حسن الخاتمة
عن أبي هريرة وسهل بن سعد -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب؛ فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار؛ فيختم له بعمل أهل الجنة فيدخلها». رواه البخاري ومسلم.
في هذا الحديث الشريف بشارة وتخويف، بشارة لمن تاب وأصلح عمله قبل الموت بأنه إذا ختم له بعمل أهل الجنة كان من أهلها، وتخويف للمؤمن الطائع من أن يزل ويعمل بعمل أهل النار فيدخلها -والعياذ بالله.
والناس في خاتمتهم أقسام:
من كان مؤمنًا صالحًا
1- أشرفها من كان في حياته مؤمنًا صالحًا؛ فلما قرب أجله ازداد اجتهادًا في العبادة؛ فمات على أكمل أحواله، وعلى رأس هؤلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه لما قرب أجله اعتكف في رمضان عشرين يومًا، وكان قبل ذلك يعتكف في كل عام عشرة أيام، وختم القرآن على جبريل مرتين في رمضان، وكان يختمه عليه قبل ذلك مرة، وحج حجة الوداع، وكان يقول : «ما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي».
من كان كافرًا أو فاسقًا
2- من كان في حياته كافرًا، أو فاسقًا؛ فلما قرب أجله، أسلم وتاب واستقام وحسن عمله؛ فمات على ذلك، كالرجل الذي قتل مائة نفس ثم تاب، وذهب إلى قرية فيها صالحون ليعبد الله معهم؛ فمات في الطريق؛ فقبضته ملائكة الرحمة، والحديث في الصحيحين عن أبي سعيد رضي الله عنه .
من ازداد كفرًا أوفسقًا
3- من كان في حياته كافرًا، أو فاسقًا؛ فازداد قبل حلول أجله فسقًا وكفرًا؛ فمات على أسوأ أحواله.
من كان مؤمنًا ثم كفر
4- من كان في حياته مؤمنًا ثم كفر أو صالحًا ثم فسق -والعياذ بالله تعالى-؛ فمات على ذلك؛ فهذا أعظمهم حسرة وندامة، وهذه التي خافها الصالحون. قال سفيان الثوري -رحمه الله-: الذنوب أهون عليّ من هذه -وأشار إلى تبنة كانت في يده- وإنما أخاف من سوء الخاتمة، قال -تعالى-: وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلـئِكَ أَصْحَـابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَـالِدُونَ (البقرة:217).
في الحديث بشارة
ولكن في الحديث بشارة -بإذن الله- لمن عمل بعمل أهل الجنة مخلصًا إذا بدا للناس وإذا خلا بنفسه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الذين يختم لهم بالسوء وكانوا يعملون عمل أهل الجنة، إنما كانوا يعملون به فيما يبدو للناس، عن عمرو بن الحَمِق رضي الله عنه قال: «إذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله»، قيل: كيف يستعمله؟ قال: «يفتح له عملاً صالحًا بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله». رواه أحمد والحاكم وابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع (301)، وعن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الله -تعالى- إذا أراد بعبد خيرًا قيض له قبل موته بعام ملكًا؛ فيوفقه ويسدده حتى يقال: مات بخير ما كان يعمل، وإذا أراد الله بعبد سوءًا قيّص له قبل موته بعام شيطانًا فأضله وفتنه حتى يقال: مات بشر ما كان يعمل» رواه عبد بن حميد في مسنده.
علامات حسن الخاتمة
ولحسن الخاتمة علامات، كل واحدة منها كافية -بإذن الله- في الاستبشار بحسن الخاتمة من غير جزم بذلك: النطق بالشهادة عند الموت لقوله: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة». رواه الحاكم، وأن يرشح جبينه بالعرق لقوله: «موت المؤمن بعرق الجبين». رواه أحمد والترمذي عن بريدة رضي الله عنه ، أن يموت يوم الجمعة، أو ليلتها وهو مسلم، لقوله : «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر».
وأن يموت شهيدًا في سبيل الله، أو وهو مرابط في سبيل الله، أو يموت بإحدى الميتات التي صاحبها في درجة الشهيد، وهي: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والحريق، والموت بذات الجنب، والمرأة يقتلها ولدها أي: تموت وهي حامل، أو بسبب الوضع.
وأن يختم له بعمل صالح كصيام يوم أو صدقة أو ذكر، عن جابر رضي الله عنه قال : «من مات على شيء بعثه الله عليه» رواه أحمد والحاكم وهو في صحيح الجامع (6419).
حكايات كثيرة
وقد حكى الإمام ابن القيم والحافظ الذهبي -رحمهما الله- حكايات كثيرة عن أقوام عجزوا عن قول: «لا إله إلا الله» عند موتهم، واستبدلوها بما كانوا متعلقين به في الدنيا من حرام أو مباح؛
فرجل كان يلعب الشطرنج قيل له: قل: لا إله إلا الله؛ فقال: شاه رخ، ومات. ورجل كان يشرب الخمر، قال: اشرب واسقني، ثم مات.
كيد الشيطان
وذلك لأن الشيطان يحشد للإنسان كل همته وقوته لإضلاله في هذه اللحظة، والإنسان يكون في أضعف أحواله، قال -تعالى-: {يُثَبّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَفِى الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّـالمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء}(إبراهيم:27).
بشارة الملائكة
وأما العلامة التي يعلم بها الميت نفسه حسن خاتمته؛ فهي أن تبشره ملائكة الرحمة برضوان الله -تعالى-؛ فيفرح ويستبشر، قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَـامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَـئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ} (فصلت:30).
وهذه العلامة هي التي في صحيح مسلم عن شريح بن هانئ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه»، قال شريح: فأتيت عائشة -رضي الله عنها- فقلت: يا أم المؤمنين، سمعت أبا هريرة يذكر عن رسول الله حديثًا، إن كان كذلك فقد هلكنا، فقالت -رضي الله عنها-: ليس منا أحد إلا وهو يكره الموت، قد قاله رسول الله، وليس بالذي تذهب إليه، ولكن إذا شخص البصر، وحشرج الصدر، واقشعرّ الجلد، وتشنّجت الأصابع؛ فعند ذلك من أحبّ لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. رواه مسلم (2685). قال النووي -رحمه الله-: وهي الحال التي لا تقبل فيها التوبة”.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها،وخير أيامنا يوم لقائك يا كريم.
لاتوجد تعليقات