رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. خالد آل رحيم 11 يوليو، 2019 0 تعليق

حرمة الدماء بين السلف والخوارج


توعد الله -تعالى- الجاني على النفس البريئة بعقوباتٍ شديدةٍ ومتعددةٍ، كل واحدة أشد مِن غيرها وعيدًا ترتعد منه النفوس، وترتجف من هوله القلوب، قال -تعالى-: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (النساء:93).

     وظهر هذا جليًّا في الفارق بين الصحابة والسلف والخوارج في احترام الدماء والخوف مِن الخوض فيها بغير حقها، فعن ابن عمر أنه: «أَتَاهُ رَجُلاَنِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالاَ: إِنَّ النَّاسَ صَنَعُوا مَا تَرَى وَأَنْتَ ابْنُ عُمَرَ، وَصَاحِبُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ؟ فَقَالَ يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ دَمَ أَخِي. فَقَالاَ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} (البقرة:193). فَقَالَ: قَاتَلْنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، وَكَانَ الدِّينُ لِلَّهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ» (رواه البخاري).

ما حملك على هذا؟

     وفي رواية عن نافع: «أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَحُجَّ عَامًا، وَتَعْتَمِرَ عَامًا وَتَتْرُكَ الجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا رَغَّبَ اللَّهُ فِيهِ؟! قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: إِيمَانٍ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالصَّلاَةِ الخَمْسِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيْتِ. قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَلاَ تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (الحجرات:9)، {قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} (الأنفال:39)، قَالَ: «فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ الإِسْلاَمُ قَلِيلًا، فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ: إِمَّا قَتَلُوهُ، وَإِمَّا يُعَذِّبُونَهُ، حَتَّى كَثُرَ الإِسْلاَمُ فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ» (رواه البخاري).

مَا يَمْنَعُكَ أَنْ لاَ تُقَاتِلَ؟

وفي رواية: «أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلاَ تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا...} (الحجرات:9)، فَمَا يَمْنَعُكَ أَلاَ تُقَاتِلَ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَغْتَرُّ بِهَذِهِ الآيَةِ وَلاَ أُقَاتِلُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَغْتَرَّ بِهَذِهِ الآيَةِ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى-: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (النساء:93)» (رواه البخاري).

قِتَالِ الفِتْنَةِ

     وعن سعيد بن جبير قال: «خَرَجَ عَلَيْنَا -أَوْ إِلَيْنَا- ابْنُ عُمَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ: كَيْفَ تَرَى فِي قِتَالِ الفِتْنَةِ؟ فَقَالَ: وَهَلْ تَدْرِي مَا الفِتْنَةُ؟ كَانَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - يُقَاتِلُ المُشْرِكِينَ، وَكَانَ الدُّخُولُ عَلَيْهِمْ فِتْنَةً وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى المُلْكِ» (رواه البخاري). وكان يقول: «إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ، الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ» (رواه البخاري).

وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ

     وعن ابن عباس قال: «قُتِلَ قَتِيلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا يُعْلَمُ قَاتِلُهُ، فَصَعِدَ مِنْبَرَهُ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُقْتَلُ قَتِيلٌ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ لَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ، لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَعَذَّبَهُمُ اللهُ بِلَا عَدَدٍ، وَلَا حِسَابٍ» (أخرجه الطبراني في المعجم الكبير).

أَلَا تُقَاتِل؟

     وعن ابن سيرين قال: «قِيلَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَلَا تُقَاتِل؟؛ فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى، وَأَنْتَ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِكَ؟ فَقَالَ: لَا أُقَاتِلُ حَتَّى تَأْتُونِي بِسَيْفٍ لَهُ عَيْنَانِ وَلِسَانٌ وَشَفَتَانِ يَعْرِفُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ! فَقَدْ جَاهَدْتُ وَأَنَا أَعْرِفُ الْجِهَادَ» (أخرجه الطبراني في المعجم الكبير).

أَلَا تَخْرُج فَتُقَاتِل مَعَنَا؟

     وعند الحاكم بسندٍ صحيح عن عامر الشعبي قال: قَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ لِأَيْمَنَ بْنِ خُرَيْمٍ: أَلَا تَخْرُج فَتُقَاتِل مَعَنَا؟ فَقَالَ: إِنَّ أَبِي وَعَمِّي شَهِدَا بَدْرًا، وَإِنَّهُمَا عَهِدَا إِلَيَّ أَنْ لَا أُقَاتِلَ أَحَدًا يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِنْ أَنْتَ جِئْتَنِي بِبَرَاءَةٍ مِنَ النَّارِ، قَاتَلْتُ مَعَكَ، قَالَ: فَاخْرُجْ عَنَّا، قَالَ: فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ:

                         وَلَـسْـتُ بِـقَـاتِلٍ رَجُـلًا يُصَلـِّي

عَلَى سُلْطَانٍ آخَرَ مِنْ قُرَيْشِ

                          لَهُ سُـلْـطَـانُهُ وَعَـلَيَّ إِثْــمِي

مُعـَـاذَ اللَّهِ مِنْ جَـهْـلٍ وَطَيْشِ

وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ، إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا، أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا» (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

هذا هو الفارق

     وهذا هو الفارق بين سلف الأمة المبارك وبين الخوارج في التعامل مع الدماء، فالسلف كانوا يخشون سفكها بغير حق؛ فمنهم مَن يطلب سيفًا له عينان ولسان يعرف المؤمن من الكافر، ومنهم مَن يطلب براءة مِن النار ليقاتِل! والأدلة كثيرة، ونحن نرى الآن الخوارج يَقتلون على الهوية دون نظرٍ لدليلٍ أو حجةٍ يحاجون بها مَن يقتلونهم يوم لقاء المولى -تعالى!

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك