رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد سليمان الزواوي 25 يوليو، 2019 0 تعليق

حرمان من أبسط الحقوق التي كفلتها الشريعة الإسلامية وكفلتها المواثيق الدولية – معاناة الأطفال في إفريقيا.. بين إرث الماضي وتحديات الحاضر


قال الله -تعالى-: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء:70)، خصّت الشريعة الإسلامية مرحلة الطفولة لدى الإنسان باهتمامٍ كبيرٍ؛ وذلك لما لهذه المرحلة من أهميةٍ كبيرةٍ في بناء شخصيته، بجوانبها الإيجابية والسلبية، ويكون ذلك تبعًا لما يلاقيه فيها من أسلوب في التربية والاهتمام، وبناءً على ذلك فقد قرّر الإسلام للأطفال حقوقًا وواجبات لا يمكن التغافل عنها أو إهمالها، بل وكان سبّاقًا لفعل ذلك، فقبل أن تضع الدول الحديثة، والأمم البشرية جميعها شيئًا من مواثيق حقوق الطفل، والإنسان بأربعة عشر قرنًا كان الإسلام قد بيّن ذلك وفصّل فيه، وفي هذا المقال نتكلم عن حقوق الطفل في أفريقيا؛ حيث لا يزال أطفال تلك القارة السمراء يعانون من الحرمان من أبسط حقوقهم الأساسية، لا سيما التعليم والطفولة والخدمات الصحية، حسب منظمة أفريقية.

     وقد شهدت القارة الإفريقية أكبر نسبة عمالة للأطفال حول العالم؛ حيث تشير الإحصاءات إلى أنَّ هناك 186 مليون طفل يعملون في القارات الست، منهم في إفريقيا وحدها 80 مليون طفل، يعملون في أعمال خَطِرَة، ويُجنّدون في الجيوش، ويقعون فريسة للفصائل المتقاتلة، ويكونون ضحية لغياب الأمن وسوء الأحوال الاقتصادية واندلاع الصراعات العرقية والقبلية.

يوم الطفل الأفريقي

     وفي السادس عشر من يونيو من كل عام يحتفل العالم بيوم الطفل الإفريقي، وهي مبادرة دولية من أجل تسليط الضوء على معاناة أطفال القارة السمراء الذين يعيشون في ظروف قاسية، ويقعون ضحية لمشكلات سياسية واقتصادية عميقة الجذور في تلك القارة التي تشهد نزاعات عدة وحروبًا أهلية ومجاعات، وكذلك تشهد ثورات شعبية وانقلابات عسكرية. فقارَّة إفريقيا تُعَدُّ واحدة من القارات الأقل استقرارًا على مستوى العالم، وذلك بالوضع في الاعتبار كذلك منطقة شمال إفريقيا التي شهدت احتجاجات واسعة بدءًا من نهاية عام 2010م، من أجل تحسين أحوال الشعوب الاقتصاديَّة.

الفقر والعنف المسلح

     وفي هذا الإطار يقع الطفل الإفريقي بين رحى الفقر وسندان العنف المسلح، وتشير الدراسات الاجتماعية إلى أنَّ عمالة الأطفال تؤدي إلى تشوُّهات نفسية في هؤلاء الأطفال عند الكبر؛ حيث تزداد لديهم ميول العنف وارتكاب الجرائم، وهذا يفاقم المشكلات الاجتماعية والسياسية والأمنية الموجودة بالفعل في إفريقيا جنوب الصحراء، التي كثيرًا ما تَستخدم أولئك الأطفال أيضًا مجندين في الصراعات طويلة الأمد، وكذلك في المناطق قليلة السكان، فضلا عن استغلالهم في أعمال شديدة الخطورة، مثل المناجم ومصانع الإسمنت، وغيرها، فضلا عن التقارير التي تشير إلى تصاعد الاستغلال الجنسي ضدهم.

الصراعات الدينية

     كما أن زيادة الصراعات الدينية في مناطق التوترات بين المسلمين والمسيحيين على سبيل المثال في جمهورية إفريقيا الوسطى قد أدَّت بدورها إلى زيادة تجنيد الأطفال في تلك الصراعات الدينية، التي من المتوقع أن تترك آثارًا عميقة على نفسية أولئك الأطفال وقدرتهم على العيش في تسامح في المستقبل مع أصحاب المعتقدات الأخرى، لا سِيَّما في ظلّ بشاعة عمليات التطهير العِرْقِيّ التي جرت في ذلك الصراع، مما يؤدِّي إلى تفاقم المشكلات بتصديرها إلى المستقبل محمولة في أذهان أولئك الأطفال. وبعد سقوط الحكومة في عام 2013م، تضاعف عدد الجنود الأطفال في البلاد، وارتفع إلى أكثر من 6000، ومع ما يقرب من 400 ألف شخص نزحوا بسبب النزاع، كانت هناك مخاوف من أن يزيد عدد المجندين الأطفال تزايدا كبيرا.

جنوب السودان

     كما تمثل حالة جنوب السودان كذلك صراعًا يختلط فيه الديني بالسياسي، في ظل فشل دولة جنوب السودان في توفير الحد الأدنى من مقومات الدولة التي حلم بها مواطنوها عندما صوّتوا على الانفصال عن الشمال، بما تحمله كذلك من إرث للصراع الديني، وكذلك الصراع على مناطق الرعي والمياه والنفط.

عمالة الأطفال

     وقد أشارت دراسة أجراها مكتب منظمة العمل الدولية في 2002م إلى أن دول إفريقيا جنوب الصحراء تشهد معدلات مرتفعة لعمالة الأطفال، وأن نسبة 41 في المائة من هؤلاء الأطفال يعملون في النشاطات الاقتصادية ومعظمهم في القطاع الزراعي. وأوضحت الدراسة أن 48 مليون طفل أو نسبة 23 في المائة من العمال الأطفال في العالم يوجدون في القارة الإفريقية، وأن الأطفال العاملين دائمًا تكون أعمارهم أقل من 15عامًا، وأشارت منظمة العمل الدولية إلى أن مشكلة عمالة الأطفال مشكلة خطيرة، وأن 352 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 7 و17 عامًا يشتغلون في النشاطات الاقتصادية، وأن حوالي 246 مليون طفل من العدد السابق يعملون في ظروف عمل غير مقبولة، بينما يتعرض 179 مليون من هؤلاء الأطفال إلى أنواع قاسية من المعاملة التي تُعَرِّض حياتهم الجسدية والعقلية للخطر.

أدوات للقتل والتعذب

     وفي أوغندا في السنوات العشرين الماضية، اختطف جيش الرب الأوغندي أكثر من 30 ألف طفل لاستخدامهم أدوات للقتل والتعذيب والحرب. في البداية، تم تكوين جيش الرب -بقيادة الجنرال جوزيف كوني-  لمقاومة قوات الدفاع الشعبية الأوغندية في الحرب الأهلية، ولكنْ تحولت أعمالهم العدائية إلى حرب عرقية ضد القبائل في شمال بعض الدول الإفريقية؛ حيث انتشر مقاتلوهم في أطراف شمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي إفريقيا الوسطى، وفي جنوب السودان منذ عام  2005م في أوغندا؛ حيث يُختطف الصبية الصغار ويُجْبَرُون على القتال وعلى إرهاب السكان المدنيين، وقد ارتكب كثير من هؤلاء الأطفال أعمالهم الوحشية قبل الوصول إلى سنّ البلوغ، وقد أدانت الأمم المتحدة أيضًا قوات الدفاع الشعبية الأوغندية لتجنيدها نحو 5000 طفل.

أنقذوا الأطفال

     وأوضح تقرير لمنظمة (أنقذوا الأطفال) الدولية، أنّ النرويج وسلوفينيا وفنلندا وهولندا والسويد، تصدرت قائمة الدول التي تكون الطفولة فيها أقل عرضة للخطر، في حين تربعت النيجر وأنغولا ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى والصومال وتشاد وجنوب السودان على قائمة الدول الأكثر خطورة على الطفولة. وبحسب معطيات التقرير، فإن واحدًا من بين كل 10 أطفال يتوفون دون الخامسة من أعمارهم في أنغولا، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وتشاد، ومالي، ونيجيريا، وسيراليون، والصومال.

التخلف الدراسي

     وأشارت المعطيات إلى أن 9 ملايين من الأطفال الإناث، و6 ملايين من الذكور متخلفون عن المدارس في دول جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية. كما أظهرت أن نصف الأطفال في تشاد والصومال لم يذهبوا إلى المدارس أبدًا، فيما تشكل نسبة الأطفال المحرومين من حق التعليم في النيجر 55%، وجيبوتي 61%، وإريتريا 63%. أما في جنوب السودان فإنَّ ثلثي الأطفال محرومون من حق التعليم. كما أن الدول الإفريقية تتصدر دول العالم في نسبة معدلات عمالة الأطفال؛ حيث تبلغ نسبة الأطفال العاملين في الكاميرون 47%، وفي الصومال 49%، وغينيا بيساو 52%، ومالي 56%، بحسب التقرير.

أرقام مفزعة

     وكل تلك الأرقام تُعَدُّ مفزعة للغاية؛ حيث إنها تقترب أو تزيد عن النصف في الكثير من الحالات، بما يشير إلى اقتران التسرب من التعليم وعمالة الأطفال وتجنيدهم في الصراعات بالنواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية المتدهورة، وكل تلك المشكلات ترتبط بصورة أو بأخرى بمعدلات التنمية، وكذلك بالعدالة الاجتماعية، ومدى تطبيق الديمقراطية، وكذلك التوزيع العادل للثروة في مناطق الريف والحضر.

 

 

لا تنسوا معاناة مسلمي الروهينجا

 محمد سعود البدر

سفير الكويت السابق في كينيا

 

     قال صلى الله عليه وسلم : «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر». متفق عليه، إنه وصف لأصحاب الإيمان الذين يعرفون قيمة الروابط الإيمانية الحقة, تلك التي ترتقى كل رابط بني على مصالح الدنيا أو على أساسها، إن ذلك الرابط الإيماني ليدفع نحو الاهتمام بشكوى أهل الإيمان والشعور بشعورهم, والحرص على دعمهم, والدفاع عنهم, وكفالتهم في نوازلهم ومصابهم، يقول -سبحانه-: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}، ومن المؤمنين الذين أصابهم القرح وابتلوا ابتلاء شديدًا مسلمو (الروهينجا).

     ففي خضم الأحداث الإقليمية والدولية ضعف التطرق إلى مأساة شعب (الروهينجا) المسلم في ميانمار - بورما - الذي لا يزال يعاني من المآسي التي لحقت به جراء الأعمال الإجرامية التي قامت بها القوات والمليشيات المسلحة في هذه الدولة ضد إخواننا المسلمين هناك؛ فقتلت من قتلت، وأحرقت منازلهم، وتشرد معظم هذه الطائفة إلى الدول المجاورة للنجاة بأنفسهم من بطش سلطات هذه الدولة، وقد وصل لاجئو (الروهينجا) في بنغلاديش إلى حوالي المليون شخص، يعانون من الظروف المناخية القاسية، وعدم توفير الحياة الكريمة من مسكن، ومأكل، ومشرب، وعدم توفر الخدمات الأساسية، ورفض السلطات البورمية عودتهم إلى ديارهم مع عدم الاهتمام المناسب من المنظمات الدولية، بل رفضت الحكومة البورمية الاستجابة إلى المبادرات الدولية لتسوی هذه القضية الإنسانية الملحة.

     ومع الأسف؛ فإن الاختلاف وضعف المسلمين أدى إلى العجز عن التدخل لنصرة إخوانهم شعب (الروهينجا) المسلم، نظرا للأوضاع الدولية السائدة، وعدم الجد في حل هذه القضية من الدول الكبرى والأمم المتحدة، ومع استمرار هذه المعاناة؛ فإن وسائل الإعلام تكاد لا تذكرهم، والخشية نسيان هذه القضية مع الزمن دون حل واستمرار معاناة إخواننا هناك، نسأل الله -تعالى- أن ينصرهم على أعدائهم، إنه سميع مجيب.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك