك - أي أمامه - ولكن امش خلفه أو إلى جانبه، ولا تدع أحداً يحول بينك وبينه، ولا تمش فوق إجّار أبيك أي فوق سطحه تخفه، ولا تأكل عرقا - وهو العظم فيه اللحم - قد نظر أبوك إليه لعله قد اشتهاه».

إن للوالدين حقا علينـا

                                                                  بعد حق الإله في الاحترام

أولدانا وربيانا صغـارا

                                                            فاستحقا نهايـة الإكـرام

     ولقد فطن إلى وصية أبي هريرة - رضي الله عنه - علي زين العابدين - رضي الله عنه - فقد كان لا يأكل مع أمه فقيل له: لم لا تأكل مع أمك مع أنك من أبر الناس بها ؟ قال: لا آكل معها خشية أن تسبق يدي لقمة قد سبقتها عين أمي لها فأكون قد عققت أمي!.

التواضع والتلطف معهما 

     ومن التوقير لهما التواضع والتلطف معهما والرأفة والرحمة بهما، قال -تعالى- {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} وهو تعبير يشف ويلطف، ويبلغ شغاف القلب وحنايا الوجدان، فهي الرحمة ترق وتلطف حتى لكأنها كالذي لا يرفع عينا ولا يرفض أمرا وكأنما للذل جناح يخفضه إيذانا بالسلام والاستسلام، وإزالة للوحشة من نفوسهما إن صارا في حاجة إلى معونة الولد؛ لأن الأبوين يبغيان أن يكونا نافعين لولدهما، والقصد من ذلك التخلق بشكرهما على إنعامهما السابغ عليه.

القيام لهما عند قدومهما

     ومن صور توقيرهما أيضاً: القيام لهما عند قدومهما، وعدم الجلوس إلا بعد جلوسهما، وهذا من جملة ودهما، وماذا يكون ذلك في جنب كدهما ؟! وقد ربياه صغيراً، وأسهرا أعينهما لحفظه سهراً كثيرا.

     روت السيدة عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتا، ولا هدياً به - صلى الله عليه وسلم - من فاطمة (ابنته) -رضي الله عنها-، كانت إذا دخلت عليه قام إليها وقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها».

(7) حسن التخاطب معهما

     إن من أهم الآداب الإسلامية حسن القول، وطيب الكلام، ولا سيما للوالدين وعدم مخاطبتهما بسوء القول؛ فإنه معصية ومن العقوق، قال -تعالى- {فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما} سورة البقرة: آية 83، فقد سأل رجل سعيد بن المسيب - رضي الله عنه - قائلاً: لقد فهمت آية بر الوالدين كلها إلا قوله -تعالى- {وقل لهما قولاً كريما}، فكيف يكون القول الكريم ؟ فأجابه سعيد: يعني خاطبهما كما يخاطب العبد سيده، وكان ابن سيرين - رضي الله عنه - يكلم والدته بصوت ضعيف كأنه صوت مريض إجلالا لها واحتراماً، فالواجب على الأولاد أن يقولوا القول الكريم الجميل الذي يدخل السرور على قلوب والديهم، وأن يلاقوهم بالابتسامة والترحيب.

الحذر من رفع الصوت عندهما

     وليحذر المسلم رفع الصوت عندهما، ولا يعلو صوت الابن على أحد والديه فإن ذلك من العقوق؛ لذا فطن الأولون إلى ذلك، فحرصوا على غض أصواتهم عند الحديث مع آبائهم وأمهاتهم، وعلموا أن رفع الصوت على أصوات الأبوين سيئة ومعصية، ذكر أن أم عبد الله بن عوف نادت مرة ابنها عبد الله، فأجابها ولكن علا صوته صوتها حين لبى نداءها فشعر بالذنب فأعتق رقبتين كفارة عن ذلك (أى أعتق عبدين) من العبودية إلى الحرية.

     وسئل الفضيل بن عياض عن بر الوالدين فقال: ألا تقوم على خدمتها وأنت كسلان، وقيل: ألا ترفع صوتك عليهما، ولا تنظر إليهما شذرا، ولا يريا منك مخالفة في ظاهر أو باطن، وأن تترحم عليهما ما عاشا، وتدعو لهما إذا ماتا، فأحـرى بالأولاد أن يحسنوا القول للأبوين وللناس جميعاً، قال -تعالى- {وقولوا للناس حسنا}، وقال - صلى الله عليه وسلم -: « الكلمة الطيبة صدقة».

فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما

     {فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما} وهي أول مرتبة من مراتب الرعاية والأدب، ألاَّ يبدو من الولد ما يدل على الضجر والضيق، وما يشي بالإهانة وسوء الأدب، {وقل لهما قولاً كريما}، وهي مرتبة أعلى إيجابية أن يكون كلامه لهما يشي بالإكرام والاحترام»، وخص الله -سبحانه وتعالى- الكبر بالذكر والبيان؛ لأنه مظنة انتفاء الإحسان بما يلقى الولد من أبيه وأهله من مشقة القيام بشؤونهما، وسوء الخلق منهما، ومن ثم فإن الأبناء يحتاجون إلى استجاشة وجدانهم بقوة لتنعطف إلى الخلف، وتلتفت إلى الآباء والأمهات. مما سبق يعلم أن ظهور الضجر من الأبناء والبنات منهي عنه فكيف لو برزت منهم الإساءة للآباء والأمهات؟! ولو كانت هناك كلمة أقل من كلمة « أف « لذكرها الله -تبارك وتعالى-، فليبادر كل إنسان إلى البر بوالديه، وحسن القول لهما والتلطف في مخاطبتهما، وكظم الغيظ إن بدر منهما ما يجانب الصواب.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك