رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 5 ديسمبر، 2016 0 تعليق

حسين بن عبد العزيز آل الشيخ: أسباب فلاح الأمة المحمدية

لن يتحقَّقَ رخاءٌ واستِقرارٌ ورغَدٌ في عيشٍ وأمنٌ وأمانٌ لمُجتمعٍ مُسلم، حتى يُسلِمَ أمرَه لحكمِ الله - جلَّ وعلا - ويُطبِّقَ شرعَه وينقَادَ لهَدي رسولِه صلى الله عليه وسلم 

 الأمةُ اليوم تعيشُ في تدابُرٍ وتقاطُعٍ، واختِلافٍ وتنازُعٍ، وتشاجُرٍ وتدافُع، نتَجَ عن ذلك سفكُ دماءٍ، وهَتكُ حُرمات، حتى ذاقَ بعضُهم بأسَ بعضٍ

 

 

ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: (أسباب فلاح الأمة المحمدية)، التي تحدَّث فيها عن النَّكبَات التي تحُلُّ بالمُسلمين في هذا العصر، وأنه لا فلاح ولا نجاحَ للأمة إلا بتمسُّكها بكتابِ ربِّها وسُنَّة نبيِّها صلى الله عليه وسلم ، واجتِناب ما حرَّم الله -تعالى. وكان مما جاء في خطبته:

     في واقعِ الأمةِ اليوم فتنٌ مُدلهِمَّةٌ، ومصائِبُ مُتنوعةٌ، وتحديَاتٌ خطرةٌ، ومخططاتٌ ماكِرة، وإنَّ أهلَ الإسلام -حكوماتٍ وأفرادًا- يتطلَّعُون إلى ما يُصلِحُ أحوالَهم ويُسعِدُ حياتَهم، ويُحقِّقُ لهم السرَّاءَ والرخاء، ويدفَعُ عنهم الشدَّةَ والضرَّاء، وإنَّ فلاحَ الأمة وفوزَها بكل مرغوبِ، ونجاتَها من كل مرهوبٍ، وسلامتها من سائرِ الخُطُوب، لا يتحقَّقُ إلا بتمسُّكِها بالإسلامِ الصافِي، الذي يتضمَّنُ سلامةَ التوحيد، وصحةَ الاعتقاد، والاستِسلامَ الكاملَ للواحدِ المعبُود، في كافَّةِ مناشِطِها ومجالات حياتِها، قالَ تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}(المؤمنون: 1)، وقال صلى الله عليه وسلم : «يا أيُّها الناسُ قُولوا: لا إله إلا الله تُفلِحُوا»؛ أخرجه ابن خُزَيمة في (صحيحه).

سعادة الأمة

لن تَسعدَ الأمةُ وتصلُحَ أحوالُها ما لم تُخضِع جميعَ أنظمة حياتِها وشتَّى توجُّهاتِها لشرعِ الله - جلَّ وعلا- قال -سبحانه-: {وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(الحج: 77)، ونبيُّنا[ قال: «قد أفلحَ من أسلمَ، ورزَقَه اللهُ كفافًا، وقنَّعه بما آتَاه»؛ أخرجَه مسلم.

الرخاء والاستقرار

     ولن يتحقَّقَ رخاءٌ واستِقرارٌ ورغَدٌ في عيشٍ، وأمنٌ وأمانٌ لمُجتمعٍ مُسلم، حتى يُسلِمَ أمرَه لحكمِ الله -جلَّ وعلا- ويُطبِّقَ شرعَه وينقَادَ لهَدي رسولِه صلى الله عليه وسلم {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(النور: 51).

ارتفاع الشقاء

     ولن يرتفعَ الشقاءُ بأنواعِه المختلفة، مهما حاوَلنا بكل السُّبلِ التخلُّصَ منه، ما لم نُحقِّق توبةً نَصُوحًا؛ مما حلَّ في واقِعِنا، من مُخالفةٍ لمنهَج ربِّنا وسُنَّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فلقد آنَ للأمةِ وهي تُقاسِي من الآلام والمآسِي ألوانًا مُختلفةً، آنَ لها أن تخشَعَ لربِّها ، آنَ لها أن تتُوبَ إليه بإصلاحِ الشأن وفقَ مرضاتِه -سبحانه- {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}(الحديد: 16)، {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(النور: 31).

وإلا فما دامَ أمرُنا مُستمرًّا على نَهجِ العِصيَان، والتوغُّل في المحارِمِ والآثام، فلنعلَم أن سبيلَ الفلاحِ لنا مُجانِب، والإصلاحَ عنا مُتباعِد، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(المائدة: 90).

واقع الأمة اليوم

     وها هي ذي الأمةُ -على سبيلِ المثالِ اليوم- تعيشُ في تدابُرٍ وتقاطُعٍ، واختِلافٍ وتنازُعٍ، وتشاجُرٍ وتدافُع، نتَجَ عن ذلك سفكُ دماءٍ، وهَتكُ حُرمات، حتى ذاقَ بعضُهم بأسَ بعضٍ، فتحقَّق فيهم قولُ الله - جلَّ وعلا -: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}(الأنفال: 46)، صدَقَ فيهم قولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم : «وما لَم تَحكُم أئمَّتُهُم بِكِتابِ اللَّهِ ويتخيَّروا مِمَّا أنزلَ اللَّهُ إلَّا جعلَ اللَّهُ بأسَهُم بينَهُم»؛ رواه ابن ماجه وغيرُه، وصحَّحه جمعٌ من المُحدِّثين.

نكَسَاتٍ كُبرى

     ها هي ذي  الأمةُ اليومَ تُعانِي نكَسَاتٍ كُبرى في مجالِ الاقتِصادِ والمال؛ وذلك لأن سبيلَ الخلاصِ للأمةِ المُحمدية، من النكَبَاتِ المالية، والانتِكاساتِ الاقتصادية، إنما هو في السَّيرِ وفق المنهج الإلهيِ المُرتَضى، الذي متى حادَت عنه وقعَت في الضرَّاء والبأسَاء والبلوَى، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(آل عمران: 131)، وفي الحديثِ الآنفِ الذِّكرِ: «ولم ينقُصُوا المِكيالَ والميزانَ إلاَّ أُخِذُوا بالسِّنينَ وشدَّةِ المؤونَةِ وجَورِ السُّلطانِ».

والمعنى: أنهم متى لم يتعامَلُوا في مُعاملاتِهم الاقتِصادية بما أنزلَ الله؛ فإنهم سيُصابُون بقَحطِ أرضِهم، ويُصابُون بغلاءِ المعيشةِ وارتِفاعِ الأسعار، وضِيقِ العيشِ في الأموال، ويُسلِّطُ الله - جلَّ وعلا - عليهم الحاكمَ الذي يجُور عليهم بما لا قُدرةَ لهم عليه.

الفلاحِ مطلَبٌ عظيم

     تحقيقُ الفلاحِ مطلَبٌ عظيم، لكنَّه لهذه الأمة مُعلَّقٌ على عملِ الأمةِ الجادِّ الصادِقِ، بمنهَجِ التآمُرِ بالمعروف والتناهِي عن المنكر، والتناصُحِ فيما يُصلِحُ الأمورَ ويُسدِّدُ التوجُّهات، وفقَ منهجٍ رَاقٍ، وأسلوبٍ حكيم، ومقصدٍ سامٍ، وهدفٍ نبيل، {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(آل عمران: 104)، ويظنُّ بعضُنا أن (مِنْ) هنا تبعِيضِيَّة، والصحيحُ: أنها بيانيَّة، والمعنى: ليكُن الجميعُ من المُجتمع آمِرًا بالمعرف، ناهِيًا عن المنكر، ومتى حادَ المسلمون عن هذا الطريق، وقَعُوا في الخَسَارِ، وارتَكَسُوا في البَوَار، الله - جلَّ وعلا - يقول: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(العصر: 1- 3).

الإسلام الصافي

     إن فلاحَ المسلمين مُتعلِّقٌ بفَهمِ الإسلامِ الصافِي، الذي جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلم ، دينُ الوسطيَّة البعيدُ عن الغلُوِّ والتنطُّعِ والتشدُّد، وعن التفرِيطِ والتساهُلِ بالأحكامِ الثابِتةِ في الوحَيين؛ فكم جرَّ الغلوُّ أو التفريط، كم جرَّ ذلك على المسلمين من مفاسِدَ عُظمى، وشُرورٍ لا تُحصَى؛ لأن ذلك مخالفٌ لما أرادَه المولَى، وسنَّهُ المصطفى صلى الله عليه وسلم ، قال الله -جلَّ وعلا-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}(البقرة: 143).

     إن الفلاحَ الدنيوي الذي مفهومُه الازدهارُ الاجتماعي، والرَّخاءُ الجماعي، بتدفُّقِ النعمِ المُتوافِرة، والبرَكَات المُتتابِعة، لا يكون بعملٍ جادٍّ بالأسبابِ الحِسِّيَّة فحسب؛ بل المُقوِّمات الحقيقية لذلك استقامةٌ على طريقِ السُّنة، ودوامٌ على الالتِزام بالمناهِجِ الشرعيةِ في جميعِ الأمورِ، {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}(الطلاق: 2- 3)، وقال - عزَّ شأنُه -: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}(الأعراف: 96).

ما بعد عصر الاستعمار

     لقد جرَّبَ كثيرٌ من المسلمين بعد زوالِ عصرِ ما يُسمَّى بالاستِعمار -وهو الاستِخراب - جرَّبُوا في حياتهم نماذِجَ من الأفكار المُستورَدة، والتوجُّهاتِ الوارِدة أكثرَ من قرنَين، فما وجَدَت منها مُجتمعاتُ الإسلام إلا وبالا فكريًّا، وضَعفًا عسكريًّا، وكسادًا اقتِصاديًّا، وفسادًا أخلاقيًّا، وتفكُّكًا اجتماعيًّا، لم تصلُح بها دُنياهم، بل أفسَدَت كثيرًا من ثوابِتِ دينِهم.

     لقد آنَ بعد الشواهدِ التطبيقيَّة المُحزِنة في أرضِ الواقع، منذ ذلك الزمن، آنَ لها أن تعُودَ لنورِ الوحيَين، وضياءِ الهديَين، آنَ لمن خُدِّر بحُقن الانبِهارِ الفاضِحِ بحضاراتٍ تُبرِزُ مبادِئَ وقيَمًا، أثبَتَ الواقِعُ الحِسِّيُّ أنها زُورٌ وباطِلٌ وتزيِيفٌ ظاهريٌّ، يلُوحُ عند ظُهورِ المصالِحِ الشخصيَّة، والمنافعِ الذاتيَّة لأعداء الإسلام.

     فإنما هي مفاهِيم بمثابَة نقُوشٍ جميلةٍ مُثبَتةٍ في لوحةِ دساتِيرهم، ولكنها في التطبيقِ تحمِلُ الخرابَ لديار الإسلام، والتدمِيرَ لمُقدَّراتِهم، والسَّلبَ الدائِمَ لخيراتِ بُلدانهم، ولا غَرْو؛ فهي مبادِئ حضارةٍ مُنفلِتةٍ من قيُود الإصلاحاتِ الربَّانيَّة والهدي النبوي، وإنما همُّها الهدمُ لا غير، دون معاييرَ دينيَّة ولا أخلاقيَّة ولا أدبيَّة ولا إنسانيَّة، {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُون}(المائدة: 50)، وما يحصُلُ في مواطِنِ الصراعِ من بُلدنِ المسلمين اليوم، أصدَقُ بُرهانٍ على ما ذُكِر، فاتَّقُوا الله - يا أهل الإسلام - عُودُوا لدينكم، تصلُح أحوالُكم.

أسبابِ العزِّ والنصرِ

     إنَّ أمةَ الإسلام تملِكُ من أسبابِ العزِّ والنصرِ ما لا يملِكُه غيرُها، وتختصُّ بمُقوِّمات الصلاحِ والسعادةِ ما لا يُوجد عند سِواها، وتأريخُ الأمة في قُرونٍ مضَت أعظمُ شاهِدٍ وأكبرُ بُرهان، لكن ذلك مشرُوطٌ بشرطِه، ومُرتهنٌ بمُقوِّماتِه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(محمد: 7).

حِفظُ اللهِ لهذه الأمة النبوية مشرُوطٌ بالتِزامها بشريعةِ الله، وطاعتِها لأمرِ الله - جلَّ وعلا -، وانزِجارِها عن محارِمِه، {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}(الحج: 38)، وفي قراءةٍ أُخرَى: {يَدْفَعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}، وفي الحديثِ الصحيحِ: «احفَظِ اللهَ يحفظْك».

أمن الأمة واستقرارها

أمْنُ هذه الأمةِ ومُجتمعاتها واستِقرارُ ذلك، وأمانُها ورخاؤُها، مربُوطٌ بقيامِها بالإيمان ولوازِمِه، والإسلامِ وحقوقِه، ليس قولاً، وإنما اعتِقادًا وقولاً وفعلاً، {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}(الأنعام: 82).

     وللأمة المُحمدية من العلُوِّ على عدوِّها والغلَبَة عليه، بحَسب ما معَها من الإيمانِ وحقيقَتِه وواجِباتِه، كما قالَه ابنُ القيِّم، يقول -جلَّ وعلا-: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}(آل عمران: 139)، {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}(الصافات: 173)، قال ابنُ كثيرٍ عند قولِه - جلَّ وعلا -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}(التوبة: 123)، قال كلامًا متِينًا: فكلَّما قامَ ملِكٌ من مُلُوك الإسلام، وأطاعَ أوامرَ الله، وتوكَّل على الله؛ فتَحَ الله عليه من البلاد، واسترجَعَ من الأعداء بحسبِه، وبقَدر ما فيه من وَلاية الله - جلَّ وعلا -. اهـ كلامُه، ثم إن الله - جلَّ وعلا - أمرنا بأمرٍ عظيم، ألا وهو: الصلاةُ والسلامُ على النبيِّ الكريم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك