رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: رجب أبو بسيسة 13 يونيو، 2018 0 تعليق

حراسة الهوية الإسلامية – الشباب والحروب الفكرية


إن مِن أشد الحروب التي يواجهها البشر هي الحرب الفكرية، وأقصد بها: ما يحدث مِن تشويهٍ متعمدٍ، ومحاولاتٍ مستميتة لتغيير الهوية في نفوس الشباب، فالشباب الآن صارت السهام تتناهشُهم مِن كل مكان، وأصبحوا في مرمى نيران الفتن، والمكر وكيد الأعداء، وما ذلك إلا بهدف تذويب متعمَّد للهوية الإسلامية والعربية، وتغيير ملحوظ ومخطط للمفاهيم، وترسيخ للتبعية الغربية والثقافة الأجنبية بدرجةٍ أكبر بكثير مما هو حادثٌ الآن.

     ومِن غير المعقول أن يُترك الأمرُ هكذا دون مقاومةٍ ووقاية، وتفنيد لشبهات هؤلاء، الذين يطرحونها ليل نهار في كل مكان، وبشتى الوسائل المعروفة، وإن لم يُوجَدْ مَنْ يفنِّد الشبهات ويردها، ويبينُ الحقائق للناس ولاسيما الشباب؛ فالمتوقع مزيدٌ مِن الانسحاقِ والذوبانِ في ضلالات الشبهات!

حائط الصد

     حراسة الهوية الإسلامية ولاسيما عند الشباب هي بمثابة حائط الصد أمام تلك الحملات المسعورة والمتكررة، بل وهي مهمةٌ تحتاجُ إلى يقظةٍ وعدم غفلة، واستمرارٍ، وعدم يأس، ولاسيما ونحن نرى بوضوحٍ أن أعداء الأمة يعملون جاهِدين على عدم استيقاظ الأمة، وهم مِن جلدتنا ويتكلمون بأَلسِنَتِنا! بل وتراهم يحاربون بالوكالة عن الحضارة الغربية كأنهم لا يعيشون معنا في واقعنا!

تاريخ الغرب

     والغريب في الأمر أن الكل يعلم تاريخ الغرب والحضارة الغربية، وطريقتهم في هدم المجتمعات وتذويب الهويات؛ فتاريخهم أكبرُ دليلٍ على مدى انحطاطِهم ومكرهِم، وكيدهم لهذه الأمة! ونحن -والحمد لله- على علمٍ ويقينٍ تامٍّ بمقاصدهم؛ ولِمَ لا؟! وقد أخبرنا العليمُ الخبيرُ بذلك في كتابه، فقال: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} (البقرة:217).

     ومِن أساليبهم الماكرة ما يشهد به لسان حالهم الذي يقول: «إذا أردتَ أن تقضي على مجتمع وهويته؛ فافتح لهم جامعة بثقافتنا وتقاليدنا!»، وأوضح مثالٍ على هذا، ما فعله اليهودُ عندما أقاموا جامعة (برنام)، فقد قالوا: «اليومَ أصبح لنا دولة!»؛ لأنها فُتحت وَفْقَ هُويتهم وثقافتهم؛ فإن كانت هذه نظرة اليهود؛ فماذا نقول نحن اليوم لمن يهاجم ثوابت الشريعة بلا هوادة، ويكيل لها التهم؟!

الاحتلال الغربي

     وإن كان الاحتلال الغربي للمجتمعات العربية والإسلامية تراجع بسلاحه ودباباته، لكنه لا يزال متغلغلًا ومتمكنًا بفكره وثقافته وأجنداته، وعملائه ووكلائه في عصب المجتمعات العربية الإسلامية، فكما قدَّمنا أولَ كلامنا أن مِن المعلوم أن الحرب الفكرية والثقافية أشدُّ ضراوة وأكبر تأثيرًا مِن الحروب العسكرية، بل الحرب بالسلاح والدبابات تُولِّدُ رُوحَ المقاومةِ والتحدي والاعتزاز بما عند الشعوب مِن هُوية وثقافةٍ، والواقعُ يشهدُ بِذلِكَ، بخلاف الغزو الفكري والمناهج المستوردة التي يصفِّق لها الكثير؛ فهي أشدُّ تأثيرًا في تغيير المجتمعات مِن الحروب العسكرية!

النصر الحقيقي

     لذلك فإن النصر الحقيقي الذي ننطلق به مِن هويتنا، ورسالة السماء التي أُنزلتْ علينا واختصنا الله بها هو ما لَخَّصَه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في مقولته: «إنَّا كنَّا أذلَّ قوم فأَعزنا الله بهذا الدين، فمهما ابتغينا العزةَ في غيره أذلنا الله»، والمخرجُ مما فيه الأمةُ الآن هو كما في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» (رواه أبو داود، وصححه الألباني)؛ وهذا يحتاج إلى الاستسلام للشرع، والاستعداد لقبوله والعمل به؛ إذ لا حياةَ ولا كرامة، ولا نصرَ إلا مِن خلاله: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} (الجاثية:18)، وقال -تعالى-: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} (الجن:16).

عودة المقدسات

     ولن تعود المقدسات إلا إذا حققنا ما في الحديث: «حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ»، والطريق للقدس يبدأ بعودتنا لديننا، والانتصار على أعدائنا يكمن في استقامتنا، وعودتنا إلى شريعتنا؛ فإذا استطعنا أن نحوِّل شريعتنا وهويتنا إلى واقعٍ ملموس، وإيجاد جيل يتحمل ويعتز ويعمل لهذا الدين العظيم كان النصرُ حليفَنا، ولا شك في ذلك، لكن المهم أن نبدأ، وأن يوجد مَن يبدأ! نعم الطريق طويل، وأنا أقول: سيزداد طوله؛ إن لم نبدأ ونتحرك الآن.

العمل اليوم

     وليعلم الجميع: أن العمل اليوم رغم مرارة الواقع، وكثرة تحدياته، وتفاقم أزماته، وكثرة وسائل الباطل وأدواته؛ إنما هو بمثابة بداية حياة وأمل للأجيال القادمة، وفي الحقيقة الشباب هم عماد الأمة ووقودها، وعلى كواهلهم تحمل الأمة وبهم تنتصر؛ لذلك كان مِن الطبيعي لأعداء الأمة وأذنابهم أن يوجِّهوا سهامهم إلى الشباب؛ ليبعدوهم عن التفكير في نصرة أمتهم ليسلكوا سُبُل الغواية!

الهزيمة النفسية

     قتلوهم، ولكن ليس بالسلاح، بل بالتبعية والهزيمة النفسية، وفتحوا عليهم أبواب الشهوات والشبهات، والفواحش والرذائل، -ومع الأسف- هناك مِن شبابنا مَن لعب به الهوى، وتمكنت منه الشهوات؛ فأصبح غارقًا لا يفكر، أعمى لا يبصر، أصم لا يسمع إلا ما يوافق هواه! ونسي ما قاله الله -سبحانه وتعالى-: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (الزخرف:36)، وقوله -عز وجل-: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} (الأنعام:44)، وقوله -تعالى-: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} (النساء:66).

أنتم الأمل

فيا شباب، أنتم الأمل، واستقامتكم هي بداية النصر؛ فلا تعينوا أعداءكم بمعاصيكم وذنوبكم، ولكن اجتهدوا للعمل بالمستطاع والممكن، وعندها يأتي الفرج، قال الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (العنكبوت:69).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك