رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 1 سبتمبر، 2014 0 تعليق

حرب الـ50 يوما على غزة في ميزان الربح والخسارة


بعد 50 يوما من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وضعت الحرب أوزارها أخيرًا، إثر اتفاق فلسطيني – إسرائيلي، برعاية مصرية، ورغم حجم الخسائر الكبيرة في صفوف الفلسطينيين، فربما تكون هذه هي الحرب الأولى التي يشنها الكيان الغاصب، ويبادر فيها بطلب وقف إطلاق النار، ومن خلفه تقف الإدارة الأمريكية، ولا شك أنها المرة الأولى، التي تنتصر فيها المقاومة الفلسطينية بوضوح، فقد قاومت ببسالة، ملحقة خسائر اقتصادية هائلة بالعدو.

ويستند هذا الاتفاق في جوهره إلى تفاهمات اتفاق نوفمبر 2012 بين حماس وإسرائيل، على أن تبدأ المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية غير المباشرة بعد أكثر من أسبوع للاتفاق على القضايا المعلقة، وقد توصل الطرفان إلى اتفاق هدنة، كانت أهم بنودها كالآتي:

خطوات فورية

في إطار الاتفاق هناك خطوات فورية سيبدأ الطرفان في تنفيذها، أبرزها:

- توقف إسرائيل كل العمليات العسكرية بما في ذلك الضربات الجوية والعمليات البرية في غزة.

- توقف حماس والفصائل الفلسطينية في غزة إطلاق القذائف والصواريخ على إسرائيل.

- توافق إسرائيل على فتح المزيد من معابرها الحدودية مع غزة للسماح بتدفق البضائع، بما في ذلك المعونات الإنسانية ومعدات إعادة الإعمار إلى القطاع.

- تتولى حكومة الوفاق الفلسطينية قيادة تنسيق جهود إعادة الإعمار في غزة مع المانحين الدوليين.

- تضييق المنطقة الأمنية العازلة داخل حدود قطاع غزة من 300 متر إلى 100 متر إذا صمدت الهدنة. وتسمح هذه الخطوة للفلسطينيين بالوصول إلى مزيد من الأراضي الزراعية قرب الحدود.

- توسيع إسرائيل لنطاق الصيد البحري قبالة ساحل غزة إلى ستة أميال بدلا من ثلاثة أميال، مع احتمال توسيعه تدريجيا إذا صمدت الهدنة.

قضايا المدى البعيد

لكن هناك قضايا أكثر تعقيدا تركت لحلها في غضون شهر من خلال المفاوضات التي ستعقد في القاهرة من أهمها:

- الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين الذين اعتقلوا في الضفة الغربية عقب خطف ثلاثة شبان إسرائيليين في يونيو الماضي وقتلهم.

- الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين الذين جمدت إسرائيل الإفراج عنهم بعد انهيار محادثات السلام بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

- تسليم الفصائل في غزة جميع أشلاء الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا في الحرب الأخيرة مع متعلقاتهم.

- إنشاء ميناء بحري في غزة، بما يسمح بنقل البضائع وعبور المسافرين إلى القطاع ومنه.

- إعادة بناء مطار ياسر عرفات في غزة الذي افتتح عام 1998، وأغلق عام 2000 بعد قصفه من قبل إسرائيل.

- السماح بتحويل الأموال الفلسطينية إلى غزة، بما يسمح بدفع أجور 40 ألفا من رجال الشرطة والموظفين الحكوميين وغيرهم من العاملين.

     هذا وقد أسفرت هذه الحرب عن خسائر في كلا الطرفين، وبرغم أن حجم هذه الخسائر في الجانب الفلسطيني أكبر بكثير من الجانب اليهودي، إلا أنه في موازين القوى السياسية والعسكرية، فإن الخسائر التي مني بها الكيان الصهيوني، تمثل نكسة حقيقية، للمؤسسة العسكرية الصهيونية التي فوجئت بالتطور النوعي لقدرات المقاومة؛ مما أوقع القيادة السياسية في حرج بالغ، نتيجة لفشلها في تحقيق أهداف حربها على غزة.

واعترفت بأن «الجيش الإسرائيلي لم يحقق أيّ إنجاز خلال تلك العملية سوى تدمير أنفاق عدة»، دون أن تذكر حجم الدمار الذي تسبب فيه الاحتلال في غزة ضد المدنيين.

حصاد الجرف الصامد

- عدد القتلى 2133 قتيلا فلسطينيا - نسأل الله أن يجعلهم من الشهداء - بينهم 401 من الأطفال، و238 من النساء سيدة، و74 مسنا، بينما أبيدت 90 عائلة فلسطينية بأكملها.

- عدد الجرحى 10 آلاف و890 جريحا بينهم 2805 أطفال، و1823 نساء، و343 مسنا.

- تم تدمير 5238 وحدة سكنية، وتضرر 30050 وحدة سكنية أخرى ضررا جزئيا، منها 4374 وحدة أصبحت غير صالحة للسكن، وفق معلومات صادرة عن وزارة الأشغال العامة الفلسطينية».

- تدمير 138 مسجدا، من بينها 28 مسجدا دمروا كليا، و110 جزئيا.

- استهداف 52 مستشفى ومركزا صحيا وتدميرها جزئيا.

- تدمير 8 محطات للمياه ومحطة توليد الكهرباء الرئيسية والوحيدة في القطاع.

- نزوح 250 ألف فلسطيني، تاركين منازلهم بسبب القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي.

- إجمالي الخسائر الفلسطينية (5 مليارات دولار)، وهي خسائر مباشرة وغير مباشرة وتشمل تكاليف إعادة بناء ما دمر في غزة».

- وقال صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف): «إن الأطفال يكونون ما نسبته 31% من الضحايا المدنيين الذين سقطوا بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ بدايته يوم 8 يوليو/تموز الماضي».

- وحسب إحصائيات ذكرها الصندوق أواخر الشهر الماضي فإن أكثر من عشرة أطفال كانوا يقتلون يوميا في غزة، وكان أصغرهم رضيعا في شهره الثالث.

- استهداف 142 مدرسة تضررت، منها 89 تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

- فضلا عن القتل والتشريد، ويعاني عشرات الآلاف من الأطفال في غزة من صدمات نفسية جراء ما يشاهدونه من دمار ومناظر مأساوية ناتجة عن العدوان الإسرائيلي. ويقدر اليونيسيف بأن قرابة 326 ألف قاصر في غزة بحاجة إلى دعم نفسي.

- وبحسب الإحصائيات فإن هذا «العدوان هو الأطول والأكثر قسوة وعنفا، خلال 6 سنوات عانى فيها أهالي القطاع من 3 حروب إسرائيلية».

حصاد العصف المأكول

     وعلى الطرف الآخر بدأت الصحف ومراكز الأبحاث الإسرائيلية نشر تفاصيل عن حصاد الخسائر الإسرائيلية مؤكدة أنّه بجانب الأضرار المادية هناك أضرار معنوية وإخفاقات استراتيجية وفشل استخباري، حتى إنّ صحيفة (معاريف) قالت: إنّ اللجنة المركزية لليكود ستعقد اجتماعًا بعد أسبوعين لمناقشة «الفشل» في حرب غزة؛ وكانت خسائر الجانب اليهودي كالآتي:

- مقتل 70 إسرائيليًّا منهم 65 ضابطًا وجنديًّا، في حين قُتل 5 مدنيين في سقوط المئات من صواريخ المقاومة على المستوطنات والمدن الإسرائيلية.

- إصابة ما لا يقل عن 2300 إسرائيليّ بجراح مختلفة أكثر من نصفهم من الجنود.

- سقوط 220 صاروخًا على مباني إسرائيلية، في حين اعترضت القبة الحديدية 708 من الصواريخ فقط من إجمالي عدد الصواريخ (أي فشلت في اعتراض 3792 صاروخًا فلسطينيًّا).

- قيام كتائب القسام بأسر الجندي (شاؤول أرون)، وتنفيذ عمليات غير مسبوقة خلف خطوط العدو عبر الأنفاق التي شكلت رعبًا للعدو، ومثلت سلاحًا استراتيجيًا لم يشهد العالم مثله في العصر الحديث.

- 8 مليارات شيكيل هي إجمالي الخسائر الاقتصادية لعملية العصف المأكول، أدت إلى عجز كبير في الميزانية العامة للكيان الصهيوني.

الحرب في ميزان الربح والخسائر

 أخيرًا في ميزان الربح والخسائر يمكن القول إن إسرائيل جنت ما يأتي:

(1) فقدت عطف كثير من أصدقائها، وخسرت الكثير في معارك الصورة والرواية، واقتربت أكثر من كابوسها: «نزع الشرعية الأخلاقية» لمشروعها في نظر المجتمعات الغربية.

(2) فقدت صورة الردع ومهابته، فالصواريخ ظلت تطلق حتى الدقيقة الأخيرة للحرب.

(3) فشلت إسرائيل في تحقيق أحد أهم أهداف حربها المعلنة على القطاع، فلا سلاح المقاومة انتزع، ولا هي رفعت الرايات البيضاء، ولا الأنفاق كفّت عن عملها المقاوم.

(4) فشلت إسرائيل في تحقيق هدف هام آخر لحربها على غزة، وتمثل في ضرب حكومة الوفاق وقطع الطريق على خيار المصالحة الوطنية، فمجريات الحرب ونتائجها، كرست المصالحة وقرّبت الفلسطينيين من بعضهم البعض، أكثر من أي وقت مضى.

(5) بعد الحرب، ستدخل إسرائيل في معمعة التلاوم المتبادل والتحقيقات والاتهامات بالتقصير، وسيفقد نتنياهو مستقبله السياسي كما يرجح كثيرون، وربما تذهب إلى انتخابات مبكرة، فيما ثقة الرأي العام بقادته ومؤسساته وأمنه الشخصي والعام، ستكون أضعف من أي وقت مضى.

في المقابل، يمكن القول إن الفلسطينيين حققوا ما يأتي:

(1) كل خسارة منيت بها إسرائيل هي ربح صافٍ لهم، فـ«المعادلة الصفرية» هي القانون الناظم للعلاقة بين الجانبين بكل تأكيد.

(2) خرج الفلسطينيون بثقة أعلى بالنفس والمقاومة وبكل ما يمتلكون من خيارات وأوراق وبدائل.

(3) خرج الفلسطينيون أكثر صلابة وإصراراً من حرب امتدت لشهرين تذكرهم بحروبهم وانتفاضاتهم وثوراتهم المجيدة، التي كادت تضيع في دهاليز التفاوض وفوضى الحالة العربية.

(4) خروج القطاع من شرنقة الحصار الجائر، ورضخ الاحتلال لمطلب إعادة الإعمار فورا، وفتح المعابر وتقليص المناطق العازلة وتوسيع مناطق الصيد البحري، دع عنك نجاحهم في تثبيت أجندة المفاوضات اللاحقة حول المطار والميناء والأسرى وحركة المال وغيرها.

(5) خرج الفلسطينيون بتفاهم أفضل مع مصر بخصوص معبر رفح وتنظيم العلاقات مع القطاع.

     من هنا فإن حرب الصهيونية الثالثة على غزة؛ إذ بعثت روحاً جديدة في أوساط الفلسطينيين؛ فإنها تمهد لمرحلة استراتيجية في مسار المقاومة الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال، نأمل ألا تضيع فرصتها من دون أن تترجم إلى نهج جديد واستراتيجية جديدة، وعلاقات داخلية وإقليمية ودولية جديدة، وأنماط جديدة ومبتكرة ومتكاملة من أدوات الكفاح وأشكاله، فالمعركة مع العدو الصهيوني ما زالت في بداياتها، ومشوار الحرية والاستقلال ما زال طويلاً ومكلفاً.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك