رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 22 مارس، 2011 0 تعليق

حذروا من الحركات المنحرفة واستغلالها للأحداث-العلماء: المظاهرات هدفها تشتيت شمل الأمة والسيطرة عليها وتفريق كلمتها وتقسيم بلادها

 

قال سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارات البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ: من أسباب الفتن والضلال إثارة الفتن بين الشعوب والحكام عبر المظاهرات والمسيرات، المظاهرات لا هدف لها حقيقياً ولا حقيقة لها، وإنما هي أمور جيء بها لضرب الأمة في صميمها وتشتيت شملها والسيطرة عليها وتفريق كلمتها وتقسيم بلادها، يعلم ذلك من يعلمه ويجهل ذلك من يجهله·

وأضاف سماحته قائلاً: إن لها عواقب وخيمة ونتائج سيئة فبها تسفك الدماء وتنتهك الأعراض وتسلب الأموال ويعيش الناس في رعب وخوف وضلال·

      ودعا شباب الأمة إلى التبصّر في الواقع لنعلم أن عدونا لا يريد بنا خيرا، إن هذه الفوضويات إنما جاءت بتدبير من أعداء الإسلام فلنكن على حذر ولا يخدعنا ما نسمعه أو يروج لنا، فالمقصود منها إضعاف الشعوب والسيطرة عليها وشغلها بالترهات عن مقاصدها وغايتها·

      وقال: للإعلام دور في توجيه المجتمع، لكن عندما ينحرف عن مساره الشرعي يكون وسيلة للتدمير والتخريب وإبراز الشعارات البراقة ونقل الأحداث على غير حقيقتها وشحن القلوب على غير الحقائق وتسيير الأمة وفق ما خطط له وينقلها حسب مراده وهواه، مضيفا: القضية ليست لهدف معين وإنما غاية بعيدة المدى لضرب الأمة في صميمها وتشتيت شملها وضرب اقتصادها وتحويلها من دول قوية إلى متخلفة نامية حسب ما يخططون.

       وأكد أن هذه الأحداث تستغلها الحركات الحزبية والحركات المنحرفة لتتخلل صفوف الأمة وتبث سمومها، وأكد على عناية الإسلام بأمر استقرار الأمة وأمنها وانتظام حالها فجاءت الأوامر الشرعية التي نهت عن الشر والفساد وشرعت الحدود والزواجر المانعة للمسلم من الإقدام عليها وحثت الجميع على التعاون على البر والتقوى وحذّرتهم من الإثم والعدوان، وهذا الأمن الذي منَّ الله به علينا في هذه البلاد حتى باتت مضرب المثل بين كل البلاد وذلك نتيجة تحكيم شرع الله وكون دستورها كتاب الله وسنة رسوله[ وأضاف: وفق الله لهذه البلاد قيادة رشيدة تحكم بأمر الله فانتظمت الأحوال وسار الناس على الخير فلله الفضل والمنة أولا وآخرا، وزاد: لقد حرص الإسلام على إرساء قواعد الأمن في المجتمع المسلم لأنه ضرورة للمجتمع، فأمر بطاعة ولاة الأمر بالمعروف، وأهل السنة والجماعة يرون أن طاعة ولاة الأمور من أصول عقيدتهم الصحيحة الدالة على السمع والطاعة في الأمر بالمعروف لما فيه من الخير والصلاح للأمة واستقامة حالها وانتظام كلمتها وبها تحقن الدماء وتحفظ الأموال الأعراض وتنتظم الحياة.

على كل مسلم أن يبرأ من هذه الأمور

     وفي هذا السياق يتحدث سماحة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان – عضو هيئة كبار العلماء عن المظاهرات والفوضى ومسببات سفك الدماء، فيقول سماحته: هذه الأعمال من أشد ما فتك بالبلاد الإسلامية، وإذا نظرنا إلى الكفار فمثلاً دولة اليهود وهي مجمعة من أطراف الدنيا لم نَجِد فيها انقلاباً في يوم من الأيام، والدول الكبرى الشرقية والغربية لم نجد فيه انقلاباً  أو ثورات ولا يقوم بالثورات والانقلابات إلا من لا يهتم بمصالح أمته، ولا يرعى ذمتها، وهي من أسباب تقويض قيم الأمة، وزرع الأحقاد، وسفك الدماء، وتسليط الأعداء، الشر فيها ظاهر، والخير إما أن يكون ضئيلاً قليلاً، وإما أن يكون معدوماً·

       وأول انقلاب وجد بالنسبة للمسلمين: الخروج على عثمان-رضي الله عنه- وقتله وجميع الصحابة-رضي الله عنهم-مجمعون على فساد ذلك العمل، والواجب على كل مسلم: أن يبرأ من هذه الأمور، النبي[ سُئل عن الولاة وأمر بالسمع والطاعة ونهى عن الخلاف·

       ولَمَّا اجتمع علماء بغداد: عادوا من فرارهم وجاؤوا إلى الإمام أحمد يريدون أن يتكلموا في حق الخليفة العباسي غضب عليهم وعزرهم وشدد عليهم-رضي الله عنه- وأن عملهم عمل خطير منكر والخير باتباع السلف·

      ومن جانبه يقول فضيلة الشيخ العلامة الدكتور صالح بن فوزان الفوزان – عضو هيئة كبار العلماء: الأمن ضرورة للمجتمع لكل مجتمعات البشرية ولا سيما مجتمع المسلمين والأمن ضد الخوف وضد القلق وضد الانزعاج وهو ضرورة لكل مجتمع لأن به تتم وتستقيم المصالح وتستتم وبفقده تضيع الحقوق وتضيع المصالح ويحصل القلق والخوف تحصل الفوضى ويتسلط الظلمة على الناس ويحصل السلب والنهب وتسفك الدماء وتنتهك الأعراض، إلى غير ذلك من مظاهر فقد الأمن للمجتمع فلا يأمن الإنسان على نفسه وهو في بيته لا يأمن على أهله وحرمته ولا يأمن على ماله ولا يأمن وهو في الشارع ولا يأمن وهو في المسجد ولا يأمن وهو في مكتبه ولا يأمن في أي مكان إذا زالت نعمة الأمن عن المجتمع وهناك من يحاولون إزاحة الأمن عن المجتمعات لأجل أن تكون الدنيا فوضى ولاسيما في بلاد المسلمين، الأمن يتحقق بأمور الأمر الأول بتوحيد الله تعالى وعبادته وطاعته والعمل الصالح؛ قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور: 55)، وكذلك يتحقق الأمن باجتماع الكلمة وطاعة ولي الأمر، قال[  لما طلب منه أصحابه النصيحة والوصية: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمّر عليكم عبد حبشي؛ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثير فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور»، ولا تستقيم الولاية والجماعة إلا بطاعة ولاة الأمور، أما الخروج عليهم ومحاولة خلع ولايتهم ومحاولة إفساد الأمر فإن هذا هو الهلاك العظيم وإن زين وزخرف أنه طلب للحرية وأنه طلب لتحقيق المصالح والإصلاح فكل هذا كذب وتدجيل، المصلحة والأمن إنما هما باجتماع الكلمة وطاعة ولي الأمر ولو كان عنده تقصير، أما إذا خلعت الولاية وعمت الفوضى فمن الذي يضبط الأمور بعد ذلك، من الذي يضبط الأمور بدون ولي الأمر، بدون ولاية قائمة.

        يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كلاماً معنا: ولا يعرف طائفة قامت على ولي أمرها إلا كان حالها بعد زواله أسوأ من حالها مع وجوده. وهذا مجرب الآن، الولاة الذين أزيلوا والرؤساء الذين أزيلوا ماذا كانت حالة بلادهم من بعدهم؟! لا تزال في خوف وقلق وفوضى وسفك دماء وأنتم تعلمون ذلك وتسمعون به، إن أعداءنا يريدون أن يفككوا تجمعات المسلمين وألا تقوم لهم دولة ولا ولاية وأن يشتتوهم ويشردوهم، هذا ما يريدونه فلا ننخدع بكلامهم ودعاياتهم وتحريضهم فأعداء الإسلام يحاولون إزالته بشتى الوسائل إما بإزالة تجمع المسلمين واجتماع كلمتهم وإما بتفريقهم إلى أحزاب وجماعات باسم الدين كل جماعة تعادي الأخرى {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}، وإما بالليبرالية والعلمانية التي هي فصل الدين عن الدولة، يقولون: الدين في المساجد فقط وأما خارج المسجد فلا سلطة للدين لا في الأسر البيوت ولا في الشوارع ولا في المعاملات ولا في الدماء ولا في أي قضية، ليس للإسلام دخل في هذا وإنما هذا تحكمه الأنظمة البشرية والقوانين كما يقولون، هذا منهج العلمانيين والليبراليين وهو ركيزة ركزها الكفار في أبناء المسلمين إن من يشجعون على هذه الفوضى ويشجعون على هذه المظاهرات وهذه المطالبات الصعبة وإن كانوا من أبناء المسلمين فهم مغرورون فعليهم أن يتفكروا في العواقب وأن يكون موقف المسلم من هذه الفتن موقف الإصلاح، وبيان ما في هذه المظاهرات وهذه الفوضى من المفاسد العظيمة والشقاق الكبير الذي لا ينجبر ولا ينتهي، وأنتم تشاهدون دولاً بجواركم زال ولاتها فماذا كانت حالتها؟! لا تزال في فوضى ولا تزال في انزعاج وعدم طمأنينة·

       ومن جانبه قال فضيلة الشيخ صلاح بن محمد البدير إمام وخطيب المسجد النبوي: فاحذَروا سلَّ الأيدِي عن رِبقة الطاعَة، واحذروا مُفارقةَ الجماعة، واحذروا أصحابَ الفِكر المقبوحِ والتوجُّه المفضوح، دعاةَ الفتنة وأذنابَ الأعداء ورؤوس الشرّ الذين امتلأَت قلوبهم حقدًا على الإسلام وأهله، وحسدًا على بلادِ التوحيد وأهلها؛ فسَعوا إلى إشاعةِ الفوضى، والنَّيْل من كرامة بلادنا وأمنها وسيادتها ووحدتها، عبر الدعوةِ إلى إقامةِ ثوراتٍ ومظاهرات، ومسيراتٍ وتجمهُرات، وتجمُّعات وإضراباتٍ واعتصامات، في أرضِ الحرمين الشّريفين خدمةً لأعداءِ الإسلام وأهدافهم الخبيثة.

        وأضاف: إن شَعبُ المملكةِ العربية السعوديّة على وعيٍ بأهدافِ تلك الدّعواتِ المُغرِضة والأفكارِ المدحورة، وعلى إدراكٍ لمآلاتها الخطيرة وعواقبها السيئة، وعلى عِلمٍ بمن يقِفُ وراءَها من أصحاب العقائد الفاسِدَة، الذين يُريدون تمرير مخطَّطاتهم الخبيثَة ونواياهم القذِرة في بلادِ الحرمين الشريفين، عَبرَ تلك المُظاهرات والمسيرات.

         وقال أيضا: تلك المظاهراتُ والمسيرات التي يُدعَى إليها في أرضِ الحرمين تُعدُّ خروجًا على هذه الولايَة المسلِمَة التي تحكُم بكتاب الله وسنّة رسوله[.

        ومن عقيدتِنا السلفيّة الناصِعة: عدمُ جوازِ الخروج على ولاةِ أمرنا، أو قتالهم، أو مُنابَذتهم، أو إظهار الشناعة عليهم، أو تحريك القلوبِ بالسوءِ والفتنة ضدَّهم، وندعُو لهم بالصلاح والمُعافاة والتوفيقِ والسّداد.

        وتحريمُ تلك المظاهرات والدعوة إليها في بلادِ الحرمين ظاهرٌ لكلِّ عاقلٍ ومُنصِفٍ لمنع وليِّ الأمر لها، ونهيِه عنها، وطاعتُه واجبة، ولما تُسبِّبُه تلك المظاهرات من فُرقةٍ وفتنة، وعدوانٍ وعُنفٍ وظلم، وتشويشٍ وتشويه، وفوضَى وتخريب، واستخفافٍ بالحقوقِ، وشقٍّ لعصَا الطاعةِ والجماعة، ومفاسدَ لا تخفى عُقباها ولا يُجهَل مُنتهاها.

       وشعبُ المملكة العربيَّة السعوديَّة يرفُض الفوضَى، ويرفُض التدخُّل في شؤونهِ من أيِّ جهةٍ كانت، ويقِفُ مع ولاةِ أمرِه ضدَّ كلِّ حاقدٍ وحاسِد، وعابثٍ وفاسد، ومارقٍ مُفارِق، وخائنٍ مُنافِق، وضدَّ كلِّ من يُريد زعزعَة الأمن في بلدِه وزرعَ الفتنة في أرضه، ونمُدُّ أيديَنا لولاة أمرنا، ونضع أيديَنا في أيديهم، ونقول: نحن على العهدِ والوفاء، والولاءِ والانتماءِ، سِلمًا لمن سالمَكم، وحربًا على مَن حارَبَكم.

         وأكد أن نصيحة وليِّ الأمرِ تكونُ بالطرقِ الشرعية التي تُحقِّقُ المصلحةَ وتدفع المفسَدة، ولا تكونُ بالمسيرات والهُتافات والمُظاهرات، ومن رأى نقصًا أو خللاً أو خطأً، أو أراد تقديمَ رأيٍ أو مشورةٍ أو نُصح؛ فأبوابُ الولاةِ والأمراءِ والعلماء والوزراء والمسؤولين مفتوحة، ومَن نصَح فقد أدَّى ما عليهِ وبرِئَت ذمَّتُه؛ فعن عِياض بن غَنْمٍ  قال: قال رسول الله[: «مَن أراد أن يَنصَحَ السلطانَ بأمر فلا يُبدِ له علانية، ولكن ليأخُذ بيده فيخلُو به، فإن قبِلَ منه فذاك، وإلا كان قد أدَّى الذي عليه له» أخرجه أحمد وابنُ أبي عاصم وله شواهد.

يتساءل: كيف نجعل سلطة الشعب حاكمة في التشريع؟!

      الدكتور عبد الرحمن بن صالح الأطرم : النظام الأساسي للمملكة يؤكد أن دستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله[

 فمن العجب أن ترى بياناً يصدره ثلة من المثقفين وغيرهم في المملكة العربية السعودية بعنوان (إعلان وطني للإصلاح) تكون أول بنوده المناداة بأن ينص في الدستور على أن الشعب هو مصدر السلطة، بينما نرى النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية ينص في مادته الأولى على أن «المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله...»، وحاشا لمسلم أن يجعل سلطة الشعب حاكمة في التشريع، بل الشرع هو الحاكم، وهذا ما تقرره المادة السابعة من النظام الأساسي للحكم، ونصها: «يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله، وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة»، وقد جاء النظام الأساسي للحكم مستمداً من كتاب الله تعالى وسنة رسوله[، ومن استعراض مواده يظهر ذلك جلياً، بدءاً من علم المملكة الذي تتوسطه كلمة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» ولاينكس أبداً (المادة 3)، ومبايعة الملك تكون على كتاب الله تعالى وسنة رسوله، وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره (المادة 6).

      والمبادئ والقيم التي يُنادَى بها كثيراً نجدها منصوصاً عليها في النظام مقيدة بأن تكون على هدى الشريعة، ففي المادة 8 «يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية»، وفي تربية الأسرة وتوثيق الأواصر وجمع الكلمة والتلاحم جملة مواد محررة (المواد 9 – 12)، وفي الباب الرابع تقرير للمبادئ الاقتصادية وفق الشريعة، ويأتي الباب الخامس من النظام في الحقوق والواجبات، فتنص المادة 23 على أن الدولة «تحمي عقيدة الإسلام وتطبق شريعته وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتقوم بواجب الدعوة إلى الله»، وفي المادة 26 «تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية»، وفي المادة 27 «تكفل الدولة حق المواطن وأسرته في حالة الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة...»، وفي المادة 28 «تيسر الدولة مجالات العمل لكل قادر عليه...»، ثم تأتي مواد في العمل والتعليم والصحة والبيئة، وتجهيز القوات المسلحة لحماية العقيدة والحرمين والمجتمع والوطن، وتنص المادة 34 على أن «الدفاع عن العقيدة الإسلامية والمجتمع والوطن واجب كل مواطن».

        وفي الباب السادس في سلطات الدولة تبين مواده السلطات الثلاث: القضائية والتنفيذية والتنظيمية، ومصدر الإفتاء في المملكة، وتقرر استقلال سلطة القضاء «ولا سلطان للقضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية» المادة 46، و«تطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة» المادة 48، وينص النظام على أن الملك «يقوم بسياسة العامة سياسة شرعية طبقاً لأحكام الإسلام، ويشرف على تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة والسياسة العامة للدولة وحماية البلاد والدفاع عنها» المادة 55، ويجعل النظامُ الوزراءَ مسؤولين بالتضامن عن تطبيق الشريعة الإسلامية، ففي الفقرة (ب) من المادة 57: «يعتبر نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء الأعضاء بمجلس الوزراء مسؤولين بالتضامن أمام الملك عن تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة والسياسة العامة للدولة»، وسنّ الأنظمة من قبل السلطة التنظيمية منوط بأن يكون وفق قواعد الشريعة الإسلامية ففي المادة 67: «تختص السلطة التنظيمية بوضع الأنظمة واللوائح فيما يحقق المصلحة أو يرفع المفسدة في شؤون الدولة وفقاً لقواعد الشريعة الإسلامية».

        وليس المقصود هنا الاستعراض لجميع مواد النظام الأساسي للحكم، أو تقديم دراسة فيها، وإنما المراد في ظل هذه الأحداث الجارية أن أُذكِّر جميع إخواني في المملكة العربية السعودية وكل مسلم غيور في أنحاء العالم بما تحرر في هذا النظام من انبثاقه من الشريعة الإسلامية وارتباطه بها، وبما استقر عليه العمل في المملكة وفقاً لهذا النظام، فكيف يمكن أن نستجيب لنوازع أو شعارات تريد أن تخلخل هذا النظام، أو تسلب أغلى ما فيه وهو مرجعيته إلى الكتاب والسنة وتطبيق الشريعة الإسلامية {قل أأنتم أعلم أم الله}؟!

      ولعل من لم يقرأ هذا النظام أو كان بعيد العهد به أن يراجعه ويتأمله في ظل هذه الظروف التي تعصف بالعالم من حولنا، وتتصدرها نداءات إسقاط النظام أو الثورة على النظام، لنكون واثقين بأن شعارنا الذي نرفعه هو «الشعب يريد المحافظة على النظام»، وحري بنا أن نعتز بنظام قوي الأساس محكم البناء.

      وليس غريباً أن يكون النظام الأساسي للحكم بهذا البناء؛ لأن المملكة العربية السعودية كيان قد تم تأسيسه وتوحَّدت مناطقه واجتمعت قبائله والتأم شمله تحت عقيدة التوحيد وشريعة الإسلام، فلم تجمعه شعارات قومية ولا مذاهب فلسفية ولا عقائد بدعية ولا عصبيات قبلية، بل هي عقيدة التوحيد ورابطة الإسلام.

        وعلى ذلك تمت البيعة، فتكونت الجماعة في هذا الوطن (المملكة العربية السعودية) في تلاحم بين الإمام والرعية؛ انطلاقاً من قول الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً}.

       ولزوم الجماعة دين، ومما تقرر في عقيدة السلف الصالح: «ونرى الجماعة حقاً وصواباً والفرقة زيغاً وعذاباً»، ومن أعظم العقوبات الربانية لمن حاد عن منهجه: العذاب بالفرقة والتشتت {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض}، وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النبي[ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عميةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلاَ يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلاَ يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّى وَلَسْتُ مِنْهُ».

       فالواجب المتقرر بمقتضى الشرع الحنيف والعقل السليم أن يسعى الجميع إلى المحافظة على النظام، وعلى الكيان والجماعة في هذا البلد، وأن نتجنب كل ما من شأنه إثارة التشاحن وإيقاع البغضاء وبث الفرقة سواء في شكل مظاهرات جماعية أو فتن كلامية، أو إثارات عصبية أو شعارات خادعة، وأن نعمل بيقظة على سدّ جميع المنافذ في وجه يريد هذا الكيان أو مبادئه بسوء سواء كان من أهل الشبهات، أو أصحاب الشهوات، أو ممن جمع بينهما.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك